إبراهيم الأمين - الأخبار
المتابعون للاتصالات الخاصة بالملف الرئاسي، يقفون طويلاً عند تحركات وتصريحات واتصالات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، خصوصاً بعدما أنجز عملية تثبيت قيادته للتيار، وتحويل الاعتراضات إلى أفعال فردية، وسعيه إلى تأمين انضباط سياسي وتنظيميّ كبيرين. كما يرصد الجميع باسيل، وهو يستأنف حواراً مع حزب الله عنوانه الفعلي هو الاستحقاق الرئاسي، لكنه حوار يفرض على الطرفين مراجعة لتحالفهما.
يحرص باسيل، على عدم الحديث عن اتصالات كثيرة يقوم بها. حتى إنه قليل الكلام عن مضمون حواره مع حزب الله. لكنّ باسيل نجح في المرحلة الأولى من التصفيات الرئاسية، في تثبيت موقعه الأساسي متجاوزاً موجة الشيطنة التي واجهته بفعل حرب ضروس لم يبق أحد في لبنان لم يشارك فيها. وهو حقّق إنجازاً يخصّه كقوة مسيحية، بإقناعه البطريرك الماروني بشارة الراعي بمجاراته في البحث عن مرشح توافقي للرئاسة، دون الخضوع لتهويل خصوم حزب الله. وعندما فشل باسيل في إقناع الحزب بسحب دعمه للمرشح سليمان فرنجية، قاد مفاوضات دفعت بخصومه السياسيين في لبنان وحتى الخارج، إلى السير بواحد من أبرز مرشحيه للرئاسة، الوزير السابق جهاد أزعور.
بعد جلسة 14 حزيران الشهيرة، اقتنع باسيل بأن الأمور لا تسير وفق منطق التجاذب الحاد. ومع أنه سبق أن حثّ البطريرك الراعي على السير بفكرة اقتراح سلة مرشحين بوجه فرنجية، فهو عاد ليكرر أن الهدف هو تقديم اقتراح لا يرفضه حزب الله، برغم علمه أن عدداً غير قليل من الكتل النيابية، كما عواصم خارجية تدعم وصول العماد جوزيف عون إلى القصر الجمهوري لا جهاد أزعور. وبناءً على نتائج التصويت، اعتقد باسيل أن حزب الله أدرك صعوبة إيصال فرنجية. لكنه، وإزاء موجة الضغوط الهادفة إلى إيصال العماد عون، درس الأمر من زاوية أن أي اتفاق جدّي بينه وبين حزب الله، ولاحقاً مع حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي، سوف تكون هناك فرصة لمعادلة جديدة.
باسيل، عاد وسمع تمسّك الحزب بفرنجية، ودعاه مجدداً إلى شراكة في الحكم مقابل دعم رئيس «المردة». لكنّ هاجس رئيس التيار، كان حول كيفية إسقاط كل المرشحين الجدّيين. وهو عندما قال لسائليه بأن ترشيح أزعور ليس أمراً مقدّساً، فلم يكن يقصد بذلك السير بمعادلة الآخرين، التي تقول بأن سحب أزعور هو مقابل سحب فرنجية فقط، إذ إن باسيل يرى أن على كل الأطراف سحب كل المرشحين، قاصداً وبوضوح: فرنجية وأزعور وقائد الجيش. وهاجس باسيل هنا، هو إلغاء فكرة أن الخيار الثالث هو قائد الجيش، بل هو اسم مدني لا يشكل استفزازاً لأي طرف مركزي، وأنه طالما هناك معارضة جدية من التيار وحتى من حزب الله لوصول قائد الجيش، فهذا يعني أن عون ليس من ضمن سلة الأسماء التي يمكن طرحها كمخرج للأزمة القائمة.
في هذه الأثناء، كان باسيل أمام اختبار يتعلق بمستوى جديد من الحوار مع حزب الله، وهو عرض تصوّره على أساس مسارين: إما الانطلاق فوراً في البحث عن اسم خارج المرشحين الثلاثة، وإما الذهاب نحو مقايضة يراها باسيل من النوع الذي يفيد تيارات تتجاوز حزبه. ولذلك، عندما فهم أن حزب الله متمسّك بفرنجية، ولمس جدية عمل الآخرين على تمرير قائد الجيش، وإزاء قناعته بأن ورقة أزعور انتهت صلاحيتها، ناقش مع الحزب فرضية أن يقبل بدعم ترشيح فرنجية، مقابل تحقيق شرطين، يعرف هو أنه قد يكون من الصعب توفيرهما خلال وقت قصير. واحد يتعلق بالصندوق الائتماني الذي بدا لكثيرين أنه إعادة صياغة لإدارة المال العام، وتبيّن أن لا أحد يملك تصوراً عملياً قابلاً للبتّ فيه سريعاً، والآخر يتعلق بفكرة اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. وفي هذه المرحلة الجديدة من التواصل، عمد باسيل إلى التقدم بورقة مكتوبة يوضح فيها كل ما يطلبه، وقصده من ذلك أن لا يبقى هناك أي التباس حول ما يريد، وعدم تكرار تجربة سوء الفهم التي بُرّرت مرات كثيرة بآليات التواصل والتحاور بينه وبين الحزب.
في المناقشات التي أحالت الملفات إلى لجان مشتركة بين الطرفين، بدا واضحاً أن مشروع الصندوق ليس متاحاً في الوقت الراهن، وقد أقر باسيل ضمناً بهذه الحقيقة، ولم يعد يتعامل معه كشرط مركزي، لكن الذي ظهر أيضاً، أن مشروع اللامركزية، المنصوص عنه في اتفاق الطائف، والمُعد للبحث من قبل أكثر من جهة، لا يمكن تحويله إلى أمر واقع من دون تفاهمات سياسية وطنية، أي إنه لا يمكن الاكتفاء بالاتفاق بين الحزب والتيار عليه حتى يصبح حقيقة كاملة. بل تتطلب العملية إشراك جميع القوى اللبنانية وصولاً إلى صيغة مناسبة للجميع. وهو أمر يقول باسيل بأنه صعب التحقّق في وقت سريع.
وبينما يعتقد البعض أن حزب الله ينظر إلى عمل اللجان على أنها عملية تضييع للوقت، أو عملية شراء للوقت، فإن باسيل نفسه، لا يملك أجوبة تحسم إمكانية التوصل إلى إنجاز في وقت قريب. بل على العكس، هو لا يعتقد أن الأمر يسير. وهو يهدد بعودة أزمة الثقة بين الجانبين.
وفي هذا الإطار، حصلت تطورات كثيرة تخصّ الملف الرئاسي، من رفض الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري، أو حتى الذي فكّر به الفرنسيون، وصولاً إلى ما تبلّغه باسيل شخصياً، من الموفد الفرنسي جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة، عن وصول مساعي فرنسا إلى حائط مسدود بما خصّ إقناع الأميركيين والسعوديين بالسير بفرنجية. وهو أمر ترافق مع وصول معلومات إلى باسيل عن موقف أميركي أكثر وضوحاً في دعم قائد الجيش، ما دفعه إلى العودة صوب المسار الأول المقترح من قبله، حيث يعتقد باسيل الآن، أنه يجب على الحزب، الاقتناع بالسير معه في بحث مكثّف وعاجل حتى الوصول إلى مرشح من خارج النادي الحالي، وباسيل، يؤمن بقدرته على تسويق مثل هذه التسوية عند غالبية القوى في لبنان، وفي مقدّمها البطريرك الماروني، كما بقدرته على إقناع أطراف خارجية أساسية بهذا المخرج. وباسيل، مثله مثل حزب الله، يعرف أن المطلوب هو رئيس مقبول أيضاً من الخارج، لأن أي برنامج عمل جدياً يحتاج إلى خطوات خارجية أيضاً، من نوع فك الحصار المالي المفروض على لبنان، وإلغاء بعض العراقيل التي تحول دون استئناف الإنفاق الاستثماري في البلاد. ويؤمن باسيل، بأنه لا يمكن فرض رئيس يبدأ عهده من حيث انتهى عهد الرئيس السابق ميشال عون.
ووفق حصيلة الاتصالات التي جرت خلال الأسبوع الماضي، يمكن الزعم، بأن باسيل، يحمل كمية كبيرة من الأسئلة التي تعكس مستوى معيناً من القلق لديه ومنها:
هل لدى حزب الله خطة بديلة من فرنجية يمكنه أن يفاوض عليها الأطراف الأخرى دون الوقوف على رأي التيار بصورة خاصة؟
هل يمكن للخارج الذي يرفض فرنجية أن يفرض رئيساً في مواجهة حزب الله أو أن الخارج العربي والغربي سيسعى إلى مفاوضات خاصة مع الحزب من أجل التوصل إلى تفاهم يلزم الآخرين؟
هل ينقلب الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط على فرنجية وأزعور ويسيران بقائد الجيش، وبالتالي يصبح حزب الله محرجاً في الموقف، ولماذا لا يشهر الحزب موقفه الرافض لقائد الجيش؟
كيف سيكون الموقف المسيحي في حال تجدّد الاشتباك العام داخلياً وإقليمياً حول لبنان؟ وهل من خطة بديلة في حال قرّر أحد ما أن يطيل أمد الفراغ فيما يواجه لبنان أزمة كبيرة من موجة النزوح السوري الجديدة، واستمرار التعثّر المالي والاقتصادي؟
هل يمكن الوصول إلى تسوية من نوع مختلف مع حزب الله؟
ومع كل هذه الأسئلة، والقلق الواضح، فإن آخرين، يعتقدون بأن على باسيل، مواجهة نفسه بسؤال أساسي وهو: ألا يعتقد بأن التسوية – المقايضة التي توصل فرنجية، هي أفضل الخيارات السيّئة المطروحة أمامه... وهل يمكن له أن يتجرّع الكأس المرة تفادياً لأزمة تقود إلى خيارات أخرى من شأنها تهديد كل استقرار البلاد؟