نور نعمة - الديار
تغرق اميركا والدول الاوروبية الداعمة "لاسرائيل" في وحول معركة "الابادة الجماعية" في قطاع غزة دون دراية، ما اقترفت اياديهم مع الدولة العبرية في شحن النفوس الفلسطينية والعربية والاسلامية، وكل انسان حر لا ينصرالقاتل ولا يجرم المقتول. وتتكلم حكومة الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو على تحقيق انجاز وهمي يريد عبر سيطرة جيشه على مستشفى الشفاء، ولكن في الحقيقة انه انجاز وهمي يريد نتنياهو بيعه وتسويقه لمواطنيه.
فهل قتل الاطباء والممرضات والاطفال الرضع في مستشفى الشفاء مكسب عسكري ام جريمة وحشية؟ فهل وجدوا اسلحة لحماس او انفاقا في هذا المستشفى؟ وحين لم يجد جيش الاحتلال اي معطى متعلق بحماس في المستشفى، بدأ باختراع الروايات "المفبركة" عن وجود انفاق واسلحة في هذا المستشفى، بهدف تحسين صورته امام الرأي العالمي، ولكن الاعلام الاميركي كذب "الرواية الاسرائيلية". في المقابل لا تزال حماس بموقع قوة، خاصة انها لا تزال تمسك بورقة المحتجزين والرهائن، بينما ما فعله جيش العدو هو نشر الاكاذيب عن بطولاته، ولكن الكلمة للميدان والمعركة لم تحسم بعد.
الحقيقة واضحة ، وهي ان احتلال جيش العدو الاسرائيلي لمستشفى الشفاء، ومن ثم الخروج منه ، هو وصمة عار على المنظمات الانسانية وعلى الامم المتحدة، وعلى الدول التي تدعي الحضارة.
الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية لم تفهم يوما منطقة الشرق الاوسط، ولذلك حلولهما التي نفذاها لم تهمد الصراع الفلسطيني – "الاسرائيلي" المزمن، او اي صراع آخر في المنطقة، بل على العكس اجّجت حدة الصراع بين الفلسطينيين و"الاسرائيليين"، ذلك ان زرع "اسرائيل" في الشرق الاوسط وفق وعد بلفور، وقضم اراض فلسطينية ومن ثم تبني اميركا حماية امن "اسرائيل"، ادى الى تفجير المنطقة بأكملها، حيث وصلت النيران الى العالم برمته. والحال ان الكيان الصهيوني هو كيان شاذ في منطقتنا، وسيظل كذلك مهما زودته واشنطن بأكثر الاسلحة تطورا، فلا يمكن ان يعيش هذا الكيان المبني على القتل والكره والحقد تجاه الفلسطينيين.
اليوم عملية طوفان الاقصى ولدت من رحم الظلم والاضطهاد والحزن والبؤس، وتمكنت كتائب القسام من خرق "اسرائيل" امنيا في 7 تشرين الاول 2023 وحصل ما حصل، فأتت الولايات المتحدة الاميركية بأساطيلها واسلحتها الى الشرق الاوسط لتدير الحرب التي ستقوم بها "اسرائيل" على حماس، او بالاحرى على اهل غزة كلهم، ولحقت بها بريطانيا وفرنسا والمانيا في تأييد الدولة العبرية بتصفية حماس. وهنا كررت واشنطن ومعها الدول التي ذكرناها، الخطأ نفسه باللجوء الى الخيار العسكري ونبذ الخيار السياسي في مقاربة الصراع الفلسطيني – "الاسرائيلي".
عدد شهداء غزة وصل الى اكثر من 142 الفا، من بينهم 6 آلاف طفل شهيد، فهذه الدماء التي سفكت في غزة ستؤسس حتما لبيئة فلسطينية اكثر تشددا واكثر عدائية واكثر تصميما في قتالها لـ "اسرائيل"، رغم الوجع والتدمير والخراب الحاصل اليوم في غزة. علاوة على ذلك عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا من القصف "الاسرائيلي"، ضاعف الحقد عند الشعوب العربية والاسلامية تجاه "اسرائيل" واميركا والدول المؤيدة للعدوان على غزة.
وبكلمات اخرى، استكملت اميركا مسيرة الظلم والقهر والمجازر والحقد الاعمى ضد الشعب الفلسطيني، بدلا من ان تذهب الى خيار سياسي يبدأ بمفاوضات حل الدولتين. ولكن للاسف واشنطن تكثر في الوعود منذ عقود بحل عادل للفلسطينيين، انما اكاذيبها ونفاقها لم تعد تجوز على الشعب الفلسطيني ولا على اي شعب آخر. وعليه لم يعد الفلسطيني ينتظر الحصول على حقوقه في الارض وفي الامن وفي الاقتصاد من اي دولة، بل اضحى مدركا ان وحدها المقاومة الفلسطينية المسلحة هي القادرة على تأمين مطالبه وحقوقه.
من هنا، مهما قصفت "اسرائيل" قطاع غزة وتوغلت فيه بريا، ظنا منها انها قادرة على استئصال حماس من القطاع، ومهما تمسك اميركا بـ "اسرائيل" وتعمل على تعزيز قوتها في المنطقة دون اللجوء فعلا الى اقامة دولة فلسطينية، ستواجه "اسرائيل" الف عملية طوفان الاقصى في المستقبل القريب، لان الكيان الصهيوني يمكنه قتل مناضلين من حركة فلسطينية معينة، ولكنه لم ولن يستطيع قتل روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني. والتاريخ خير دليل على ذلك. فالدولة العبرية حاولت تصفية حماس مرارا منذ أكثر من عشرين سنة ولكنها فشلت في تحقيق هدفها، كما لم تستطع ان تخمد الثورة داخل كل فلسطيني. وها هي اليوم تستخدم كعادتها الحديد والنار لمواجهة الفلسطينيين، ومع ذلك لم تتمكن من احباط عزيمتهم على مقاتلتها، رغم مرور ما يقارب مئة عام على هذا الصراع.
"اسرائيل" التي واجهت في البدء حركة فتح وحصلت معارك عنيفة بين الجانبين لفترة طويلة من الزمن ، ومن ثم اختارت فتح الذهاب الى مؤتمر اوسلو، معتبرة ان الخيار السلمي ممكن مع "اسرائيل"، وان الاخيرة ستصدق في البنود التي لحظتها اوسلو وهي اقامة دولة فلسطينية. ولكن هل حصلت حركة فتح على ما ارادته؟ ضربت "اسرائيل" اتفاق اوسلو بعرض الحائط، تاركة الفلسطينيين يتخبطون بفشلهم وبخيبة املهم وبيأسهم.
وبعد الخيبة التي منيَ بها الشعب الفلسطيني بعدم حصولهم على دولة، ارتفعت شعبية حماس والجهاد الاسلامي اللذين لا يعترفان بـ "اسرائيل"، ويؤمنان فقط بالمواجهة العسكرية ضد الكيان الصهيوني، لانهما يعلمان ان خصمهما فاقد الاخلاق والضمير، ولا يحترم قرارات الامم المتحدة بل يدوس عليها. وبالتالي ورغم تفوق "اسرائيل" العسكري، تمكنت حماس في مواجهات عدة من ايلام العدو، الى ان نفذت عملية طوفان الاقصى الذي اعتبره الشعب الفلسطيني الانتفاضة الثالثة على "اسرائيل".
وسواء تمكنت او لم تتمكن "اسرائيل" من اخراج حماس من غزة، فان الفلسطيني يولد مقاوما، يتربى مناضلا ويقاتل حتى الرمق الاخير. سينشأ 1000 تنظيم على غرار حماس، ما دام ان اميركا و "اسرائيل" ستعتمدان الخيار العسكري كحل للقضية الفلسطينية، لان روح الثورة نابضة في قلب كل فلسطيني، والظلم لا يمكن ان يدوم مهما طال الزمن.