الجمهورية
جورج شاهين
بانتظار ان تتوفّر المعلومات الموثوقة حول ما آلت إليه جهود الخماسية بعد «لقاء نيويورك الثالث» لإنهاء الجدل القائم من حولها، فإنّ كل ما نُشر استند الى تسريبات زرعت المزيد من الشكوك بأنّ امراً ما ايجابياً لم يتحقّق. فالامتناع عن إصدار أي بيان أعاد الاعتبار إلى بيان «لقاء الدوحة الثاني» الذي لم يتحقق منه اي بند. وهو ما قاد إلى سقوط مجموعة من السيناريوهات المتداولة وفتح الطريق الى أخرى غامضة، تقود الاستحقاق إلى المجهول. وهذه عينة منها.
بفارق ساعات قليلة على نهاية اللقاء الذي جمع من يمثل أركان «لقاء باريس الخماسي» للمرّة الثالثة صباح يوم الاثنين الماضي في مقرّ البعثة الفرنسية في نيويورك، تعدّدت الروايات المتناقضة التي تحدثت عمّا شهده اللقاء. و بمعزل عن اشارة امير قطر إلى اختلاف وجهات النظر بين الاميركيين والفرنسيين، والملاحظات السعودية والقطرية حول ما تحتاجه المبادرة الفرنسية من مِهَل اضافية، توزعت السيناريوهات بين الحديث عن شكله ومستوى التمثيل المتدني الذي شهده، بعدما تردّد أنّه سيكون على مستوى وزراء الخارجية المتواجدين في أروقة الأمم المتحدة، واقتصاره على مستوى كبار الموظفين، قبل أن يطال الحديث المسرّب حجم الخلافات حول بعض الخطوات الممكنة التي يمكن للقاء ان يتخّذها، والمدى الذي يمكن ان تصل اليه الضغوطات الممكنة التي تدفع اللبنانيين الى تطبيق ما قال به بيان «لقاء الدوحة الثاني» من إجراءات تقود إلى انتخاب الرئيس، بعد التشديد على المواصفات المطلوبة.
فقد كان مطلوباً من اللبنانيين في المرحلة الاولى التوصّل الى انتخاب الرئيس قبل الحديث عن طاولة حوار او تشاور، ذلك انّ هذه الخطوة يجب ان تكون برئاسته وإدارته، فلا يتمّ إلزامه مسبقاً بأي توجّه يأسره قبل تكوين إدارته، وفي مقدّمها تشكيل الحكومة العتيدة، بما يتلاقى ومجموعة المواصفات التي وُضعت لـ»بروفيل» الرئيس، بما يسمح كخطوة أولى بوقف الانهيارات المتناسلة واستعادة الثقة بإمكان قيام الدولة وإعادة بناء مؤسساتها لتستعيد موقعها بين الدول.
فقد اتفق اركان الخماسية يومها على مساعدة اللبنانيين في العبور بالاستحقاق الرئاسي من دون ان ينغمسوا اكثر في مشاكلهم الداخلية، فلا يتدخّلون في الأسماء ولا في كيفية تأمين الإجماع المطلوب من حول أي منهم، ليتفرّغوا لاحقاً الى البحث في آلية مساعدته، من ضمن خريطة الطريق المؤدية إلى ما يشتهون الوصول إليه من تعافٍ يقود اليه برنامج أولويات لم يعد الخلاف بشأنه كبيراً إن اختار اللبنانيويون رئيسهم.
وعليه، قالت المصادر الديبلوماسية التي واكبت الاجتماع وما انتهى اليه، انّ ما تسرّب منه لم يكن كاملًا ولا دقيقاً. فلا يجوز ان يُعطى الانطباع انّ الاجتماع كان على مستوى اجتماع لمجلس إدار «شركة عابرة للقارات» بقدر ما هو «لقاء دولي» يهدف إلى التوصل إلى مشروع حلّ للأزمة اللبنانية، يسهّل انتخاب الرئيس. فجاءت المعلومات عن مواجهات ثنائية او ثلاثية خارج سياق العلاقات الديبلوماسية بين الدول وطريقة تعاطيها مع بعضها البعض. وهو ما ادّى إلى التردّد في تصديق ما حصل كما تسرّب. فلا مجال لتفكيك اللقاء في هذه المرحلة بالذات، إن وقع الخلاف حول بعض الخطوات التي يمكن ان تحقّق الهدف المنشود، ولا يفسد الخلاف في وجهات النظر الودّ بين أطرافه إن كانت لا تزال عند قرارها بالتوصل إلى حل. ويمكن عندها ان تُستبدل بعض الاقتراحات بأخرى قابلة للتطبيق، بدلاً من نسف الجهود التي بُذلت على هذا المستوى.
وانطلاقاً من هذا الواقع، فقد أجمعت مراجع ديبلوماسية داخلية وخارجية على القول، انّ بعض السيناريوهات المتداولة قد سقطت، ومنها على سبيل المثال:
- لم تعد بورصة الأسماء المتداولة على ما كانت عليه، وانّ الفشل في إيصال مرشح أي من القوتين الأساسيتين الى قصر بعبدا امرٌ لا نقاش فيه. فالمعادلة التي كرّستها جلسة 14 حزيران الماضي ثابتة في عقول المتعاطين بالملف، وما زالت معتمدة ومثلاً يُضرب في الوسطين الداخلي والخارجي.
- ليس من السهل ان تصل المناقشات الجارية على مستوى الحوار بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، الى ما يؤدي الى تفاهم جدّي ينتهي بانتخاب الرئيس، وخصوصاً انّها ليست كافية لتأمين النصاب لجلسة دستورية تفضي الى انتخابه.
- لم تؤدِ المساعي المبذولة حتى اللحظة إلى تغيير الستاتيكو النيابي القائم، ولم تصل بعد إلى قلب الموازين داخل التركيبة النيابية، وانّ الحديث عن توافق مطلوب ما زال بعيد المنال.
- لم يظهر بعد حتى اللحظة انّ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى «طاولة حوار الايام السبعة» ممكنة. فقد كان واضحاً انّ ما يريده منها لم يتحقّق بعد، وهو يتريث باستكمال خطوته المقبلة.
ما هي أغلى سيارة في العالم عام 2023؟
وتأسيساً على ما تقدّم من المؤشرات السلبية، فقد فُتح النقاش حول مجموعة اخرى من السيناريوهات المتوقعة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- طالما انّ باريس لم تعلن اي خطوة تتصل بمستقبل مبادرتها، فإنّها ما زالت مطروحة. وإنّ الجميع ينتظر تحديد باريس للموعد الجديد للجولة الرابعة للوزير لودريان. فمن سابع المستحيلات ان ينتهي أي خلاف بين أركان اللقاء إلى وقف المبادرة الفرنسية.
- لا يمكن بأي شكل من الأشكال ان تتحقق رغبات البعض بلجم الحراك الفرنسي. فباريس حاضرة في لبنان، ليس على مستوى اللقاء فحسب، طالما أنّها هي ولمجرد تملّكها لشركة «توتال» ما زالت قائدة لعملية البحث عن الثروة النفطية في لبنان، وهي تستعد لتوسيع حضورها اقتصادياً ومالياً في لبنان وليس العكس.
- انّ أي دور قطري جديد لن يكون مستغرباً. فقطر حاضرة في صلب العملية الدولية الجارية لاجتراح المخارج للأزمة اللبنانية، وهي شريكة الفرنسيين في ملف النفط الذي سيتحكّم بمستقبل الوضع في لبنان، لمجرد اكتشاف حجمه التجاري في البلوكات اللبنانية، وأنّ رفع مستوى تمثيلها الديبلوماسي إلى الحدّ الاقصى يعني الكثير.
- لا يمكن تجاهل المواقف السعودية الواعدة بمدى استعداداتها لتقديم العون للرئيس الجديد، لمجرد انتخابه واكتمال عقد السلطات الدستورية وإبعاد شبح التفكّك المخيف عن المؤسسات اللبنانية الباقية قيد العمل ولو بحدّها الأدنى. فالمملكة وبحسب مواقف قادتها، قالت بصراحة إنّها لا ترغب في استراتيجيتها المعتمدة بالتعاطي لا مع الطوائف اللبنانية ولا مع أحزابها، بقدر ما تريد التعاطي مع دولة بكامل مواصفاتها الدستورية والشرعية.
وختاماً، وبعيداً مما يمكن الاستفاضة في شرحه، فإنّه بات ثابتاً لدى المراجع السياسية والديبلوماسية، انّها وإن أحصت السيناريوهات المنهارة، فهي تسعى الى قراءة الجديد منها. ومع اعترافها المسبق بصعوبة المهمّة، فإنّها بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مؤشرات، لتوضيح ما بقي غامضاً مما تحقّق وما هو مرتقب.