راكيل عتيّق - نداء الوطن
من مبادرة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط والسلّة التوافقية التي حملها إلى الأسماء الرئاسية التي يحملها الموفد القطري، وما بينهما طروحات للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والحراك الفرنسي والاستفسارات العربية والأجنبية ومبادرات بعض النواب والوسطاء، للوصول إلى إسم أو أكثر مشترك بين «الثنائي الشيعي» من جهة وسائر القوى الأساسية من جهة ثانية، كانت ولا تزال إجابة «الثنائي» الوحيدة على أي طرح: «سليمان فرنجية مرشحنا الوحيد». في المقابل أبدت المعارضة مرونتها مع كلّ هذه المبادرات وانفتاحها على البحث في أسماء رئاسية عدة، وكانت ترجمت ذلك بتراجعها عن ترشيح النائب ميشال معوض والتقاطع مع «التيار الوطني الحر» على إسم الوزير الأسبق جهاد أزعور.
على رغم ذلك يعمد «الثنائي» أخيراً الى ضخ أجواء تفيد بأنّ المعارضة المسيحية، خصوصاً حزبي «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» يرفضان أي حوار رئاسي، ويريدان الفراغ وصولاً إلى أهداف أخرى أبعد من الرئاسة، قد تكون فرض تغيير في تركيبة الدولة أو النظام بعد تدهور الأوضاع جرّاء الشغور الطويل. هذا الجو الذي يضخه «الإعلام الممانع» لمّح إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال حديث صحافي أمس، معرباً عن خشيته من أنّ «هناك من لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، بل واكثر من ذلك، لا يريد للأزمة ان تنتهي»، ربطاً برفض الجهات المسيحية الأساسية الحوار الذي يدعو إليه.
هذه الاتهامات ساقطة بحسب مصادر مسيحية معارضة، ويدحضها عملياً المسار الرئاسي، فلو أنّ «القوات» و»الكتائب» يريدان الفراغ الرئاسي، لما شارك نواب الحزبين في جلسات الانتخاب الـ12 وأصرّا على عدم «تطيير» نصاب الجلسات التالية للجلسة الأولى، فضلاً عن أنّ الحزبين يدعوان دائماً إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية.
في المقابل، عمد «الثنائي الشيعي» إلى تعطيل جلسات الانتخاب التالية للأولى، وامتنع عن الدعوة إلى جلسات أخرى، وأطاح بالمهلة الدستورية، وتمسّك بمرشحه خلافاً لميزان القوى القائم، كما تمسّك بمعادلته «مرشحي أو الشغور مهما كان الثمن». وتسأل هذه المصادر: «كيف بيطلع نحنا بدنا نغيّر التركيبة؟».
لذلك ترفض «القوات» و»الكتائب» الحوار رئاسياً، في وقتٍ أبلغت المعارضة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال جولته الأخيرة بإسم اللجنة الخماسية من أجل لبنان، استعدادها للذهاب إلى خيار رئاسي ثالث على رغم اعتبارها أنّ أزعور جزء من الخيار الثالث لأنّه ضمن اللائحة التوافقية، فيما أنّ الفريق الممانع أبلغ لودريان أي اللجنة الخماسية أنّه متمسّك بفرنجية. وبالتالي «لماذا يدعو «الثنائي» إلى حوار إذا كان لا يريد الذهاب إلى خيار ثالث؟».
مواجهة «الثنائي» التي تقودها «القوات» و»الكتائب» تتزامن مع مسار رئاسي آخر انتهجه رئيس «التيار» النائب جبران باسيل، خصوصاً من خلال الحوار القائم مع «حزب الله»، محاولاً استغلال النقمة المسيحية والدعوات التي وصلت إلى التقسيم، بطرح «اللامركزية» ضمن سلّة مقايضة رئاسية. هذه النقمة المسيحية تخرج من مناصري ومؤيدي غالبية القوى السياسية المسيحية، ومن بينها «القوات» و»الكتائب». إلّا أنّ هذين الحزبين المسيحيين يعتبران أنّ «حزب الله» هو المشكلة والحلّ لا يكمن من خلال حوار كهذا معه، ولا بالمقايضة معه حول حقوق بديهية مكرّسة في الدستور.
«مغالاة» باسيل في موضوع اللامركزية مكشوفة، بحسب مصادر مسيحية معارضة، فلو كان يريدها حقاً كمدخل أقلّه للحلول التنموية، لكان فرضها من موقع قوي خلال عهد الرئيس ميشال عون، فأين كان خلال السنوات الست تلك؟ بدلاً من أن يخلق إشكالاً على «مفرق» بشامون أو «كوع» طرابلس» كان الأجدى به أن يضع طرح اللامركزية على الطاولة من «موقع بعبدا». وبالتالي إنّه يزايد اليوم على المسيحيين بما كان يتهم الأحزاب المسيحية الأخرى بأنّه طروحات تقسيمية. المعارضة المسيحية «واعية» على الشعور المسيحي الذي يتنامى ويتعاظم في اتجاه أبعد من اللامركزية وصولاً إلى الفدرالية. لكنها لا تتعامل معه كـ»نقمة وغضب» بل تعالجه بالعمق. إذ إنّها تعتبر أنّ هذا الشعور يتعاظم بسبب «حزب الله»، فلو كان «اتفاق الطائف» مطبقاً، وهناك مداورة في الوزارات وانتظام مؤسسات واقتصاد واستقرار سياسي وعدالة ومساواة وشراكة ورئاسة وتطبيق للدستور، لما كان أحد يطرح لا الفدرالية ولا غيرها.
وبالتالي بحسب هذه المعارضة، إنّ المشكلة مزدوجة وسببها «حزب الله»، وذلك من خلفيتين: الوضع الناشئ بسبب «الحزب» ودوره بحيث لا تطبيق للدستور والقوانين ولا عدالة ومساواة، وخلفية وجودية بحيث تشعر الطوائف بخطر وجودي مترتب عن مشروع «حزب الله».
لكن التغيير، بحسب مصادر معارضة، يحتاج إلى ظروف ومعطيات داخلية وخارجية. فالأساس ليس «طرح ما يلبّي رغبات الناس وغرائزها، بل أن نحقّق ما نطرحه لكي نوصل المشروع الذي يجب أن نوصله لحظة يمكننا إيصاله». لذلك، إنّ الأهم، بحسب هذه المصادر، طريقة إدارة الوضعية السياسية بما يخدم مصالح الناس، علماً أنّ هذه المسألة ليست مسيحية بل تعني السُّنة والدروز أيضاً وكلّ الشرائح الناقمة على «حزب الله». وهذه المشكلة المزدوجة: مشكلة دولة عامةً ووضعية وجودية خصوصاً، تستدعي الذهاب إلى الترتيب الذي يوفّر استقراراً من جهة وحمايةً لهذه المجموعات من جهةٍ ثانية.
لذلك يبقى التركيز الأساس بالنسبة إلى «القوات» و»الكتائب» في هذه المرحلة، على الثبات في المواجهة، وتكوين أوسع معارضة وطنية ممكنة بمواجهة هذا الفريق الذي يشكّل تهديداً وجودياً من جهة ويمنع قيام دولة من جهة ثانية، والتفكير الجدّي من كلّ مكونات هذه المعارضة بماهية التركيبة الأنسب التي تؤمّن استقراراً وتحمي التعددية في البلد.
المعارضة: المسار الرئاسي يدحض «اتهامنا» بالعمل على تغيير التركيبة من باب الفراغ
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا