راكيل عتيّق - نداء الوطن
لم يقل الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، أمس الأول، جديداً في ملف النزوح. مقاربة «الحزب» معروفة: النظام السوري «براء» ممّا يحصل، واشنطن سبب النزوح الأمني والسياسي، المجتمع الدولي من خلال المنظمات الأممية والدولية وغير الحكومية، يشجّع النازح على البقاء في لبنان، والحلّ بالتواصل مع سوريا على أعلى المستويات الرسمية، مع طرح فكرة متداولة منذ سنوات: اتركوا النازحين يمرّون عبر المياه اللبنانية إلى أوروبا.
في توصيف نصرالله لأزمة النزوح وعلاجها السبب ونقيضه، بحسب جهات عاملة على هذا الملف، فإذا كانت العقوبات التي يرزح تحتها النظام السوري و»قانون قيصر» تحديداً سبب النزوح، كيف يدعو نصرالله لبنان الرسمي إلى مواجهة المجتمع الدولي من بابي «التطبيع» مع نظام الرئيس بشار الأسد والهجرة غير النظامية، ما قد يجرّ على لبنان عقوبات وعزلة إضافية ويفاقم الأزمة المالية – الإقتصادية؟
كذلك، تسأل جهات سياسية عدة: ماذا فعل «الحزب» في هذا الملف؟ ألا يمون على الأسد حليفه لضبط الحدود من الجهة السورية؟ ولماذا لم يتمكّن من إعادة عدد كبير من النازحين كما «وعد» منذ سنوات؟ ولماذا يجب على لبنان أساساً التواصل مع سوريا سواء لعودة النازحين «السوريين» أو لمنع «النزوح الجديد»؟ ألا يُفترض بالدولة السورية أن تقوم بذلك من دون الحاجة لأي تنسيق؟ كذلك، لماذا توريط لبنان والحكومة طالما يمكن لجميع حلفاء الأسد في لبنان، ومن بينهم نواب ووزراء التواصل معه وزيارة سوريا؟ لماذا لا يزور «حزب الله» أو مرشحه الرئاسي رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، على سبيل المثال، دمشق، ويلتقي الأسد، ويأتي بـ»هدية» للبنانيين، من بوابة النزوح، إذا كان التواصل مع سوريا هو الحلّ؟ وما الفائدة أساساً من أي تواصل إذا كان سبب النزوح ومسبّبه المجتمع الدولي، وتحديداً الأميركي؟ وإذا كان هذا الحلّ، فلماذا لم يزُر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون سوريا؟ ولماذا لم تعالج حكومة الرئيس حسان دياب «الممانعة» مئة في المئة أزمة النزوح عبر التواصل مع دمشق؟
هذا بحسب جهات سياسية ومختصة عدة، لأنّ الهدف الأساس من «جرّ» لبنان الرسمي إلى التواصل «على أعلى المستويات» مع سوريا، ليس حلّ ملف النزوح، بل «إراحة» الأسد عبر شكل من أشكال التطبيع، و»بيع» لبنان بعض التسهيلات السورية لضبط النزوح، لـ»تعويم» حلفائها، علماً أنّ هذا واجب على سوريا وليس «منّة» منها.
كذلك تسأل جهات عدة: ماذا يفعل «حزب الله» على هذا المستوى؟ يقول مسؤول ملف النازحين في «الحزب» النائب السابق نوار الساحلي لـ»نداء الوطن»: «قال السيد نصرالله إنّ هذا شغل الدولة والحكومة. نحن لا نحلّ مكان الدولة ولا قواها الأمنية ولسنا موجودين على الأرض»، مشيراً إلى «أنّنا نطلب عبر وزرائنا الاتصال بسوريا على أعلى المستويات لمواجهة الضغط الأميركي والأوروبي». ويسأل: «ما هي الطرق الأخرى لمعالجة الملف، غير التواصل الرسمي مع سوريا؟».
رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يدعوه «الحزب» دائماً إلى زيارة دمشق حاملاً معه ملف النزوح، آثر حتى الآن عدم «التورّط» في مواجهة مع المجتمع الدولي. لكن ماذا بعد كلام نصرالله؟ يقول النائب السابق علي درويش القريب من ميقاتي لـ»نداء الوطن»: «هناك لجنة مكلفة من مجلس الوزراء تملك صلاحية التفاوض مع الجانب السوري، يُفترض أن تقوم بواجبها، وبناءً على النتيجة وإذا استدعى الامر، يقوّم الرئيس ميقاتي موضوع الزيارة، فهذه المسألة تُقوّم بحسب واقع معيّن والظروف التي ترافقها وانطلاقاً ممّا تصل إليه اللجنة».
كذلك يشير درويش، إلى أنّ هناك انقساماً في لبنان حول هذه المسألة، حتى ضمن الحكومة، لكن الرأي الرسمي واضح، أنّه عندما يكون هناك أفرقاء قريبون من سوريا ويمكنهم لعب دور إيجابي من خلال علاقتهم التاريخية والحالية معها، فهذا يفيد لبنان».
التواصل الرسمي مع دمشق، وتسهيل هجرة النازحين غير النظامية إلى أوروبا، و»معاداة» المنظمات الدولية العاملة في لبنان.. كلّها مطروحة منذ سنوات، لكن بحسب أحد المسؤولين المتابعين لملف النزوح، لا يُمكن للبنان «الضعيف» مواجهة الملف بهذه الطُرق، في وقتٍ ما زالت المساعدات الخارجية من باب النزوح «تعينه» على مستويات عدة، وتتمكّن المؤسسة العسكرية من الصمود من خلال المساعدات الخارجية ولا سيما منها المساعدة المالية الأميركية، فيما أنّ أي مواجهة مع المجتمع الدولي تنقل لبنان إلى مرحلة خطيرة جداً.
وفي انتظار «الحلّ الكبير» على لبنان اعتماد حلول داخلية جزئية تخفف من تداعيات النزوح، عبر تنظيمه وضبطه واعتماد سياسة ديبلوماسية ناجعة لتأمين تكاليف النزوح من المجتمع الدولي وفرض «الإيقاع اللبناني» على المنظمات وليس العكس. وإذا كانت «النية السورية» إيجابية، ليضغط عليها حلفاؤها لضبط حدودها على الأقلّ.