نور الحاج
للمعركة العسكرية ميدانها واسلحتها المناسبة القادرة على تحقيق إصابات وأهداف مباشرة. أما المعركة الإعلامية فأجندتها واسلحتها لا تقل حدةً وفتكًا في سبيل تحقيق التأثير المرجو على الرأي العام الذي يساهم بدوره في رسم صورة الأحداث الجارية. فالاحداث تجري في الميدان ولا بد لها من أن تبقى على صعيد الميدان إن لم ينقلها الإعلام ويعطيها بعدا يجعلها قابلة للتفاعل سوى ايجابا أم سلبا.
وفي غزة، الأرض التي تشهد منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" حربًا عسكرية عنيفة متجذرة بسنوات طويلة من الصراع، بات الإعلام يلعب دورا حاسما في نقل صورة غزة إلى الرأي العام العالمي المتباين الاتجاهات والقناعات. فصور الأطفال الباكين أمام المستشفيات وغيرها من الأحداث الاليمة لم تكن لتعرف لولا عدسات المصورين وأصوات المراسلين. وهكذا نرى كيف تبقى الأحداث الجارية في الضفة الغربية تنال اهتماما أقل لأن الاعلام يوليها ذلك بالنسبة لما يعيره للقطاع المحاصر.
حقيقة يتيمة
تبين خلال التغطية الاعلامية المتواصلة أن حقيقة الحدث عينه تغيرت لانتقالها من بوقٍ إلى آخر ومن "بروباغندا" إلى أخرى وبالتالي يعود سبب قلة الموضوعية وتيتيم الحقيقة من جذورها إلى استعمال الإعلام كأداة سياسية كما شاع دائما أثناء الحروب والمعارك.
وتستخدم هذه الاداة لرفع المعنويات ورسم القصص الواقعية المركبة التي تشبه الواقع إلا أنها لا تعكسه بشكل كلي. فتغطية المؤسسات الإعلامية الغربية خير دليل على النية الموجودة لدى النظام الأنجلوسكسوني (الأميركي البريطاني)، خصوصا في "تحييك" حقيقة على قياس المصالح.
ولا يكون هذا الحديث من باب الهجوم إنما لأن الدول الغربية ومنذ الحرب العالمية الثانية كانت في صميم استعمال الإعلام لأغراض حربية سياسية على غرار دعايات النظام النازي كما تلك التي كانت مناهضة له. ولا يعود الأمر مستغربا والمحاولات مستبعدة لدى أصحاب السوابق الذين استطاعوا حصر تغطية حرب العراق في العام 2003على شاشة الـCNN.
الاعلام لأغراض متعددة
اليوم، يستعمل الأعلام في حرب غزة لعدة أسباب كرسم موازين القوى ورفع معنويات الجيوش المنهكة وهذا ما نشاهده في كل الخطابات الاسرائيلية كما في احاديث حلفاء اسرائيل واطلالات قادة المقاومة وشيوخها على حد سواء. من هنا، يبدو طبيعيًا أن نرى القادة عينهم يظهرون شبه يوميا على الشاشات للتكلم باسم المئات بل الآلاف ذلك لأن للخطاب اربابه وللكلمة أسيادها.
ولا يحرك الإعلام الجنود فقط في الميدان إنما أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي قادرة واكثر من أي وسيلة أخرى على أن تخلق جيشًا الكترونيًا موازيًا قد يدعم بشراسه أو يدين بشدة، مناصرٌ أومناهض وذلك من خلال المقتطفات الصوتية تارةً والصور تارة أخرى. وهو أصبح كـ "المدمن" يطالب لا شعوريًا بالمزيد طالما تم ترويضه على طريقة تفكير معينة تلقّاها وفهمها حتى تبناها.
لذلك نرى أن اعلام العالم بأسره انخرط في اللعبة الإعلامية منذ اليوم الأول ليس فقط من باب نقل الوقائع أو من باب المنافسة إنما أيضا بغية بناء الرأي العام الذي يتبعه وينتظره منذ اليوم الأول ليتشرّب الحقيقة.
تظهر محاولة التلاعب في الحقيقة إلى العيان في الوقت الذي لا تدرك العيون هذه العملية الإعلامية بما انها في صلبها لا بل هي فريستها. قدر الحقيقة أن تبقى غير موضوعية على الاقل فالواقع والحقيقة لا يمكنهما أن يلتقيا في أي قصة إعلامية أو حادث. وقدر الجماهير أن تظل تغلي تحت وطأة الأخبار والمشاهد. فلو مهما لمع نجم الأنظمة الليبرالية والديمقراطية التي تتغنى بمنحها المواطنين الحرية المطلقة فهي وفي الوقت الذي تحررهم، تحبسهم بالمشاعر التي تحرص على نقلها والمشاهد المؤثرة التي تتسابق عليها. وزعماء الشاشات وأصحاب الحضور الدائم على الصفحة الأولى سيظلون يرسمون لكل حدث قصة واقعية بعض الشيء وحقيقية بعض الشيء وموجهة بكل شيء.