الجمهورية
بعض الاوساط قدمت زيارة الموفد القطري على انها تخدم حصرا وصول قائد الجيش العماد جوزف عون الى رئاسة الجمهورية، الا انّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع ابلغت الى «الجمهورية» قولها ان هذا الامر ليس بجديد، ولنفرض ان ذلك صحيحاً، فهل في استطاعة قطر ان تجعله أمراً واقعاً لا بد منه، في واقع لبناني متمترس خلف بلوكات سياسية مختلفة عجزت كل المحاولات المحلية والخارجية عن ان تدفع بها نحو مساحات مشتركة او أن تحدث نقاط تقاطع في ما بينها»؟.
واذا كانت المصادر عينها تؤكد جازمة انّ مهمة الموفد القطري، وبمعزل عما يحمله من طروحات، ليست بالسهولة التي يفترضها البعض، فالانقسام الداخلي يُعيقها، فإنها في الوقت نفسه تُعرب عن رَيبتها مما سمّتها الروايات الوهمية غير البريئة التي تنسجها بعض المنصات السياسية وغير السياسية حول هذه المهمة. والتي تحاول أن تأخذها في الاتجاه الذي يخدم طروحات وتوجهات بعض اطراف الصراع الرئاسي. الا انّ معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» كشفت الوقائع التالية:
اولاً، برنامج تحرك ولقاءات وزيارات الموفد القطري محاط بسرية تامة، وحتى الآن، لم يعرف حقيقة من هي الشخصيات التي التقاها الموفد القطري، فقد قيل إنه التقى الرئيس نبيه بري في عين التينة قبل ايام قليلة، ويرجّح انه التقاه، الا انّ الرئيس بري لم يؤكّد او ينفِ حصول هذا اللقاء. وعندما سألته «الجمهورية»: يقال انك التقيت الموفد القطري؟ جاء جوابه مقتضباً: «فليقولوا ما يشاؤون». ولم يضف اي تفصيل آخر.
ثانياً، حتى الآن، وخلافاً لما جرى ترويجه في الأيّام الأخيرة، فإنّ الموفد القطري تواصلَ مع «حزب الله» عبر لقاء أجراه بعيدا عن الاعلام مع المعاون السياسي لأمين عام الحزب الحاج حسين خليل، ولم يلتق في زيارته الحالية رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. علماً انّ رعد سبق له ان التقاه في زيارته السابقة منذ نحو شهرين، ومنذ ذلك التاريخ لم يحصل اي تواصل، وحتى الآن لم يطلب الموفد القطري ايّ موعد للقاء رعد. مع الإشارة هنا الى ان زيارة بروتوكولية للتعارف قام بها السفير القطري الجديد في لبنان سعود بن عبد الرحمن آل ثاني قبل ظهر امس، لمقرّ كتلة الوفاء للمقاومة حيث التقى النائب رعد. وكان حديث عام مُنعزل تماماً عن مهمة الموفد القطري، غلبت عليها مشاعر عاطفية أبداها السفير القطري تجاه لبنان، وتمنيات في ان يخرج من أزمته وينعم بالاستقرار والامان.
ad
ثالثاً، بحسب ما تجمّع لدى مستويات سياسية مسؤولة حول مهمة الموفد القطري، فإنّ جوهر حركته في لبنان لا يتناول تسويق ايّ من المرشحين لرئاسة الجمهورية لا قائد الجيش ولا غيره. بل ان الاولوية التي يتحرك على اساسها، هي دفع اللبنانيين نحو التوافق على رئيس للجمهورية. وبالتالي، فإنّ حصر مهمة الموفد القطري ببند وحيد هو تحضير الارضية اللبنانية لفتح باب الرئاسة الاولى امام مرشّح معيّن، هو ظلم للمهمة وحكم مُسبق عليها بالفشل، فالقطريون من البداية كانوا متحمسين لقائد الجيش على اعتبار انهم افترضوا انه يشكل مرشّح اجماع عليه من قبل كل الاطراف، الا ان هذا الإجماع ليس متوفّراً، لا على قائد الجيش ولا على اي مرشّح آخر. وهذا الـ«لا اجماع» يقرأ بوضوح في مواقف الاطراف المحلية حول ايّ من الاسماء المدرجة في خانة الترشيح، وهذا المشهد الداخلي ليس خافياً عن القطريين. وبناء عليه، فمن الطبيعي أن يعدّل القطريون موقفهم، ولا يسعون الى تسويق مبادرة يدركون بأنها فاشلة سلفاً، ومن هنا يأتي سعيهم الى صياغة توافق بين اللبنانيين.
رابعاً، انّ الجدية التي يعتمدها الموفد القطري في التوجه نحو توافق لبناني، دفعت بعض المستويات السياسية الى افتراض انّ المسعى القطري الحالي، الى ان تضع في حسبانها ان هذا التوجّه له محطة لبنانية حالياً، وربما تكون له محطة قطرية تكمّله، حيث أن فكرة دعوة الاطراف الى حوار في الدوحة، وإن كانت غير مطروحة علناً حتى الآن، الا انها غير مستبعدة، على غرار ما حصل عشية انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في ايار 2008.
خامساً، وهنا الأساس، إنّ أيّاً من الأطراف السياسية المعنية بالملف الرئاسي لم يبدل موقفه، ولو قيد انملة، عن المواقف المعلنة منذ بدء ازمة الشغور الرئاسي، بل على العكس من ذلك، حيث ان التصلّب هو سيد الساحة، وفشلت كلّ المساعي والجهود التي سعت الى تليينها لتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية. وهو الامر الذي يؤشّر الى بقاء الملف الرئاسي في دائرة التعطيل الى أجل بعيد، ريثما تنشأ ظروف محلية او خارجية، او قوة دفع غير منظورة حتى الآن، تفرض نفسها كصاحبة الامر الرئاسي في لحظة ما، وتلزم جميع الاطراف بالانصياع لها، والذهاب كرهاً الى انتخاب رئيس للجمهورية.