نوال نصر - نداء الوطن
...وكان ذيل أيلول بالشتي مبلول. أمرٌ مفرح أن نعيش فصول السنة كما درسناها في الجغرافيا: ربيع وخريف وصيف وشتاء. لكن، إذا انطلقت السنة «صحّ» فهل الأبحاث والدراسات تدل على أنها ستتابع «صحّ»؟ لا تضعوا أيديكم في المياه الباردة وتيقظوا لأن السنة المطرية 2023-2024 تعدنا بنمطٍ جديد مختلف يجب أن يُدق فيه جرس الإنذار وأن تكون «دولتنا الأبية» حاضرة في زمن غيابها المطلق. فلنسمع الأجوبة - إستناداً إلى دراسات - من خبيرين: الخبير الجيولوجي الدكتور سمير زعاطيطي والخبير في مجال الدراسات البيئية والتغييرات المناخية الدكتور علي عدنان الشعار.
نسمع - نحن الشعب اللبناني الذي خاف كثيراً من هزات وزلازل - عن تغيّرات مناخية وطوفانات قد تحصل. وكأنه ينقصنا خوف على خوف على خوف... فماذا في حقيقة ما يحكى اليوم عن تغيرات متوقعة تنذر بطوفان محتمل؟ يجيب الدكتور علي الشعار: «حين نتكلم عن تغيرات مناخية نقصد شيئاً متغيّراً عن نمطه الأساسي. الطقس كل مدة زمنية يتغيّر لكن هناك فرقاً بين الطقس والمناخ. الطقس هو أيام أما المناخ فيقصد به فترة زمنية تعرف بحسب المنظمات العالمية للأرصاد الجوية بثلاثين عاماً. وبالتالي يجب أن ندرس ونجري ربطاً علمياً للموضوع لنعرف عنه أكثر».
دراسة على مدى 20 عاماً
أجرى الشعار بالتعاون مع الجامعة اللبنانية وجامعة القاهرة وعين شمس دراسة على ثلاثة أماكن متفرقة في لبنان، بيروت وزحلة وطرابلس فماذا جاء في النتائج؟ يعود الشعار الى الوراء قليلاً: «الدراسات العالمية بدأت مع الثورة الصناعية حيث تبين أن نسبة CO2 (ثاني أوكسيد الكربون) في الهواء كان 270 جزءاً في المليون من الكربون ديوكسيد. فمع بداية الثورة الصناعية بدأ العالم استخدام الوقود الأحفوري الذي يولد ثاني أوكسيد الكربون ما أدى الى ارتفاع درجات الحرارة عن معدلها الطبيعي وحين توجد الغازات يحدث الإحتباس الحراري وهذا ما يحدث منذ مئتي عام. وبدأ الكلام عن الإحتباس الحراري يزداد وعن متغيرات مناخية. هناك مدرسة اخرى لا تؤمن بذلك وتقول هذا طبيعي لأن الأرض تتبدل. لذلك قمنا بدراسة مناخية على مدى الأعوام العشرين الماضية لنرى معدل الرطوبة في الهواء وسرعته واتجاهه ونسبة الأمطار وتغيرها. أخذنا في لبنان بيانات محطة الأرصاد في مطار بيروت لندرس تأثير التمدن الإعماري، حيث أن كلما كان البناء كثيفاً قلت الاجسام والنبات التي تمتص الغازات وزاد استخدام الطاقة».
فلنأخذ التطورات المناخية في بيروت. يقول الشعار: «هناك عنوانان أساسيان لمدينة بيروت، كانت نسبة السكان فيها قبل وقت طويل 500 ألف نسمة على مساحة عشرين كيلومتراً مربعاً أما اليوم فالعدد مضروب بثلاثة على تلك المساحة، وبالتالي أصبحت نسبة التمدن في مساحة صغيرة عالية، وهذا ما أدى الى ارتفاع الحرارة عن معدلاتها وانخفاض في الرطوبة. هذا متغير. أما الكلام عن أن نسبة الأمطار انخفضت فليس صحيحاً. لا يجوز الكلام عن تصحر في لبنان. أكدت الدراسة أن الأمطار ما تزال نفسها، تحافظ على معدلاتها، بنسبة 850 مليمتراً في بيروت سنوياً، لكن ما كان يحصل أن الأمطار كانت تهطل على فترات متقطعة من شهر 10 (تشرين الأول هذا) وصولا الى شهر 2 (شهر شباط). هذا كان فصل الشتاء في لبنان. المعدل يستمر ذاته لكن المتغير أن الأمطار أصبحت تهطل بشكل غير متقطع. نزلت العام الماضي في يوم واحد بنسبة مئة مليمتر. مع العلم أن نسبة الهطولات في بلدان مجاورة سنوياً لا تزيد عن 150 مليمتراً. هنا طرح العلماء مسألة الخوف من حصول فيضانات. الإنحرافات المناخية باتت تنذر بما لا تحمد عقباه».
المطر سينتهي في البحر
يتحدث الشعار عن حاجتنا الى مزيد من الدراسات الدقيقة ويقول: «وزارة البيئة أجرت دراسة في آخر عام 2022 عرضتها في التقرير الوطني عن جردة الإنبعاثات وحددت ما هي التداعيات والفاتورة الصحية جراء ذلك. وهنا بدأنا نسأل عن الحلّ. ما هو الحل؟ يجيب الشعار: «هنا ننظر الى طريقة التكيف مع المستجدات كتأمين إدارة حسنى للكوارث المتوقعة لنكون على إستعداد لإمكانية هطول نسبة عالية من الأمطار في وقت قصير جداً وهو ما قد يتكرر هذه السنة. فقد تهطل الأمطار بنسبة مئة مليمتر في يوم واحد نتيجة منخفض يمر فوق سماء لبنان، مثلما حصل في درنة (ليبيا). هنا تكمن الخطورة. فالأرض لن تتمكن من إستيعاب هذه النسبة من الأمطار فيحصل الفيضان. ناهيك ان البلد لن يستفيد من المطر الهاطل دفعة واحدة فبيروت كلها زفت والمطر سينتهي في البحر ولن يستفيد منه الزرع».
ما رأي الدكتور سمير زعاطيطي؟ يقول: «الثابت ان بيروت حافظت على معدلاتها المطرية الطبيعية وحتى طرابلس وحوش الأمراء في زحلة». يضيف: «الغلاف الجوي قبل القرن الثامن عشر كان نظيفاً لكن مع بداية الثورة الصناعية تغير كل شيء. والمشكلة في الغلاف المتلوث ما عادت تمر أشعة الـ «إنفرا روج» وصارت محتجزة بين الغلاف وسطح الأرض وهذا ما جعل حرارة كوكب الأرض ترتفع. والإعصار الذي تابعناه في درنة «زتّ» أكثر من مئتي مليمتر في اقل من 24 ساعة على أرض لا تستوعب هذه الكمية، مثله مثل خزان رُمي كل ما فيه دفعة واحدة، والسد هناك لعب دوراً سلبياً فحصل السيل الكبير. مطر غير متوقع ومواقع سدود خطأ. ويتطرق زعاطيطي الى الثلوج المتساقطة في لبنان التي يبين مصيرها التغير المناخي: «قديماً كان يصمد الثلج 37 يوماً أما اليوم فبالكاد يبقى سبعة أيام. يذوب بسرعة. وهناك من يتحدثون عن تصحّر في لبنان. هذا غير صحيح لبنان ليس صحراوياً بل جبلي بامتياز وما يجب ان تقوم به دولتنا هو إنشاء مخازن جوفية لا سدود. وهو ما قال عنه ابراهيم عبد العال ذات يوم: جبالنا مخازن حقيقية. السدود بحاجة الى مناطق واسعة وارض لا تتسرب فكيف نفكر ببناء سدود في صخور مفككة متكسرة واشبه بمصفاة كما حصل في سد جنة».
نعود الى الدكتور الشعار والدراسة المنجزة. فماذا نستخلص من الدراسة؟: «شملت الدراسة عاملاً سياحياً لدراسة مدى راحة الناس في بيروت وحوش الأمراء وطرابلس جراء التغيرات المناخية وتغير درجة الحرارة والرطوبة في ربط لتغير المزاج وعدم راحة الإنسان. أحياناً نسمع عن درجة حرارة 34 درجة لكننا نسمع الناس يقولون نشعر وكأن الحرارة 40 درجة. هذا الإحساس مرده الرطوبة العالية التي تمنع الجسم من خسارة حرارته. هذه الحالة من عدم الإرتياح الحراري كانت تحصل سابقاً في شهري تموز وآب لكن ما وجدناه أنها أصبحت تمتد من شهر أيار الى أيلول. جودة العمل في الخارج إنخفضت. الإنسان في لبنان بدأ يشعر بالتعب والإرهاق الدائمين كونه ما عاد قادراً على التعرق الكافي الذي حين يخرج من الجسم تنخفض حرارته. هذا ما أظهرته الدراسة التي شملت الفترة الممتدة من العام 1994 الى العام 2021».
الحاجة إلى دولة
عاملان عززا إشتداد العامل المناخي في لبنان: زيادة السكان في مساحة صغيرة ووجود مبان عالية تستخدم طاقة عالية ووجود موتورات وانبعاثات. تصميم المباني في لبنان لم يلحظ هذه النقطة. يجب ان تكون جدران المباني سميكة لتأخذ الرخصة في بيروت كونها تحفظ الحرارة الداخلية صيفا شتاء.
لا يمكننا الحؤول دون التغير المناخي لكن يمكننا إتخاذ إجراءات وقائية. الإجراءات بحاجة الى دولة والدولة مفقودة الرجاء ممن يعرف عنها شيئا. نحتاج الى الحفاظ على مساحات خضراء. الدكتور الشعار أرسل دراسته الى المعنيين في وزارة البيئة وعليها دور في الحؤول دون الأسوأ.
درجة اللاإرتياح التي يشعر بها سكان بيروت تزيد عن اللاإرتياح لدى سكان حوش الأمراء، كون نسبة الرطوبة هناك منخفضة.
ماذا لو هطلت الأمطار دفعة واحدة (كما يتوقع) في لبنان؟ هل سيناريو درنة يمكن أن يتكرر هنا؟ يجيب الشعار: «ما يمكنني قوله هو أنه مطلوب وبإلحاح تفعيل إدارة الكوارث في لبنان بشكل سريع. يجب ان تكون الدولة حاضرة لتتكيف مع اي توقعات جوية خصوصا ان التوقعات الجوية قبل حدوثها ممكنة بنسبة عالية» يضيف «سرعة الهواء تلعب دورها فإذا كانت 34 درجة يكون منخفضاً وإذا تجاوزت 34 الى 60 يكون منخفضاً قوياً وإذا جاوز ذلك يصبح عاصفة ثم عاصفة قوية بمواصفات أعاصير. ما يشفع بنا أننا على البحر المتوسط في بحر مغلق أما الاعاصير فتحدث في المحيطات المفتوحة. الترتيب المناخي إذاً: منخفض، عاصفة، إعصار. وما حصل في درنة ممكن حصوله إذا توافرت نفس الشروط. المنخفض يتكون عادة في أوروبا وتركيا ويمشي، يضرب احياناً تونس وليبيا ومصر وسوريا وفلسطين ولبنان».
لا شيء يخيفنا في هذين اليومين. لا مشاكل إستثنائية. لكن الشتاء والمنخفضات انطلقت وما لنا إلا الصلاة كي تتلطف بنا السماء فلا شيء يحمينا في دولة لبنان الموقرة سوى رأفة الخالق.
عدد سكان لبنان زاد مع تزايد أعداد السوريين. والدولة غائبة وهي عليها واجب ان تقوم بفعل Act لا ان تقوم بردة فعل React.
نحن في بلد لا راحة فيه لا لجهة مفاعيل عدم وجود دولة ولا مناخياً. نحن بدأنا منذ فترة نشعر بعدم ارتياح discomfort ولا نعرف لماذ. إنه التغيير المناخي.
الدراسة لم تنته. إنهم يعملون على طرابلس وعلى زحلة بعد وبعد وعلى بيروت... لكن، في الخُلاصة حتى الآن: وضعنا ليس بخير.