الانباء
يطوي هذا الأسبوع أيامه على دعوة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان للقوى السياسية في لبنان الى اعتماد الخيار الثالث، والبحث عن مرشح تتوافق عليه غالبية القوى السياسية، إلّا أنّ الداخل لم يشهد أي تحرك يشي بأنَّ الأمور نضجت، بانتظار ما قد تسفر عنه الاتصالات التي يجريها الموفد القطري فهد بن جاسم آل ثاني قبل أيام من الزيارة المرتقبة لوزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي إلى بيروت لمتابعة الاتصالات مع الأفرقاء السياسيين.
وفي السياق، أشارت مصادر مطلعة إلى مهلةٍ زمنية غير مُعلَنَة تفترض تشرين المقبل موعداً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، معتبرةً في حديث لـ"الأنباء" الإلكترونية أنَّ "الدلع المستمر منذ سنة يجب أن تتوقّف، بحيث على الكتل والنواب المستقلين أن يفكروا جدياً في مستقبل بلدهم الآيل إلى الانهيار، وإلّا فإنَّ سيف العقوبات سيكون بانتظارهم".
المصادر اعتبرت أنَّ "التسريبات التي تصدر عن اللجنة الخماسية بين الحين والآخر ليست مجرد تكهنات أو استنتاجات إعلامية، بل إنّها إنذارات جديّة، إذ إنَّ الموفدين الذين يتابعون هذا الملف يعرفون مَن يعرقل انتخاب الرئيس، وهم ليسوا بحاجة لأحد لأن يزودهم بالأسماء"، متوقعةً أن "يشهد الشهر المقبل حركة اتصالات ناشطة لتكثيف التواصل مع القوى السياسية، والضغط باتجاه تحديد خياراتهم، وبذلك إما الدفع باتجاه إيجاد الحل وانتخاب الرئيس أو ترك لبنان ينتظر مصيره مقابل فرض عقوبات قاسية بحقّ المعطلين".
في غضون ذلك يستمر الضغط في الشأن الاقتصادي، دون اتخاذ أي إجراءات قادرة على كبح جماح الأزمة التي تنذر بالأسوأ. وفي هذا المجال يشير الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل إلى أنَّ "مصرف لبنان لن يفرط باحتياطه من العملات الأجنبية ولن يديّن الدولة، كما أنّه لن يشتري الدولارات من السوق الموازي إلاّ بما ندر ووفق الإحتياجات الضرورية بما يخص موضوع الرواتب"، مذكراً بما سبق لوزير المال يوسف خليل وأعلنه قبل أسبوع أنَّ "المالية" لديها ما يكفي لدفع رواتب القطاع العام حتى نهاية السنة، وهذا المبلغ قد يكون بالعملة اللبنانية، وهو "الأمر الذي علّق عليه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بالقول: دفعتم رواتب الموظفين بالدولار وهناك وزارات أخرى بحاجة إلى الدولار لتدبر شؤونها، فكيف يتدبرون أمورهم؟".
وإذ أكّد غبريل أنَّ "منصوري كان حاسماً بأنه لن يُديّن الدولة لا بالدولار ولا بالليرة اللبنانية، ودعاها إلى تدبر شؤونها من مصادر موجودة لديها غير سياسة فرض الضرائب"، لفت الى أنَّ الضرائب التي تضمنتها موازنة 2024 أتت بناءً لتحذير مصرف لبنان، بفعل وجود واردات أساسية مهملة مثل مكافحة التهرب الضريبي وأزمة التهريب عبر الحدود، كما أنَّ هناك قوانين لم يتم تطبيقها بعد، بالإضافة إلى الأملاك البحرية والنهرية، ومحاسبة كلّ من ساهم في استنزاف مصرف لبنان.
ولفتَ غبريل إلى أنَّ "ليس لدى مصرف لبنان اليوم تدفقات بالدولار من خلال القنوات الرسمية لتعزيز الاحتياط، حتّى السحوبات الخاصة من قبل صندوق النقد الدولي قد استنزفت ولم يبق سوى 40 مليون دولار من أصل مليار و800 مليون دولار"، مشدّداً على أنَّه "ينبغي انتخاب رئيس في أسرع وقت، إذ إنَّ اعتبار مجلس النواب هيئة ناخبة في ظلّ الفراغ الرئاسي وغياب التشريع يؤخران عملية تنفيذ الإصلاحات".
وعن إمكانية التعويل على الغاز والنفط في حال تمّ اكتشافه للتخفيف من حدة الأزمة، أشار غبريل الى أنَّ "الاكتشاف يتطلب وقتاً كما تحويل الكميات إلى سيولة، وبذلك لا يمكن التعويل على هذا الأمر"، محذراً من لعنة الموارد الطبيعية في علم الاقتصاد كي لا يصاب لبنان بما حلّ في غانا عندما بدأت باستخراج النفط والغاز وقامت بهدر الأموال، إذ ها هي اليوم تفاوض صندوق النقد الدولي لمساعدتها على النهوض.
وبما أنَّه لا انفراج للأزمة ولا خروج للبنان من هذا النفق المظلم إلاّ بانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة انقاذية تباشر بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، فإنَّ المسؤولية تبقى على عاتق المعنيين بالتحرّك والذهاب إلى حوار مجدي وفعّال، تفادياً للأسوأ، إذ إنَّ لا قدرة للّبنانيين على تحمّل عبء أزمات جديدة.