نداء الوطن
نجم الهاشم
لم يَستَقِلْ الياس عطالله من الحزب الشيوعي. ترك الحزب بعد بروز خلافات بينه وبين المكتب السياسي. نتيجة تهديد سوري مباشر أُبعِدَ إلى الإتحاد السوفياتي بما يشبه النفي السياسي وإنهاء مسؤوليته كمسؤول عسكري في الحزب بعد أحداث شباط 1987. ولكنّه لم يبقَ هناك طويلاً. إنتقل إلى براغ ثم عاد إلى بيروت ليبدأ رحلة الإبتعاد عن الحزب في المرحلة نفسها التي كانت بدأت تشهد شعوراً مماثلاً عند الأمين العام جورج حاوي.
* كيف كنتم تنظرون إلى عمليات «حزب الله» ضد الأميركيين كتفجير السفارة الأميركية ومقر المارينز؟
- لم يكن هناك «حزب الله» بعد. كان الحرس الثوري الإيراني. ولا أعتقد أنّ جهة محلية كانت وراء تفجير السفارة الأميركية في عين المريسة.
* من؟ السوفيات؟
- من كان الهدف؟ 12 مسؤولاً في المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط. ولكن لا أعرف من نفّذها بالضبط. هذا تقدير. أستبعد أن تكون محلية.
+ مركز الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور؟
- أعتقد أنّها محلية. كنا نخترقهم بواحد مهم كثيراً. ولكنه انقلب وصار معهم. كان مع أبو جهاد أصلاً. كان يعمل في العمليات الخارجية في الحزب. لم تكن للحزب تلك القوة التي يتمتّع بها اليوم. مشكلتنا كانت أنّ «أمل» مختلفة مع «حزب الله» ومختلفة معنا في الوقت نفسه. صلة الوصل بينها وبين الحزب كان النظام السوري. حاولنا مع «أمل» الوقوف في وجه الحزب ولكنّهم لم يقبلوا.
حصلت مؤامرة ضدّي
* كيف تطورت علاقتك مع السوريين والحزب بعد شباط 1987؟
- بلّغوني أن محمد الخولي (مسؤول المخابرات الجوية في سوريا) سأل جورج حاوي «عندكم واحد بالحزب اسمو الياس عطالله»؟ قال له جورج «نعم». تصوّر أنهم لا يعرفونني؟ سأله جورج حاوي «لماذا؟». قال له: «يا بتشيلوه يا بتلاقوه مقتول عالطريق». ونتيجة ذلك حصلت مؤامرة ضدّي في الحزب على خلفية أنّه يجب أن أترك الحزب نتيجة التهديد السوري. شككت في أساس الخبرية. قلت ذلك داخل الحزب وأنّ القصة فيها اختراع. كانوا صاروا متضايقين من وجودي وهذا ما جعلني أتساءل «لماذا توقفت أعمال المقاومة بعدما تركت؟».
* متى تركت؟
- تركت المسؤولية العملية منتصف عام 1988. ولكن لم أترك الحزب. ذهبت إلى موسكو وبقيت شهراً ونصف الشهر. عندما عدت وجدت أنهم «قالبين الدني ومعيّنين ومركّبين» في الحزب.
* لماذا ذهبت إلى موسكو؟
- طلبوا مني الذهاب. قالوا لي «بيقتلوك السوريين». قلت لهم: «تحبّونني أكثر مما أحبّ نفسي؟». أخذني جورج حاوي جانباً وقال لي: «لا يمكنني أن أضحّي ببديلي». قلت له: «وأنا لا يمكنني أن أضحّي بأميني العام. إذا كانوا يريدون قتلي فهذا يعني أنهم يريدون أن يقتلوك قبلي. إذهب أنت وأبقى أنا».
* ماذا قال؟
- رفض. كان الموضوع غير قابل للنقاش. أعتقد أنه كان أعطى وعداً بذلك. صارت حفلات بكاء في الإجتماعات وكانت عملية الإخراج إلى العلن من خلال الإتفاق على أن يذهب معي إلى موسكو ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي حتى لا يظهر وكأنّني المستهدف شخصياً وأنّهم يريدون استبعادي.
* كان هناك تنسيق مع السوفيات؟
- لم يكن هناك تنسيق. أول مرّة ذهبت إلى موسكو كانت زيارة عادية لأمور تتعلّق بالمقاومة. كنّا في اجتماع مع مسؤولين كبار وجدّيين.
* كاي جي بي؟ (KGB)
- عسكر. ما في حدا مش KGB هناك.
* كنتم تنسقون معهم في العمليات؟
- نحن عرضنا أن يساعدونا. عرضنا المشكلة التي نريد حلّها وراحوا ورجعوا واجتمعنا. كانوا برتبة ماريشالات. كان هذا الإجتماع مخصّصاً لهذا الأمر. وصل ستاسينلاف ماتوزو، الذي صار لاحقاً معلّقاً على الأحداث بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وكان يحمل رسالة من الحزب. سألته عن هذه الرسالة. قال: «نتغدّى ونحكي بعد الغداء. لدينا وقت كثير للشغل». قلت له «ما الموضوع؟». قال: «يبدو أنّك ستبقى عندنا مدّة طويلة». أخذت الرسالة وفتحتها وقرأت فيها أنّه إذا كان بالإمكان أن أبقى هناك ستة أشهر.
+ كم بقيت بعد ذلك؟
- يوماً واحداً. ثم ذهبت إلى براغ (عاصمة تشيكوسلوفاكيا التي كانت ضمن دول الإتحاد السوفياتي). أرسلت خبراً إلى الحزب. قلت لهم إنّ الحكي في هذا الموضوع ما عاد يفيد. كان زارني في موسكو مسؤولون من الحزب ونائب الأمين العام لإقناعي بالبقاء هناك. خِفت أن يعملوا بي ما كان يعمله السوفيات في تلك الأوقات عندما كانوا يحتجزون من يريدون إبعادهم.
* كم بقيت في براغ؟
- ستة أيام تقريباً.* كيف عدت؟
- عن طريق سوريا.
* لماذا؟
- أرسلوا إليّ التيكيت للعودة وكان عن طريق دمشق. أطلعتهم على الأمر في براغ. كان هناك بعض أعضاء المكتب السياسي. قلت لهم «هل يعقل أن أعود عن طريق دمشق وهم يريدون قتلي؟» قالوا «إنهم يريدون أن يعرفوا إذا كنت تجرؤ على العودة عبر سوريا». قطعت في النهار نفسه وعدت. نزلت في مطار دمشق وانتقلت برّاً إلى بيروت. ما حدا حكاني كلمة. بعد عودتي أضرب المكتب السياسي. رفضوا الإجتماع إلّا إذا عدت وغادرت. رجعت رحت. بقيت شهراً ونصف الشهر وعدت من مطار بيروت.
* من قابلت؟
- ماتوزو المسؤول عن التعامل معنا والمكلّف من اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي في موسكو.
* طلب منك أن تبقى هناك؟
- كلا.
الصوت الواحد في الحزب الشيوعي
* كنت أخذت القرار بترك الحزب؟
- كنت أخذت هذا القرار من قبل ولكن لم أعلن عنه. لا أترك الحزب قبل أن أؤمِّن وضعية أنتقل إليها.
* ماذا كنت تطلب؟
- عملت اليسار الديمقراطي. حضرت له منذ العام 1987. شايف «حزب الله»؟ الحزب الشيوعي أصعب منه عقائدياً من ناحية الإلتزام. الظاهرة التي نشأت في تاريخ الحزب كانت أنّه عندما يُطِلّ إلى الخارج يكون صوتاً واحداً. في الداخل كان هناك إجماع. بدأت أخرق هذا الإجماع وأطرح أسئلة وأناقش منذ العام 1984. انتبهوا. كانت أسئلتي تتمحور حول العلاقة مع النظام السوري وحول النظام الداخلي في الحزب. لا توجد أقلية وأكثرية. يوجد إجماع. الحزب مركّب ليكون فيه إجماع ومن لديه رأي معارض بيروح عالطريق.
* كانت هناك حالات اعتراض في ظلّ جورج حاوي؟
- لم يكن هناك أحد ضدّه بعد. أبداً. صوتت نحو 300 مرة وحدي. المكتب السياسي 22 ما كان أحد منهم يصوِّت معي. نقلت المشكلة إلى اللجنة المركزية وكان هذا الأمر بمثابة جريمة بالنسبة إليهم لأن المكتب السياسي قدس الأقداس لا تخرج منه أي كلمة. كل ما يحصل فيه يبقى فيه.
* متى ابتعدت كلياً؟
- بدأت ابتعد منذ المؤتمر السادس عام 1992. كنت بقيت في المكتب السياسي ولكن من دون أي مسؤولية. كانوا يعرضون عليّ تولي أيّ مسؤولية أريدها ولكنّني رفضت تولّي أيّ مسؤولية. جورج استقتل لكي يمنعني من ترك الحزب. كان يعرف أنّني فعّال منذ كنت من سنوات طويلة مسؤول المنظمات. في النهاية كان قراري عدم إحداث إنقسام في الحزب إنّما الخروج منه وتشكيل تنظيم آخر. شيء آخر مختلف.
* جورج حاوي ابتعد في الوقت نفسه؟
- جورج ترك الأمانة العامة قبل أن أترك أنا الحزب. بعد المؤتمر السادس استقال. صار يعتبر أن الحزب عقبة في وجهه.
جورج حاوي أيضاً
+ فكّر بأن يعمل حزب الشعب بعد انهيار الإتحاد السوفياتي؟
- نعم. فكر بالنيابة أيضاً. أول مرة أراد أن يترك الحزب عندما رفضت أن أترشّح إلى المكتب السياسي. زعل وترك المؤتمر السادس. كان المؤتمر منعقداً في قهوة الغلاييني وهو في البيت. ذهبوا لعنده في محاولة لإقناعه بالحضور فلم يقتنع. كريم مروة دعا المكتب السياسي للإجتماع وهذا مخالف للنظام الداخلي عندما يكون هناك مؤتمر عام لأنّ كل الهيئات الحزبية تُحَلّ خلال المؤتمر. تكون فقط هيئة رئاسة المؤتمر. اعتبر أنّه يمكن تجاوز هذا الأمر. قلت له: «أنا خارج من الإجتماع. وخذوا القرار الذي تريدونه». كانوا يريدون أن أترشّح إلى المكتب السياسي. قلت لهم «تريدون أن يأتي جورج ويشارك في الإجتماع؟» قالوا «نعم».
تركت المؤتمر وتوجهت إلى المركز في المصيطبة للقائه. كان يسكن في شقة فوق المركز. قلت له: «إمشِ معي». قال: «لوين». قلت له «إنهم ينتظروننا. سأترشّح إلى المكتب السياسي وتبقى أنت في الأمانة العامة». كان يرتدي دشداشة. لبس ثيابه وذهبنا إلى المؤتمر. خضنا الانتخابات وفق النظام الموجود. كنت أنوي تقديم وثيقة سياسية ضدّ الوثيقة السياسية التي قدّمها المكتب السياسي وكنّا بدأنا نشكل اليسار الديمقراطي ووضعنا وثيقة ونظاماً داخلياً. قبل المؤتمر أقرّوا النظام الداخلي مع حقّ التعديل وكلّفوا أحدهم بتعديله فعدّله وأعاده كأنّنا في أيام ستالين. صرت أعقد إجتماعات علنية تحت اسم اليسار الديمقراطي، وكنت لا أزال في الحزب. وجّهوا إليّ عدداً من الإنذارات ولكنّني لم أردّ. «ما كانوا يطردوني. بدّي يطردوني ما طردوني. بالآخر فلّيت. لا استقالة ولا طرد».
* وجورج حاوي؟
- ما عاد أميناً عاماً. عمل رئيس مجلس وطني ولكنه بقي في الحزب. حاول يعمل الحركة الشعبية. بعد 14 آذار أراد أن يكون معنا في اليسار الديمقراطي. يوم اغتياله كنا سنذهب معا إلى الشمال. كان آتياً لعندي. وكنت أنتظره في الغندول في شارع مار الياس. اغتالوه على الطريق عند محطة الزهيري في وطى المصيطبة (اغتيل في 21 حزيران 2005).
* كان قد ملّ من الحزب الشيوعي؟
- ملّ منهم كلهم. كان يقول لي إنّ معظمهم كمالة عدد.
* كان يوجد تيار في الحزب قريب من «حزب الله»؟
- على أيامه كلا. ولكن كان بدأ يتكون تيار ضدّه.
* مثلاً؟
- الموجودون اليوم في معظمهم. وهم من جيل ليس عنده لا تجربة ولا ممارسة قيادية.
* حنا غريب ( أمين عام الحزب حالياً) ماذا كان؟
- مسؤول المعلمين الثانويين. كان شيوعياً. أنا أدخلته إلى الحزب في كلية التربية ولكنهم ما كانوا «فلتات» لا في الجامعة ولا كأشخاص. كانوا في الفرقة معي في الجامعة وبالكاد كانوا يحكوا. كانوا نقابات وأوادم ولم أكنّ لهم أي ضغينة.
يتبع السبت 13 كانون الثاني
عارضت اغتيال عون ولم نخطط لاغتيال بشير أو سمير