آلان سركيس - نداء الوطن
لا يزال عنوان فلسطين والأقصى يُدغدغ مشاعر سنّة لبنان والعرب. ولا يستطيع أحد إنكار الصدمة التي أحدثتها حركة «حماس» بعد تنفيذها عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول الماضي. وإذا بقيت الحرب محصورة حتى الساعة داخل قطاع غزة، يبقى إحتمال تمدّدها إلى خارج القطاع ودول الجوار، قائماً.
يُعتبر لبنان من أكثر الدول تأثّراً بما يحصل في المحيط. وتثير تركيبته الديموغرافية والسياسية المخاوف ممّا قد يحصل. ويبقى الجنوب اللبناني ساحة مفتوحة وقد يشهد كل السيناريوات إذا بقيت الدولة مستقيلة من مهمّتها ولا يوجد قرار سياسي بضبط الساحة.
وحاول «حزب الله» منذ اليوم الأول لتسخينه ساحة الجنوب وانطلاق المناوشات، إعطاء بُعد سنّي ووطني لعملياته، وتكرّس هذا الأمر مع دخول «قوات الفجر» التابعة لـ»الجماعة الإسلامية» وبعض الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها «كتائب شهداء الأقصى» ساحة العمليات ولو بشكل محدود. ومع إعلان حركة «حماس» تأسيس «طلائع طوفان الأقصى» ودعوة المخيمات الفلسطينية في لبنان للإستجابة، عادت إلى الأذهان تجربة «فتح لاند». وتتخوّف جهات لبنانية سياسية وأمنية ورسمية من تكرار تجربة «فتح»، واتساع الرقعة وعدم إقتصار ساحة الجنوب على لاعب واحد هو «حزب الله».
وإذا كانت الأجهزة الأمنية تراقب نشاط المخيمات الفلسطينية وعمل الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية فيها، إلا أنّ تكرار تجربة «فتح لاند» بـ»حماس لاند» تبدو صعبة للغاية.
وتعود الأسباب إلى عوامل عدّة، خارجية وداخلية. فعند انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني، كانت هناك إستفاقة للقوميات العربية، وانطلقت حركة «فتح» ورفاقها في العمل الفدائي المسلّح بعد نكسة 1967 وسط احتضان سنّي - عربي وتعاطف مع القضية الفلسطينية، وحصل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات على دعم مُطلق من معظم الدول العربية، ولقيَ احتضاناً سنّياً داخلياً وسط انقسام كبير بين شرق وغرب، وهجوم من القوى الوطنية على «المارونية السياسية»، فحصلت حرب الآخرين على أرض لبنان.
ويختلف الوضع السنّي اليوم جذرياً عن فترة ما بعد 1967، لذلك لم تُعلّق الغالبية الساحقة من القيادات السنّية مرحّبة بإعلان حركة «حماس»، ولم تجتح التظاهرات المدن والبلدات لدعم هذه الخطوة. المطّلعون على أجواء دار الفتوى، يؤكدون أنّ الدار مع كل نشاط أو تحرّك نصرةً لغزة ولفلسطين، لأنها القضية الأم، لكن هذا التحرّك حدوده إحترام سيادة الدولة وقرارها بالسلم والحرب، فأي عمل سواء كان عسكرياً أم غير عسكري يجب حصوله تحت راية وقيادة الدولة اللبنانية والأجهزة الأمنية.
تتابع دار الفتوى أوضاع المخيّمات الفلسطينية، وهي على إتصال بالسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة «حماس»، لكنها تخاف إدخال لبنان في مسلسل الفوضى الذي يخدم إسرائيل، فتسلّح الفلسطينيين قد لا يوصل إلى أي مكان ويخلق جزراً أمنية، وقد نشهد في أي مخيّم ما حصل في «عين الحلوة» في الصيف الماضي، وبالتالي السلاح قد يُستخدم في صراع الإخوة مثلما حصل داخل الأراضي الفلسطينية بين حركتَي «فتح» و»حماس»، وعندها سيذوق الشعبان اللبناني والفلسطيني الكأس المرة مجدداً.
إذاً، لدار الفتوى موقف واضح في دعم القضية الفلسطينية وأهل غزة، واحترام السيادة اللبنانية وعدم نشر الفوضى والسلاح، وهذا الموقف تُلاقيه الغالبية الساحقة من القوى السياسية السنّية، التي ترفض منطق استباحة الدولة والسيادة اللبنانية، وتشكيل «حماس لاند».
وتتخوّف قوى سياسية سنّية معارضة ووسطية من استعمال هذا السلاح ليس لتحرير فلسطين، بل لقلب موازين قوى الداخل وبسط محور «الممانعة» سيطرته على الساحة السنّية، مستغلاً العاطفة تجاه القضية الفلسطينية من جهة، وغياب المرجعية السنّية الواحدة. ويعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الممثل الأول للسنة في الدولة وهو ضدّ إستخدام الجنوب ساحة، وموقفه واضح في هذا المجال عكس القيادات السنية التي أيّدت العمل الفدائي في أثناء الحرب.
وتكثّفت الإتصالات في الساعات الماضية لوضع خريطة طريق ومواجهة أي تحوّل يمكن أن يجرّ المخيّمات الفلسطينية ولبنان إلى الفوضى العارمة، مع التأكيد على الرفض المطلق لزرع مزيد من «الدويلات داخل الدولة».