دوللي بشعلاني - الديار
بعد أن تحّدث الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين أواخر الشهر المنصرم، عن أنّه حان الوقت للترسيم البرّي، وباتت عودته قريبة الى بيروت، طلّ الأمين العام لحزب الله السيد نصرالله في كلمته المتلفزة بمناسبة المولد النبوي الشريف ليقول بأنّه "قد يكون هناك خلال أيّام، على ما يُقال، وساطة مرتقبة تتعلّق بالحدود البرّية"، مشيراً الى أنّ "استخدام مصطلح ترسيم حدود لبنان البريّة مع فلسطين المحتلّة خاطىء لأنّ الحدود مرسّمة، ولا يصحّ الربط بين الملف الرئاسي والحدود البريّة". وأعلن بأنّهم غير معنيين لا قبولاً ولا رفضاً بهذا الملف، الذي هو "من مسؤولية الدولة".
وبذلك ردّ السيد نصرالله على كلّ من يقول بأنّ ثمّة مقابل أو ثمن لقبول لبنان بـ "تثبيت" الحدود الجنوبية مع "إسرائيل"، يتعلّق بموافقة الولايات المتحدة الأميركية أو سواها على وصول مرشّح حزب الله الى قصر بعبدا. فكيف يُمكن أن يعود هوكشتاين الى لبنان ويقوم بهذه الوساطة في ظلّ الشغور الرئاسي؟!
تقول مصادر سياسية مواكبة لملف الترسيم الحدودي بأنّ أي وساطة أو أي إقتراح ممكن أن يطرحه هوكشتاين على الدولة اللبنانية، لا بدّ وأن ينتظر انتخاب رئيس الجمهورية المخوّل بالتوقيع على أي معاهدة أو إتفاقية دولية، بحسب الدستور. ولكن بما أنّ الحدود اللبنانية مرسّمة منذ العام 1923 من خلال إتفاقية بوليه- نيوكومب، ومثبتة في اتفاقية الهدنة في العام 1949، فإنّ المطلوب اليوم عدم ترسيم الحدود مجدّداً أو تثبيتها، إنّما إظهار الحدود التي تداخلت مع الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة في العام 2000 ، على أنّه خط تثبيت إنسحاب قوات العدو الإسرائيلية من المنطقة الجنوبية وليس خط حدود.
من هنا، فإنّ محاولة هوكشتاين ستكون محصورة بالمفاوضات للتوصّل الى حلّ ما، يجري التوافق عليه بعد انتخاب الرئيس. علماً بأنّ الرئيس هو الذي يقود التفاوض بشأن المعاهدات أو الإتفاقيات، ولكن يُمكن أن يستحصل من بعض المسؤولين اللبنانيين على الموقف اللبناني الرسمي، الذي يرفض التفريط بأي شبر من الأراضي اللبنانية. وقد كشف السيد نصرالله بأنّ الوساطة ستُركّز على منطقة شمال الغجر لأنّهم يريدون حلّ مسألة الخيمتين، وأنّ البحث يتمحور حول النقاط الـ 13 التي يحتلّها العدو، وأهمّها نقطة "الـ بي.وان" (أي رأس الناقورة)، وشمال الغجر وبعض الفلوات الموجودة هناك التابعة لبلدة الماري ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ما يعني أنّ موضوع الحدود البريّة يُحلّ مع حصول انسحاب "الإسرائيليين" من الأراضي اللبنانية التي لا تزال محتلّة، حتى وإن أكّد السيّد نصرالله بأنّ "هذه مسؤولية الدولة، ولا يجوز ربط ملف الحدود البريّة بالملف الرئاسي، وبالمفاوضات الأميركية- الإيرانية"، مشدّداً على أنّ "أي خطوة تساعد على تحرير الأرض ستلقى تعاوناً وتضامناً من المقاومة، وحقنا في الأرض نأخذه كاملاً ولا نساوم عليه في ملفات أخرى".
غير أنّ هوكشتاين خلال محادثاته في بيروت ولدى "الإسرائيليين"، سوف يُشدّد، على ما أضافت المصادر، على مسألة إزالة حزب الله للخيمتين اللتين نصبهما في مزارع شبعا وتُشكّلان مصدر قلق "للإسرائيلي". وهو بالطبع لن يُوافق على تحقيق هذا الطلب الأميركي و"الإسرائيلي" إلّا بعد أن يستحصل لبنان على حقوقه، من خلال انسحاب جميع قوّات العدو من الأراضي المحتلّة المتبقية التي ذكرها السيد نصرالله في كلمته. أمّا في حال لم تتمّ الموافقة على ذلك، فإنّ مسألة الحدود البريّة ستطول الى ما بعد بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة. من هنا، تجد المصادر أنّه إذا كان الأميركي مستعجلاً، عليه إقناع "الإسرائيليين" من الإنسحاب فوراً من الأراضي المحتلّة، تطبيقاً لما ينصّ عليه القرار 1701.
في الموازاة، ترى المصادر نفسها بأنّه من شأن الهدوء النسبي في المنطقة الجنوبية أن يُساهم في تمكّن لبنان من الإستفادة من الغاز والنفط المتوقّع اكتشافه في البلوك 9 ، الذي تعمل شركة "توتال إينرجيز" الفرنسية على التنقيب فيه منذ 24 أيلول المنصرم. ولهذا فإنّ الحفاظ على الإستقرار في المنطقة الجنوبية مطلوب حالياً وخلال السنوات المقبلة أيضاً. ويبدو أنّ المؤشّرات إيجابية حتى الساعة، وفق معلومات السيدّ نصرالله ايضا ، وإلّا لما كان كونسورتيوم الشركات قد تقدّم بطلب تراخيص جديدة في البلوكين 8 و10 لو ، لم يكن البلوك 9 واعداً.
وأشارت المصادر الى أنّ الفترة الممدّدة لدورة التراخيص الثانية للتنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية، قد انتهت في الثاني من تشرين الأول الجاري. وقد أعلنت وزارة الطاقة والمياه- هيئة إدارة قطاع البترول عن أنّه قبل ساعة واحدة من انتهاء موعد تقديم الطلبات للإشتراك في دورة التراخيص الثانية، تقدم الإئتلاف المكون من "توتال إنيرجيز" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"قطر للطاقة" بطلبي إشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على الرقعتين 8 و10 في المياه البحرية اللبنانية. علماً أن الشركات التي يتكون منها الإئتلاف مقدم الطلبين هي أصحاب حق بترولي في الرقعتين 4 و9 في المياه اللبنانية. تبقى البلوكات الأخرى 1 و2 و3 و5 و6 و7، التي سيُصار الى فتح دورة تراخيص ثالثة لها في وقت لاحق، ويُفترض حصول ذلك بعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، أو ربّما قد يتمّ اللجوء الى تمديد دورة التراخيص الثانية لهذه البلوكات لأشهر إضافية أخرى، لعدم انتظار حصول الإستحقاق الرئاسي وتشكيل الحكومة الجديدة.
فتقديم تحالف الشركات طلبات الإشتراك لتلزيم البلوكين 8 و10 هو أمر جيّد، بحسب المصادر، وقد يُشجّع الشركات الأخرى لتقديم طلبات الإستثمار في البلوكات المتبقية في حال جرى اكتشاف كميات تجارية من الغاز والنفط في البلوك 9، لهذا ما على لبنان الإنتظار سوى أسابيع معدودة بعد لكي يتمكّن من تنفّس الصعداء.