لوسي بارسخيان - نداء الوطن
لا تزال خدمة توزيع الرسائل الدولية القصيرة SMS الواردة من التطبيقات، أو ما يعرف بالـA2P، موضع مراجعة رقابية. اذ أصدرت هيئة الشراء العام أمس، تقريرها المنتظر حول الصفقة المعقودة بين شركة «تاتش» وشركة INMOBILES، بعد إثارة علامات إستفهام وشكوك حول شفافيتها أثارها النائب ياسين ياسين في سؤال وجّهه إلى كل من رئيس الحكومة ووزير الاتصالات.
تقرير هيئة الشراء العام استند إلى مستندات ومعلومات رسمية تمكّنت من الإستحصال عليها بسلطة القانون، بعدما تمنّع وزير الإتصالات عن إبراز هذه المستندات بسهولة أمام النائب ياسين. وتبيّن للهيئة وفقاً لما ورد في تقريرها، أنّ الفجوة المالية التي ظهّرها الفارق بين قيمة الصفقة التي جرت من خارج قانون هيئة الشراء العام عبر شركة «تاتش»، وقيمة العقد الذي وقّع بين «ألفا» وVox Solutions قبل أشهر، ليس السبب الوحيد الذي جعلها تصدر توصيتها النهائية، وإنما لوجود «سقطات» أخرى في العقد، سنفصّلها في ما يلي.
أمّا توصية هيئة الشراء العام فقد خلُصت إلى ضرورة إطلاق مزايدة عمومية جديدة لإعادة تلزيم هذه الخدمة وفقاً لأحكام قانونها. وفي الأثناء أوصت الهيئة بـ»تعديل العقد الموقع مع INMOBILES بمفعول رجعي إعتباراً من تاريخ نفاذه، لإعتماد ذات السعر الإفرادي وذات الحد الأدني السنوي لعدد الرسائل النصية المعتمد في العقد الموقع بين شركة «ألفا» وشركة Vox Solutions، على أن يفسخ عقد الشركة عند إنتهاء المزايدة العمومية، والتي افترضت الهيئة إجراءها فوراً ومن دون تأخير، موصية مستقبلاً بعدم تجزئة هذه المزايدة بين الشركتين، على غرار مناقصة التأمين التي أجرياها بشكل مشترك.
مصادر في هيئة الشراء العام شرحت لـ»نداء الوطن» أنّها أبدت حرصاً على تدارك الوقوع بأي فراغ بالمرفق العام، من خلال عدم مطالبتها بإلغاء العقد فوراً، إنما طلبت إجراء مزايدة جديدة فوراً، علماً أنّ فسخ هذا العقد ممكن وفقاً لتقرير الهيئة، وذلك عملاً بأحكام المادة (7) الفقرة (3) منه، ووفقاً لمسار المزايدة الجديدة التي يتم إطلاقها، مع إشعار الشركة بذلك ضمن المهل العقدية، بما لا يرتب على «تاتش» أي تعويضات.
ومع تشديدها على أنّ أي تعديل لا يمكن أن يشكّل بديلاً عن الإجراءات التنافسية، التي تعتبر من الإنتظام العام بموجب أحكام المادة الأولى من قانون الشراء العام، توقفت الهيئة في تقريرها عند إعلان وزير الإتصالات عن تعديلات على العقد لرفع السعر الإفرادي ليصبح مماثلاً لما هو معتمد في عقد شركة «ألفا». فاعتبرت أنّ التوازن المالي للعقد الموقع مع «تاتش» يتحقق من خلال رفع السعر الإفرادي، ورفع الحد الأدنى للرسائل النصية معاً.
هذا مع العلم أنّ الهيئة أشارت في تقريرها إلى أنّ «تاتش» وقّعت عقدها على أساس حصولها على حد أدنى من الرسائل يتراوح بين 31 مليون و 34 مليون رسالة سنوياً، وبعدها بثلاثة أسابيع فقط حصلت «ألفا» على تعهد لعدد الرسائل تراوح بين حد أدنى 46.6 مليون رسالة وأقصى 56.8 مليون رسالة سنوية.
وهكذا إذاً بعدما تمنّع وزير الإتصالات مرّات عدّة عن إبراز الأرقام حول العقد الموقع مع INMOBILES وإيراداته المرتقبة بنهاية الأعوام الثلاثة التي يمتد عليها، فصّلت هيئة الشراء العام هذه الأرقام، ليتبين صحة التوقعات بالفارق الكبير بين المبالغ التي حُددت في عقد «ألفا» مع VOX SOLUTIONS بـ17.9 مليون يورو، وتلك المتوقعة من عقد «تاتش» مع INMOBILES حيث سيبلغ مجموع الإيرادات في نهاية الثلاثة أعوام 7.379 ملايين يورو، بالرغم من أنّ عدد المشتركين في «تاتش» يزيد بحوالى 300 ألف مشترك عن «ألفا».
من أبرز المعطيات التي بنت هيئة الشراء العام توصيتها على أساسها أيضاً، كانت الفترة الزمنية الطويلة التي فصلت بين إجراء المزايدة وتوقيع العقد، والتي امتدت لـ17 شهراً تخلّلها بدء نفاذ قانون الشراء العام. بينما وقّع عقد «ألفا» خلال مهلة ستة أشهر فقط من إجراء المزايدة وترسيتها مؤقتاً على VOX SOLUTIONS. وعليه اعتبرت الهيئة أنّ هذه الفترة مبالغ فيها، ولا يمكن تبريرها بطبيعة موضوع الصفقة وتعقيداته، بدليل أنّ «ألفا» أنجزتها في وقت أقل بكثير.
ورأت الهيئة في المقابل أنّه خلال هذه المهلة الطويلة التي استغرقها توقيع العقد، طرأت أحداث من شأنها تغيير قواعد المنافسة التي كانت قائمة في نهاية العام 2021 تاريخ إطلاق مزايدة «تاتش»، خصوصاً أنّ عالم التكنولوجيا في مجال الإتصالات والإعلان يشهد تطورات سريعة في فترات زمنية قصيرة نسبياً ومتقاربة، ما ينعكس على الحلول التقنية والقيمة المضافة التي تقدمها التكنولوجيا الجديدة، وهو ما يؤثر على تقاسم الإيرادات بين الشركة ومشغّل مساحة الرسائل النصية. وبالتالي يحرم الشركة من مداخيل وتكنولوجيا كانت من دون شك ستكون أفضل بكثير لو أجريت مزايدة جيدة في العام 2023 وفقاً لأحكام قانون الشراء العام.
إلى ذلك وخلافاً لما أعلنه وزير الإتصالات عدة مرات، لم يتبين من الأرقام التي حصلت عليها الهيئة والتي أوردتها في تقريرها أي تعديل في السعر الإفرادي للرسائل القصيرة SMS عبر شركة «تاتش»، أو توحيد سعر هذه الرسائل بين الشركتين.
حقيقة الأرقام
مصادر في الهيئة أوضحت أنّها لم تر عقداً يحمل الأرقام المعدّلة، وهذا بالتالي بقي على ذمة وزير الإتصالات، بينما الأرقام التي حصلت عليها هيئة الشراء العام بيّنت أنّ السعر المحدد لكل وحدة SMS هو 0.075 يورو في السنة الأولى ويرتفع إلى 0.076 في السنتين التاليتين. وتوقف تقرير الهيئة أيضاً عند عدم تبدّل السعر الإفرادي للـSMS في هذا العقد بين السنتين الثانية والثالثة، بينما هذا السعر الإفرادي إرتفع في عقد «ألفا» من 0.105 يورو في السنة الأولى، إلى 0.115 يورو في السنة الثانية وإلى 0.125 يورو في السنة الثالثة.
يبقى أنّ توصية هيئة الشراء العام ليست ملزمة قانوناً لوزارة الإتصالات، ولكنّها تبقى مرجعاً قانونياً أساسياً للهيئات الرقابية الأخرى التي تملك قدرة إبطال العقد إذا ما توافقت قراءتها مع قراءة الهيئة، خصوصاً وأنّ هذا الملف شكّل موضوع إخبار تقدم به النائب ياسين لدى ديوان المحاسبة أيضاً، وهو أرسل مذكرة لوزارة الإتصالات تطالب بالملفات المتعلقة بالصفقة. وقد أحالت هيئة الشراء العام تقريرها إلى الديوان ونيابته العامة، إلى جانب تبليغ نسخة عنه لكل من المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، ومجلس النواب ومجلس الوزراء، التفتيش المركزي ووزارة الإتصالات.