جهاد إسماعيل - الأخبار
من المقرّر، مبدئياً، أن يلتئم مجلس الوزراء، عند تعذّر تعديل السن القانونيّة بموجب قانون، بقصد تعيين قائد جديد للجيش قبل 10 كانون الثاني المقبل، ما دفع بعض رجال السياسة والقانون إلى طرح إشكالية التعيين في غياب توقيع وزير الدفاع. وإذا كانت الإجابة عن هذه الإشكالية من بديهيات القانون الدستوريّ، إلا أنّ قراءة الدستور لا يعوزها جهد لنستنتج أنّ توقيع وزير الدفاع على مشروع مرسوم التعيين هو إجراء جوهريّ يؤثّر في صحة المرسوم ومشروعيته للأسباب الآتية:١ - تنصّ المادة 54 من الدستور على أن «مقررات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصّون...»، والمقررات التي يختصّ بها رئيس الجمهورية هي إما الموافقة على قرارات مجلس الوزراء، وإمّا الأعمال التي أولاها المشرّع إليه بموجب قرار لا يصدر، عادةً، عن مجلس الوزراء، وفي الحالتين، تتم ترجمة الموافقة بمرسوم لا يكتمل إلا باكتمال أركانه:
- الركن المادي (الموضوعي): وهو الموضوع الذي تدور حوله المقرّرات، حيث اشترط المشرّع صدورها بصيغة معيّنة.
- الركن الشخصي: يتمثل في الأشخاص المولجين إنفاذ المقرّرات وجعلها موضع التطبيق، حيث يؤدي غياب أحدهم إلى فقدان المقرّر بنيته ونفاذه.
ما يعني أن تخلّف أحد الأركان يُبقي مشروع المرسوم بلا قيمة دستوريّة، ويُفرغه من محتواه، وإلا لما كان المشرّع الدستوري، في لحاظ المادة 54، قد أوجب توقيع أشخاص بعينهم أو بصفتهم هذه. وبالتالي، على سبيل المثال لا الحصر، يجب أن يقترن المرسوم بتوقيع كلّ وزير تكون لوزارته علاقة مباشرة بالأحكام القانونية والتنظيمية التي يتضمنها المرسوم، إلى جانب توقيع رئيسَي الجمهورية والحكومة، وهو أمرٌ أكّده المجلس الدستوري، في القرار الرقم 8/2020، بقوله «إن مشاركة الوزير المختص في التوقيع ليست أمراً شكلياً، بل هي من المسائل الجوهرية التي تتوقف عليها شرعية أو لا شرعية تلك المقرّرات». وهذا التأكيد الصادر عن المجلس يرسم الجزاء المترتّب عن مخالفة المادة 54 بما لا يقلّ عن إنتفاء أصل وجود المرسوم المشكو منه، عندما طرح مسألة الشرعية التي تتفرّع عنها كلّ قاعدة إلزامية أو جوهرية.
ثانياً: في الفقرة الأولى من المادة 66 من الدستور، جعل المشرّع من الوزير مؤتمناً على تطبيق القوانين والأنظمة في الأمور العائدة لوزارته. وهذا الائتمان المعطى له يوليه امتيازين، الأول منحه حقّ المشاركة في أي سلطة تنظيميّة يقتضيها اختصاص وزارته، والثاني يتجلّى في تحمّله مسؤوليّة أعماله الوزارية وفقاً للفقرة الثالثة من المادة 66، ما يعني أنه ليس من المنطقي أن تُعطى للمؤتمن على هذه الامتيازات، ولا يشارك في القرارات الناجمة عنها، ولا سيما أنه من الثابت، قانوناً واجتهاداً، بأن السلطة التنظيمية التي تمارس، في الغالب الأعمّ، عبر مراسيم تنظيمية لا تقوم إلا بقيام أو مشاركة الوزير المختص في أعمال هذه السلطة بمقتضى القوانين. وحجب الوزير، عبر إغفال توقيعه، عن هذه المشاركة هو إخلالٌ بالقوانين وتالياً في ممارسة السلطة التنظيمية الهادفة إلى حُسن سير المرافق العامة، ما يؤدي إلى مخالفة الأصول الشكلية الجوهرية كأحد أركان القرار الإداري الذي يُوجب الإبطال أمام القضاء الإداري سنداً للمادة 108 من نظام مجلس شورى الدولة. ويصمد هذا التحليل أمام ما جاء في قرارٍ صادر عن مجلس شورى الدولة، رقم 133/ 1997، بأن «خلوّ المرسوم من توقيع الوزير المختصّ يجعل من هذا المرسوم عملاً إدارياً باطلاً لصدوره عن سلطة غير صالحة».
ثالثاً: عملاً بأحكام المادة ١٩ من قانون الدفاع الوطني، يعيّن قائد الجيش بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الدفاع، لذا، إنّ المادة المذكورة تقودنا إلى أمرين:
الأول: وجوب صدور المرسوم بناءً على اقتراح الوزير المختصّ، يعني أنّ سلطة الوزير في الاقتراح، وفي المشاركة في اتخاذ القرار داخل مجلس الوزراء، أو من خلال مرسوم عادي، تشكّل ضمانة دستوريّة وقانونية تحصّنه لجهة أن أيّ تدبير ذي صلة مباشرة بوزارته، لن يُتخذ من دون موافقته، لكونه سيتحمل تبعة وزارته بالدرجة الأولى.
وللدلالة على أهمية اقتراح الوزير المختصّ، أكّد المجلس الدستوريّ، في القرار رقم 5/ 2001، حظر تقييد الصلاحية للوزير المختص باقتراح التعيين، ما يفيد بأنّ الحظر الذي حدّده المجلس الدستوري ورد على أيّ قيد على اقتراح التعيين، وبالتالي إن حرمان الوزير المختصّ من الاقتراح أو التوقيع برمته من شأنه أن يحرم المرسوم المعني من الشرعية، وكذلك من أيّ أثرٍ يتولّد عنه.
الثاني: ثمّة عددٌ قليل من الأنظمة أو القوانين لا تشترط صدور المرسوم بناءً على اقتراح الوزير المختصّ، كالمادة 18 من القانون الموضوع موضع التنفيذ بموجب المرسوم رقم 1306 /1971، لجهة تعيين القناصل في ملاك وزارة الخارجية، إذ سمح هذا الواقع بالاستنتاج أن الأصل هو اشتراط اقتراح التعيين من الوزير المختصّ، عندئذٍ لا يجوز، في أيّ حال، اكتمال هذا التعيين إلّا باقتراح الوزير المختصّ. أما الاستثناء، فهو إجازة تجاوز الاقتراح عندما ينصّ القانون على خلاف ذلك.
وبما أن قانون الدفاع الوطني أوجب تعيين قائد الجيش بناءً على اقتراح وزير الدفاع كوزير مختصّ، فلذلك ليس مسموحاً إجراء هذا التعيين إلّا باقتراح الوزير، ذلك أن توقيع الأخير دلالة، ولو غير مباشرة، على أن التعيين جرى بناءً على اقتراحه الموجب لصحة أيّ مرسوم يخصّ وزارته، ما لم يستسغ الواقع السياسي إشكالية دستوريّة إضافية ترتبط بالفصل بين الاقتراح والتوقيع!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا