جريدة الاخبار
في خطوة قد تتحوّل إلى سابقة في طريقة تعامل الإدارة السياسية مع الموظفين في الإدارة، قرّر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ختم زيارتهما للأمم المتحدة، بقرار معاقبة القائمة بأعمال مندوب لبنان في الأمم المتحدة الدبلوماسية جان مراد، وتمّ إبلاغها قرار استدعائها إلى بيروت فوراً.
قرار استدعاء مراد تحوّل قبل تنفيذه إلى سابقة، لناحية إفهام الموظفين في السلك الدبلوماسي على وجه التحديد، بأن عليهم عدم إظهار أي حرص على مصالح لبنان الاستراتيجية، وأن عليهم تنفيذ الأوامر التي تصدر عن الوزير بمعزل عن صحتها. وهو ما سيدفع بالدبلوماسيين إلى عدم المبادرة للقيام بأي خطوات ضرورية في أعمالهم العادية. كما سيعطي انطباعاً للدول المضيفة لهم، بأن معاقبتهم عبر الضغط على حكومتهم أمر ممكن.
وقد تبيّن أن القرار الذي أُبلغ إلى مراد أمس من قبل المستشار في وزارة الخارجية هادي الهاشم، قد وقّعه الوزير بتاريخ 14 أيلول، أي قبل سفره إلى نيويورك للمشاركة مع الرئيس ميقاتي في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكنّ بو حيب طلب تأخير إبلاغ مراد بالقرار إلى حين مغادرته نيويورك، وهو ما حصل. فتمّ إبلاغ المستشار هاشم الذي كان في عداد الوفد اللبناني بقرار تكليفه القيام بمهام القائم بأعمال بعثة لبنان في الأمم المتحدة مكان مراد. وطلب إلى هاشم إبلاغ مراد بتنفيذ القرار فوراً. وقد نفّذ هاشم القرار بعد وقت قصير من مغادرة بو حبيب نيويورك متوجّهاً إلى واشنطن في زيارة عائلية.
ونصّ القرار الصادر الموقّع في 14/09/2023 على الآتي:
«جانب المُستشار في السلك الخارجي السفيرة جان مراد - بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
الموضوع: استدعاؤكم إلى الإدارة المركزية
المرجع: القرار رقم 383/أ.ع./2023 تاريخ 14/09/2023
إشارة إلى الموضوع أعلاه، نُفيدكم بأنه تقرّر استدعاؤكم إلى الإدارة المركزية تمهيداً لنقلكم إلى مركز عمل آخر استناداً إلى الفقرة هاء من المادة 26 من نظام وزارة الخارجية والمغتربين 1306/1971 اعتباراً من العقد الأول من شهر تشرين الأول 2023.
وعليه يُطلب منكم إجراء عملية التسلّم والتسليم بينكم وبين المُستشار في السلك الخارجي هادي هاشم اعتباراً من يوم 22/09/2023 بما في ذلك دار السكن تمهيداً لالتحاقكم بالإدارة المركزية خلال الفترة المُحددة لكم».
طبعاً، لا يتضمن القرار أي شروحات حول الخلفية، إنما جرت صياغته بطريقة يمكن تفسيرها على أنها إجراء عقابي، خصوصاً أن ما هو متعارف عليه لناحية المهل التي تُعطى للدبلوماسيين لإنجاز ترتيبات إدارية وبما خصّ أمور السكن وخلافه، لم يتم احترامها على الإطلاق، بل طلب القرار مغادرة مقر سكنها فوراً، أي إن عليها إخلاء المنزل من حاجاتها الشخصية هي وأولادها خلال ساعات قليلة بطريقة لا تعكس أي نوع من الاحترام. بل تعكس «الكيدية» التي طبعت القرار، بمعزل عن الملف الإداري المتعلق بها والذي يتردّد أنه موجود في الوزارة، ربطاً بملاحظات على عملها سواء في نيويورك أو سفارات عملت فيها سابقاً.
طلب القرار مغادرة مقر سكنها فوراً، أي إن عليها إخلاء المنزل من حاجاتها الشخصية هي وأولادها خلال ساعات قليلة بطريقة لا تعكس أي نوع من الاحترام
والكل في لبنان يعرف أن القرار كان بو حبيب قد اتّخذه وفريق الوزارة ثم رفعه إلى رئيس الحكومة بعد صدور القرار عن مجلس الأمن بالتجديد لعمل قوات اليونيفل في جنوب لبنان. واتّخذ بو حبيب القرار بعد اتهامه مراد بأنها خالفت تعليماته خلال المفاوضات التي رافقت اجتماعات التجديد للقوات الدولية، وأنها اتخذت موقفاً مخالفاً لما قرّره هو. علماً أن مراد، كانت في عداد الوفد الذي ترأّسه بو حبيب في حينه، وكانت تلتزم التعليمات الصادرة عنه. لكنّ بو حبيب قال إن قرارها إلقاء كلمة مرتجلة في جلسة مجلس الأمن تلك، وإعرابها عن عدم رضى لبنان عن القرار كما صدر، بمثابة طعنة له. وعندما عاد إلى بيروت، طلب من الإدارة المركزية إعداد الملف الإداري الذي يسمح له بتغطية قراره الكيدي، وتواصل مع الرئيس ميقاتي لهذه الغاية.
وقد حاول بو حبيب الحصول على تغطية ذات بعد سياسي من النائب جبران باسيل، لكنّ الأخير أبلغه بعدم موافقته على هذا التوجه. برغم أن بو حبيب حاول إغراء باسيل بأنه سيعيّن هادي هاشم المقرّب من رئيس التيار مكانها. وقد نفى باسيل علمه بالقرار أو موافقته عليه، فيما قال مسؤول في السراي الكبير، إن ميقاتي سبق أن أبلغ مراد أنه لن يوافق على القرار طالباً منها الالتزام بآليات العمل. وخلال وجود ميقاتي وبو حبيب في نيويورك خلال الأيام الماضية، لم يظهر عليهما ما يوحي بأن القرار كان قد صدر وتأخّر تنفيذه. علماً أن «قطبة خَفية» ظلت بارزة، إذ كان يفترض أن يصدر عن وزير الخارجية قرار بتكليف سفير لبنان في ألمانيا مصطفى أديب مهام رئيس البعثة في نيويورك مكان السفيرة السابقة آمال مدللي. وقد جرى ضم أديب إلى لائحة أعضاء الوفد الرسمي إلى الأمم المتحدة، لكن حصل أمر ما لم يُعلم بعد، دفعه إلى عدم الالتحاق بالوفد.
وبينما ضجّت أوساط الدبلوماسية اللبنانية بالخبر وتداعياته، لم يصدر أي تعليق عن وزير الخارجية، ونفت أوساط السراي أي علاقة لرئيس الحكومة بالأمر، وقالت إنه قرار يعود إلى وزير الخارجية حصراً. لكنّ الصدى الأولي للخطوة كان سلبياً، باعتبار أن القرار يمثل عقاباً على عدم خضوع الموظف لإرادة الوزير، ولو كان بو حبيب يملك الموجبات الإدارية لخطوة كهذه، فهو يعرف، كما دوائر وزارة الخارجية أن الأمر لا يتم على هذا النحو. ثم إن بو حبيب نفسه، رفض استدعاء أكثر من دبلوماسي تقول الإدارة المركزية إنهم يرتكبون أخطاء في عملهم ويخالفون القواعد الوظيفية. يبقى السؤال، حول كيفية تصرف مراد مع القرار، حيث رفضت دعوة هاشم إلى إجراء عملية تسلم وتسليم أمس، معتبرة أنها غير معنية بتنفيذ القرار لأنها لا تراه مبرراً. وهو قرار سياسي وإن اتخذ طابعاً إدارياً.
توقيف الملحقين الاقتصاديين
من جهة ثانية، تبلّغ الملحقون الاقتصاديون في سفارات لبنان في الخارج، قرار وزير الخارجية عدم تجديد عقودهم نهاية هذه السنة. وعُزي الأمر إلى قرار بتقليص نفقات وزارة الخارجية، لأن كلفة هؤلاء وعددهم 15 ملحقاً اقتصادياً تصل إلى مليونَي دولار «فريش»، وأن الخزينة لم تعد قادرة على تحمّلها، فيما باءت محاولات تحميلها لأطراف ثالثة بالفشل.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس ميقاتي طلب من المعنيين تأمين كلفة بقاء الملحقين عبر تبرّعات من جمعية الصناعيين، وحين سئل وزير الصناعة جورج بوشكيان عن مدى الحاجة إلى هؤلاء، أجاب بأنها لا تتجاوز 6 ملحقين اقتصاديين، بخلاف ما أجاب وزير الزراعة عباس الحاج حسن الذي طلب بقاء 8 ملحقين اقتصاديين. والأمر يعود أيضاً إلى طبيعة المهام التي يقومون بها، وسط غياب أي خطّة واضحة لتوزّعهم الجغرافي في البلدان التي يحتاج لبنان إلى تواجدهم فيها، أو حيث يمكن أن تنشأ مشاكل وخلافات اقتصادية وتجارية.
وعلى سبيل المثال يبدو أن هناك ملحقاً اقتصادياً في الكويت حيث لا سفارة هناك، وجرى نقله إلى قطر ليعمل في «الإكسبو»، وهناك ملحق اقتصادي وتجاري واحد محصور عمله في أميركا الجنوبية، بينما هناك ملحقون لم تتضح الحاجة إليهم في اليابان وروسيا بخلاف العراق ومصر. واللافت أن أجور الملحقين تبلغ 12 ألف دولار في كل المناطق وهو أمر غير ملائم لطبيعة العمل. فعلى سبيل المثال، يتساوى أجر الملحق التجاري والاقتصادي في مصر حيث العملة منهارة والأزمة تجعل الدولار ذا قوّة شرائية كبيرة، مع ذلك الذي يعمل في أميركا الجنوبية حيث التضخّم يزداد بشكل قاسٍ.