كارين عبدالنور - نداء الوطن
بعد يوم انتخابي طويل عاشته نقابة المحامين في بيروت يوم أمس، نجح فادي المصري بانتزاع لقب النقيب بشقّ الأنفس. أما النتائج، فظلّلتها مفاجآت عدّة، بعضها كان متوقّعاً وبعضها الآخر سُجّل كسابقة في تاريخ النقابة.
اليوم الانتخابي افتُتح الساعة التاسعة صباحاً بجلسة تخلّلتها مناقشة البيان المالي لسنة 2023 وتلاوة أرقام الصندوق النقابي وصندوق التقاعد، قبل أن يُفتح باب النقاش العلني. وكانت لافتةً مشاركةُ محامي حركة «أمل» ومطالبتهم باحترام ميثاق الشرف النقابيّ. ثم انطلقت عند الساعة الثانية عشرة والنصف عملية التصويت إلكترونياً على البيانات المالية وانتخابات الأعضاء.
الإقبال لم يكن بالمستوى المقبول. وبعد أكثر من تمديد، أُقفلت صناديق الاقتراع للدورة الأولى - أي لانتخاب الأعضاء - عند الساعة الثانية بعد الظهر. ففاز كلّ من لبيب حرفوش (2264 صوتاً) بعضوية مجلس النقابة كما الأعضاء: عبدو لحود (2031)، فادي المصري (1929)، إيلي إقليموس (1869)، إسكندر الياس (1824)، ووجيه مسعد (1531). فيما حلّ إسكندر (ألكسندر) نجار عضواً رديفاً (1528) - بفارق ثلاثة أصوات عن أقرب منافسيه، ما شكّل مفاجأة لدى عدد من المتابعين.
في الدورة الثانية انحصرت المنافسة بين كلّ من المرشّح فادي المصري المدعوم من «الكتائب اللبنانية» وعبدو لحود مرشّح «القوات اللبنانية». وأسفرت النتيجة النهائية عن فوز المصري بـ1973 صوتاً متفوّقاً على لحود بـ23 صوتاً فقط.
أوساط متابعة لليوم الانتخابي لفتت إلى أن سقوط إقرار البيان المالي لكل الصناديق شكّل سابقة في تاريخ النقابة. إذ سقطت بالتصويت براءة الذمة عن السنة الماضية واقتراح مشروع الموازنة لسنة 2024، كما اقتراح رفع قيمة الرسم السنوي. ويُعتبر عدم التصويت على البيانات المالية، بدوره، بمثابة انتكاسة تُسجَّل في عهد النقيب السابق، ناضر كسبار. ذلك من حيث تعبير المحامين عن عدم ثقتهم في إدارة النقابة المالية بدءاً بأمين الصندوق الذي، بحسب كثيرين، سخّر الصندوق لأغراض انتخابية، وصولاً إلى النقيب الذي أصرّ على تشكيل لجان لا دور لها من دون التركيز على مراقبة حسن الإدارة المالية داخل النقابة. والخوف أن يستفيق المتقاعدون بعد أشهر قليلة على واقع أن «لا أموال في صندوق النقابة للمتقاعدين».
سياسياً، يقول مطّلعون إن «المطبخ» الكتائبي الانتخابي تصرّف باحترافية، حيث تراجعت أصوات المرشّح لحود في الدورة الثانية بواقع 81 صوتاً، في حين تقدّم «سكور» المرشّح المصري بواقع 44 صوتاً. في حين أعرب «تيار المستقبل» علناً عن تأييده ودعمه الكامل للحود. من ناحيته، قام «التيار الوطني الحرّ» بدعم المرشّح الكتائبي، لا لشيء إنما لقطع الطريق أمام مرشّح «القوات». هذا وحظي المصري بدعم أعضاء مجلس النقابة إضافة إلى التفاف مجموعات مهنية مستقلة حوله وبمواقف اتّسمت بالعلنية. وقد سُجّل في هذا الإطار جهد لافت للعضو المنتهية ولايته، إيلي بازلي، دعماً للمصري أيضاً.
بعض المرشّحين المستقلّين ذهبوا حدّ عنونة انتخابات أمس بـ»انتخابات الكذب والغدر»، حيث لم تتوانَ الأحزاب عن تغليب المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، باعتبار أن المفاهيم السياسية تسقط على مسرح التقاء التناقضات. فقد كان ثمة إجماع، يشبه الإصرار، لدى الأحزاب لناحية الانقضاض على النقابة وجعلها مجلساً لها بدلاً من أن تكون منارة للعدل والقانون، بحسب مراقبين. ورأى البعض الآخر أنّ «التيار الوطني الحرّ»، منتهجاً بوجه الجميع سياسة «التذاكي» المعهودة، مستمرّ بالتراجع نقابياً بعد سلسلة الانتكاسات السياسية.
عودة الأحزاب من باب النقابة الواسع لا يبشّر بالخير، كما يشير من أملوا في وصول مرشّح مستقل. فوفق هؤلاء، صنع أكثر من 1200 محامٍ مخالف ومرتكب نتيجة الانتخابات، بدلاً من شطبهم من النقابة. إذ رغم الملفات القضائية بحقّهم، واصلوا نشاطهم بحماية نقابية حزبية، حيث يُتوقّع أن يزدادوا عدداً بعد انتخابات الأمس.
مخاوف البعض حيال مزيد من التراجع في دور النقابة، نتيجة التدخّلات الحزبية والشخصية، قد تكون في مكانها. وهو ما تقع مسؤوليته على عاتق كل من مجلس النقابة والنقباء السابقين الذين أوصلوها تباعاً إلى ما هي عليه.
على أي حال، انتهى يوم أمس بخلاصات ثلاث: الانتخابات لم تجرِ بمنأى عن لعبة الأحزاب؛ حملات بعض المرشّحين لم تخلُ من مباركة النقيب السابق نفسه؛ والنتائج التي أفرزتها الصناديق تضع وعي المحامين وتفضيلهم مصلحة النقابة وحرصهم على إنقاذها من دوّامة التخبّط على محكّ الاختبار. على أمل أن يتمكّن النقيب المصري من تبديد بعض، إن لم يكن كل، مخاوف الخلاصات المذكورة وهواجس طارحيها.