جوزف القصيفي
في أمثال جان دولافونتين التي يوردها على لسان الحيونات ، والتي عربها شعرا عن الفرنسية الاب نقولا ابو هنا المخلصي، مثل " الذئب والحمل" الذي يستخلص في نهايته أن حجة الاقوى هي الافصل بعدما إفترس الذئب الحمل غير آبه بذرائعه، وتوسلاته، وتأكيده انه لم يكن المتسبب في تعكير جدول المياه اللذين يستقيان منه. مهما فعل الحمل، ومهما قدم من المبررات،فإن انياب الذئب مسننة وجاهزة لافتراسه.هذه هي حال الاسرائيليين مع الفلسطينيين عموما وابناء غزه خصوصا. دمهم ليس دما، ولحومهم مباحة. بالامس بلغ الحقد مداه، عندما أعلنت إسرائيل بكل وقاحة وصفاقة أن الفلسطينيين هم الذين قصفوا المستشفى الاهلي المعمداني في غزه، وايدها في ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن وتبنت اوروبا، ولاسيما فرنسا ،هذه الرواية. يرضى القتيل أن يموت، لكن القاتل يريد أن يميته مرتين بتصويره انه هو من قصف نفسه. انه حق القوة الغاشمة الذي يمارس بكل حرية وسط اشاحة نظر أممية، ولامبالاة غربية، وتطوع أميركي لطمس معالم المجزرة غير المسبوقة في التاريخ الحديث. هل ما اقدمت عليه إسرائيل دليل جبن،أو حسابات خاطئة، أو انفاذا لخطة تقضي بضرب المستشفيات والمراكز المدنية في القطاع بغرض تجريد المقاومين فيه من مقومات الدعم اللوجستي والصحي،تمهيدا لمسح غزه عن الخارطة ،وهدم كل ما هو قائم من منشآت مدنية فوق الأرض سواء كانت منازل، مساجد، كنائس،مؤسسات خدماتية صحية واجتماعية وادارات عامة، وذلك لجعل القطاع أرضا محروقة بديلا من اجتياحه اذا لم يتم. إن ما حصل ويحصل في غزه يعيدنا إلى صورة الذئب والحمل. الرئيس بايدن كان يؤدي فروض الطاعة إلى سادة إسرائيل. رئيس ديموقراطي طالما إدعى الدفاع عن حقوق الإنسان يساند بنيامين نتنياهو اكثر رؤساء وزراء إسرائيل تطرفا. لقد فاق ديفيد بن غوريون،وغولدا مئير، ومناحيم بيغن، اسحق شامير، آرييل شارون، إيهود اولمرت،بسلوكه اللانساني الذي بلغ ذروة الوحشية. من المؤسف والمعيب أن يتحول الرئيس الأميركي إلى خاتم في بنصر رئيس الوزراء الاسرائيلي. لقد أكدت عملية " طوفان الاقصى" أن واشنطن تعاملت مع إسرائيل كما لو أن إحدى الولايات الاميركية الرئيسة قد تعرضت لهجوم. مما تقدم يتبين أن واشنطن لا تستطيع القيام بدور الوسيط العادل في حل القضية الفلسطينية، ولا هي قادرة على إلزام إسرائيل بحل الدولتين. وهي تسوق للترتيبات التي ترتاح إليها تل أبيب. وهي تبيع بعض الدول العربية وعودا بامن مزعوم ،مقابل أن تسلم هذه الدول باملاءات الدولة العبرية بعد إدخال بعض " الروتشة" عليها. إن عددا من الدول العربية ممن هي في مواجهة مفتوحة ،وخصومة شديدة مع إيران تتوهم بأن إسرائيل ستكون درعها، وحصنها وملاذها في وجه طهران. لكن " طوفان الاقصى" كشف قصورها ،وتعثرها، وهشاشتها، وإصاب هيبتها وحضورها في الصميم، وهي أصبحت في حاجة لمن يدافع عنها،والا لماذا ارسلت الولايات المتحدة الاميركية اكبر مدمرة بحرية إلى المنطقة واقامت جسرا جويا لامدادها بالذخائر والاسلحة من كل نوع. أليس الفضل لهذه الدول أن تمتن علاقاتها مع دول الجوار،ولاسيما إيران،وإيجاد أطر لتنظيمها وتنسيقها، والتفاهم على إدارة المشتركات فيما بينها،والمتمثلة بخطوط ملاحية، ونفطية وغازية، وممرات استراتيجية،وثروات مائية، بدلا من تغليب ثقافة الحذر والكمون، وإشاعة أجواء التوتر، بما يعطل على جميع الافرقاء الإفادة من الامكانات الواعدة التي تختزنها بلدانهم. حرام أن يكون الدم الفلسطيني سلعة في سوق العرض والطلب،لأن هذا الدم يمثل نضال شعب وحقه في الحياة بعدما قررت السياسات الدولية مصيره بمعزل عن ارادته الدولية بعيد الحربين الكونيتين الأولى والثانية. وختاما، إن القضية الفلسطينية على الرغم من المجازر، وعمليات الابادة، والتواطؤ العربي والدولي، هي العائق في وجه السلام في منطقة الشرق الأوسط اذا لم يتم توافق دولي - إقليمي- عربي على وضع أسس حل عادل وشامل يعيد إلى الفلسطينيين حقوقهم، ويرضى به هؤلاء. مهما قست انياب الذئب، فإن دم الحمل لا يذهب هدرا لأنه يمثل صوت الضمير.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا