أكبر الغابات البرية في العالم بدأت تنكمش
أكبر الغابات البرية في العالم بدأت تنكمش

مشاهير ومتفرقات - Saturday, November 11, 2023 7:02:00 AM

نداء الوطن 



طوال أكثر من قرنَين، استنتج العلماء أن المناخ يؤثر بكل وضوح على تحديد المناطق الجغرافية للمجتمعات النباتية. وبما أن الغابات والأتربة الشمالية تتعامل مع فصول شتاء تتراجع خلالها درجات الحرارة إلى تحت الصفر مقابل فصول صيف قصيرة، بدأت تلك الغابات والحيوانات التي تعيش فيها تتجه شمالاً في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

لكن كان تحرك الغابات نحو الشمال متقطعاً وأبطأ من المتوقع. في غضون ذلك، تسارع تراجعها باتجاه الجنوب بوتيرة تفوق ما افترضه العلماء. بدأ محللو الأنظمة البيئية الشمالية والغابات والأراضي الرطبة يرصدون أدلة مقلقة مفادها أن أكبر غابة برية بدأت تنكمش. تمتد منطقة الغابات الشمالية، المعروفة باسمها الروسي الأصلي «تايغا»، من الساحل إلى الساحل في أقصى شمال الأرض.

تُعتبر الأقمار الاصطناعية من أهم الأدوات لتعقب التغيرات التي طاولت الغابات الشمالية في العقود الأخيرة وتحديد مدى تطابق تلك التغيرات مع تحوّل عام باتجاه الشمال. يستطيع الباحثون أن يستعملوا الأقمار الاصطناعية لمراقبة التغيرات السنوية في خصائص الغابات، منها نمو الأشجار سنوياً ومساحة أغطيتها.

كشفت أحدث الدراسات التي استعملت الأقمار الاصطناعية أن وتيرة نمو الأشجار وأغطيتها زادت بين العامين 2000 و2019 في معظم أجزاء الغابة الشمالية. تركّزت هذه التغيرات بشكلٍ أساسي في أبرد المناطق الشمالية. لكن بقيت الأدلة محدودة حول توسّع الغابات بما يتجاوز خطوط الأشجار الحالية.

تكشف الدراسات أيضاً أن وتيرة نمو الأشجار وأغطيتها تراجعت في حالات كثيرة بين العامين 2000 و2019 في المناطق الجنوبية الأكثر دفئاً من الغابات الشمالية. في تلك المناطق، أدت زيادة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ متكرر إلى تراجع نمو الأشجار أو القضاء على أشجار فردية، بينما أثرت حرائق الغابات وعمليات قطع الأشجار على فقدان أغطيتها.

وأوضحت بيانات الأقمار الاصطناعية أن التغير المناخي يؤثر على الهوامش الشمالية والجنوبية من الغابات الشمالية. لكن إذا تراجع غطاء الأشجار في الجنوب بوتيرة أسرع من نموه في الشمال، يعني ذلك أن الغابة الشمالية ستنكمش على الأرجح بدل التوجه نحو الشمال بكل بساطة.

تتقدّم الغابات حين تنبت بذور الأشجار الفردية، لكن تنمو الأشجار الشمالية ببطء وتحتاج إلى عقود قبل بلوغ حجمٍ يمكن رؤيته بوضوح من الفضاء. لا بد من جمع بيانات ميدانية للعثور على أشجار حديثة العهد ينذر وجودها بتغيّر الحركة على طول خط الأشجار.

في أواخر السبعينات، وثّق العالِم ديفيد كوبر نمو أشجار التنوب الحديثة على ارتفاع أعلى بمئات الأمتار وفي مواقع على بُعد أميال من شمال أعلى أشجار الصنوبريات، في سلسلة جبال «بروكس» في ألاسكا. حين عاد الباحثون في العام 2021، اكتشفوا أن طول تلك الأشجار الصغيرة زاد بعدة أمتار وأنها بدأت تنتج الصنوبريات. الأهم من ذلك هو أن أولى رحلات الاستكشاف الميدانية كشفت أن عشرة أضعاف أشجار التنوب تنمو راهناً فوق خط الأشجار وما وراءه.

عند عبور الحدود بين الغابة الشمالية في ألاسكا ومناطق التندرا في القطب الشمالي سيراً على الأقدام، اكتشف العلماء آلاف الأشجار الشمالية الحديثة على بُعد يصل إلى 25 ميلاً من شمال خطوط الأشجار القائمة. ينمو معظمها حيث تتساقط الثلوج الأكثر عمقاً بسبب نسخة من «تأثير البحيرة» في المحيط المتجمد الشمالي، ما يعني أن يتحرك الهواء البارد في أنحاء المياه المفتوحة ويلتقط الأجزاء الدافئة والرطبة قبل أن يتساقط على شكل ثلوج في اتجاه الريح.

يؤدي تراجع الجليد البحري إلى بقاء كمية إضافية من المياه المفتوحة، ما يعني أن تزيد قوة الرياح التي تدفع بذور الأشجار إلى مسافة أبعد وأن تتساقط ثلوج إضافية تعزل الشتلات عن ظروف الشتاء القاسية. نتيجةً لذلك، تتحرك الأشجار في سلسلة جبال «بروكس» في ألاسكا سريعاً نحو مناطق التندرا الخالية من الأشجار. لكن تبقى عمليات التوسّع السريعة مُركّزة، فهي لا تنتشر في كل مكان حتى الآن على طول خط الأشجار الشمالي.

تكشف نتائج العلماء أن الغابات الشمالية بدأت تتفاعل مع ارتفاع درجات الحرارة. لكن يعني تسارع وتيرة التغيرات المناخية أن الأشجار لن تتحرك شمالاً على الأرجح بإيقاع يتماشى مع وتيرة فقدانها في الجنوب.

هل ستواكب الأشجار في أقصى الشمال التغيرات المناخية وتمنع انكماش الغابات؟ لا يعرف العلماء الجواب حتى هذه المرحلة. قد تنذر الأشجار الحديثة في سلسلة جبال «بروكس» بحصول توسّع من هذا النوع. في الوقت نفسه، لم يتّضح بعد إلى أي حد تستطيع الأجزاء الشمالية من الغابات تجميع ما يكفي من الكربون بفضل النمو المتزايد للتعويض عن خسارة الكربون جنوباً.

إذا كانت الغابات الشمالية توشك على الانكماش فعلاً، فلا مفر من أن تختفي من طرفها الجنوبي الراهن في نهاية المطاف، ما قد يؤدي إلى تضرر عدد كبير من الحيوانات الأصلية والمهاجرة، لا سيما الطيور، فيتراجع نطاق موائلها الشمالية. كذلك، تُعتبر الغابات مهمة من الناحية الثقافية بالنسبة إلى ملايين الناس، مثل مجتمعات السكان الأصليين في كندا.

يمكن فهم المشهد العام عبر مراقبة الغابات الشمالية حول العالم عن قرب، من خلال استعمال بيانات الأقمار الاصطناعية والقياسات الميدانية. سيتمكن الباحثون حينها من توقّع جزء من مستقبل آخر مساحات الحياة البرية في العالم.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني