الاعلامي بسّام برّاك
هذه المتَّشحةُ بالزمن منذ زمن... والفاتحةُ يدَيها مكانا للأمكنة.
هذه القديمةُ المستلهِمةُ الحرفَ من جذوعِ السماء والملهِمةُ الكلمةَ أدباءَ الأرضِ وشعراءَها...
هذه المدينةُ، المسرح الخشبة المعلَّقة بين الصوت والأداء، الممتلئة جسدا يتكلَّم وروحا ترقص.
هذه الآلةُ البحريَّة العازفةُ حكايتَها لشعبها،
هذه المدينةُ التاريخُ المزدحمُ بأعداءٍ ينهزمون عند أوَّلها وشهداءَ يرتفعون حتّى آخرِها ...
ما لها تخلعُ عنها الجمالَ وتكرِّر حزنَها على نفسها مع عسَس الليل في شوارعِها ليحرقوا ضوءَها ويمهِّدوا لمزيدٍ من العتم في طرقها..
كيف يعبُر بأرصفتها هذا الجنونُ كلُّه مدمِّرا حجرَها المشيَّدَ بتعب أبنائها، ولا تلقي السلطة عينًا للحظة على مكشوفي العيون السارحين ساعاتٍ في وسط المدينة، أو تقبض كفًّا على واحدٍ ممَّن أشعل بيده الحقدَ في حبِّ بيروت..
لساعاتٍ اشتعلت أفئدةُ أصحاب المحالِّ على مطارحَ أفرغوا فيها قروشَهم والعملاتِ الصعبةَ الأجنبيَّة لأن الهيِّنةَ المحليَّة لا تعَمٍر بيوتا ومتاجرَ بل تفَقّر عائلاتٍ ومساكن !
أيَّتها السلطةُ الواقفة على قربٍ ميدانيّ من المعتدين بحساب عِلم المِساحة، تحسبينه بعيدًا بقياس الأمتار السياسيَّة فتدنين و لا تقتربين وترَين ولا تحاسبين، ويعود المعتدون من حيث أتَوا وتبقين أنت حيث كنت، ووحدَهم أصحابُ المحالِّ والأرزاق والعابرون من محبّي بيروت يفقدون أمكنتَهم في زمن لم يعد جميلا...
عفوًا أيتها السلطة، انتظرتِ ثمانيَ وأربعين ساعة كي يجلدَ رئيسُ حكومتك بسوط الكلمة من خرَّبوا واجهة بيروت بسوط النقمة... وضع بخطابٍ واقفِ النبرة شبهَ حدٍّ لفلتانٍ "فالتِ النبرة"..قلتُ- شبهَ حدّ- ليس للحكم على نوايا ما يُقال بل على خفايا غيرِ ما قيل، أو على نغمة: " إقرأ تفرح طبِّق تحزن"...
فهل تستأهلُ بيروتُ تكرارَ حزنِها وحدادِها على نفسِها كلَّما تبنّى راكبو الثورة أبوَّة الجائعين، ووجدوا في الحجارة المدمَّرة خبزا وفي لهَب النار ماءً مبيحين لأنفسِهم التكسير و"التسعير"... بمعناه التضمينيّ لا التعييني.
بيروت أيتها الرافعةُ يديك: واحدة لترسمي شارة الصليب، وواحدة لتلتقطي الهلال... هم سيكرّرون زيّاحهم المنحرف لا محالة، حتى ولو فرضتِ الدولة ضريبة الخمسين ألفًا على تجوالهم... سيعودون لأن لديهم من يسدِّد الفاتورة عنهم، ولأن الشرَّ هيّنٌ، والخيرَ صعب.. لكن أنت من سيسدِّد الفاتورة عن جمالك إلا أنت!؟ من؟ غير زمنِك الواقف في مكانك، وغيرُ تاريخِك المزدحِم بأبناءٍ ينكرون أمومتَك، وأبناء "يؤيقِنون" حجارتَك الترابيَّة ذهَبًا في بيوتهم؟!
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا