مريم نسر - الديار
أظهرت أزمة الرئاسة في لبنان حجم التوازنات الداخلية ومدى تأثيرها في المعادلة المتداخلة بين الداخل والخارج، فتقدّمت قوى، وتراجعت مقابلها قوى، في وقت حافظت قوى أخرى على حضورها الى حدّ ما، ليَرتسم المشهد اللبناني مِن جديد على الشكل الاتي:
لا يختلف أحد على أن موقف الثنائي الشيعي مفصلي في هذا الاستحقاق ولا يمكن تخطّيه وتحديداً حزب الله الذي لا يمكن أن يأتي رئيس للجمهورية دون موافقته وهذا أمر مسلَّم به، وبما أن المعركة الرئاسية أخذت طابعاً شيعياً- مسيحياً في الداخل نرى أن الرأي الذي يمكن أن يُحدِث خرقاً مِن القوى المسيحية هو التيار الوطني الحر ما يُضعِف دور القوات وموقفها في المعادلة الرئاسية، أما القوى السُنية على تشرذمها فتكمن أهمية دور بعضها في إعطاء الإشارة السعودية باعتبارها مرجعية لهم، أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط فقد حافظ على دوره الى حدّ ما كمُرجِّح للكفّة ولكن هذه المرة يَتشاركه مع التيار الوطني الحر، وفي ما يَتعلَّق بالتغييريين فقد أظهرت الصورة أنهم خارج المعادلة إن لم نَقُل الأضعف في هذا الاستحقاق.
منذ البداية كان موقف جنبلاط لافتاً في الاستحقاق الرئاسي، صحيح أن كتلته صوّتت في البداية للنائب ميشال معوّض ثم للوزير السابق جهاد أزعور إلا أنه كان موقف بطعم الحيادية كما حاول أن يَظهَر دائماً خاصة من خلال المبادرة التي أطلقها في البداية محاولاً إيجاد صيغة وسطية تَجمع الفريقين على مرشّح واحد إلا أنه بعد أن فشِل، انتقل من المبادر الى المؤيد للحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري.
عبّر جنبلاط كثيراً عن مخاوفه من استمرار الواقع الحالي بجموده حيناً وانسداده حيناً آخر بتصلّب مواقف الأفرقاء، فبَعد أن كان يَنتظر الموقف السعودي خارجياً والموقف المسيحي داخلياً، بات اليوم يضع علامات استفهام على موقف الأول وينتقد موقف الثاني وتحديداً القواتي منه ويتهمه بعرقلة الحوار وبالتالي انتخاب رئيس، مما اعتبره البعض امتدادا أو استكمالا لتصريحه الأول باعتبار أن القوات الأكثر تأثراً بالموقف السعودي.
قلق جنبلاط لا يقتصر على العموميات إنما يصيب خصوصيته ودوره ومكانته في المرحلة المقبلة، لذا يحاول دائماً أن يكون جزءًا من المشهد العام بتقلباته ويحاول قراءة اتجاهات الأمور ويبني على أساسها موقفه.
من هنا نرى التوتر القائم بينه وبين القوات وتباعد المواقف الى أن تَطوَّر الى تراشق بيانات اتهامية بينهما، والذي يعود سببه كما يقول البعض أن القوات تعيش خارج الواقع وتَخرج عن مساره الحالي، فهي باختصار تنتظر المواقف الخارجية وتحديداً الأميركية هذه المرة، باعتبار أن السعودي يعتمد سياسة اللاموقف في هذه المرحلة، لذا نرى المواقف التصعيدية والأداء التعطيلي برفضها الدائم للحوار وهنا يتجسّد الموقف الأميركي، إلا أنها ما لا تحسب حسابه أن موقفها قوي ضمن الفيتو المسيحي لكن بمجرّد تغيّر موقف التيار الوطني الحر يصبح عديم التأثير فلا يقدِّم ولا يؤخِّر الى حدّ أن الاستحقاق الرئاسي يُنجَز بدونها وبذلك يَبقى دورها يَقتصر فقط على مواقفها المتطرِّفة ضد المقاومة والتي تخدم الخارج بمشروعه.
إذاً، تتوزّع الأدوار الداخلية مع فارق كبير بين الأفرقاء، فمنهم مَن أخذ دوره بأدائه ومسيرته وحضوره ومنهم مَن يَبحث دائماً عن دور ليَحجز لنفسه مكاناً ومنهم مَن يُعطى له دور بحُكم ارتباطه بالخارج، وهذا النموذج تحديداً، القوى الخارجية تُقرِّر عنه بينما النموذج الأول يكون شريكاً في القرار كلاعب أساسي لا يمكن تجاوزه...