دوللي بشعلاني - الديار
يتلهّى السياسيون اللبنانيون في الحديث عن التقسيم والفيديرالية والكونفيديرالية، لكي يتمكّن أبناء الشعب اللبناني من العيش معاً بأمانِ واستقرار وبحبوحة، كما في رفض كلّ الحلول الآيلة الى انتخاب رئيس الجمهورية، بدءاً من مبادرة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان المرتقب عودته قريباً الى بيروت، في ظلّ إخفاق الإجتماع الثاني للجنة الخماسية الذي عُقد الثلاثاء المنصرم في نيويورك، وصولاً الى دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الى الحوار لسبعة أيّام ثمّ الذهاب الى جلسات إنتخاب مفتوحة بدورات متتالية... في الوقت الذي يُداهم لبنان «خطر الزوال».
وسبق وأن دقّ لودريان، عندما كان وزيراً لخارجية بلاده في العام 2020 ناقوس الخطر، معلناً بأنّ «لبنان الى زوال». هذه العبارة التي استخدمها آنذاك، وأرادها أن تُمثّل «صدمة» في نفوس المسؤولين لوضع مصلحة لبنان قبل مصالحهم الشخصية، لم تفعل فعلها حتى الآن، رغم أنّهم يرون تفكّك هذا البلد سياسياً وإقتصادياً واجتماعياً وديموغرافياً ووجودياً.
ويبدو أنّ خطر الزوال بات قريباً، مع تفاقم الأزمات في جميع القطاعات، وآخرها النزوح الجديد «الإقتصادي»، على ما يوصف، الى بلد مُنهك إقتصادياً في ظلّ غياب القرار السياسي والعسكري الحاسم.
وبرز حدث أمني تمثّل بإطلاق النار مساء الأربعاء على السفارة الأميركية في عوكر، لم ينجم عنه وقوع إصابات، إنّما حمل رسائل مبطّنة للولايات المتحدة، التي تُحاول تحصين طاقم السفارة وموظّفيها في البناء الجديد للسفارة الذي يُشبه «مدينة صغيرة» في تلال عوكر.
«الخماسية» والملف الرئاسي
على خط الملف الرئاسي، لا يزال الجمود سيّد الموقف، رغم كلّ المبادرات الداخلية والخارجية لإخراجه من عنق الزجاجة. وقد أكّد على ذلك عدم خروج الإجتماع الثاني للجنة الخماسية الذي عُقد يوم الثلاثاء المنصرم في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة الـ 78، على مستوى كبار الموظّفين بدلاً من وزراء الخارجية، على ما كان متوقّعاً، في مقرّ بعثة فرنسا الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك بأي إتفاق، حتى أنّ أي بيان لم يصدر عن هذا الإجتماع.
وهذا الإجتماع الذي عوّل عليه لبنان كثيراً، لم يدم أكثر من 35 دقيقة وفق المعلومات، حيث نشب خلاف كبير بين اعضاء «الخماسية» طرفاه واشنطن وباريس.
كما تقول المعلومات ايضا، ان السعودي شارك في الاجتماع لمدة 15 دقيقة فقط وغادر بعدها. وتقول مصادر سياسية عليمة لـ «الديار» بأنّه كان هناك مسودة فرنسية أُعدّت للمناقشة، غير أنّها لم تلقَ آذاناً صاغية من المشاركين في الإجتماع. ولهذا انتهى من دون بيان، أو يُضيف جديداً الى ما ورد في «بيان الدوحة» الذي صدر بعد الإجتماع الأول للخماسية. وجرى اختصار الإجتماع بانّه طالب بسقف زمني لمهمّة لودريان، وتطرّق الى مبادرة برّي، وجرى عرض أسماء لائحة المرشّحين، من دون أن يؤيّد أي طرف أي إسم منها.
واعتبرت المصادر أنّ «انقسام الخماسية الواضح سينعكس سلباً على زيارة لودريان الرابعة المرتقبة الى بيروت قريباً، وقد يؤدي الى تراجع خطاب الموفد الفرنسي، كما يؤثّر سلباً على مهمّة الموفد القطري المنتظر وصوله الى بيروت في الخامس من تشرين الأول المقبل، والذي جرى إستبداله ليُصبح وزير الدولة للشؤون الخارجية، سيما وأنّه لن يتمكّن من تعريف نفسه على انّه يُمثّل «الخماسية»».
علماً بأنّ ممثلة الولايات المتحدة في الإجتماع باربرا ليف قالت «لا تستطيع بلادي الإستمرار بمساعدتها للجيش اللبناني في ظلّ غياب حلّ سياسي كامل متكامل». وطلبت من فرنسا وضع سقف زمني للفراغ الرئاسي في لبنان، في إشارة الى أنّ «التفويض» للودريان لن يطول أكثر. أمّا السفير السعودي وليد البخاري فأكّد خلاله استعداد بلاده لمساعدة لبنان عندما يُنتخب رئيس للجمهورية، ما يعني، وفق المصادر، بأنّ «الخماسية» قد نفضت يدها من انتخاب الرئيس، وأنّه مؤجّل لأشهر طويلة بعد...
في الوقت الذي ذكر فيه أمير قطر في كلمته أمام الجمعية العامّة بأنّ «الخطر أصبح محدقاً بمؤسسات الدولة في لبنان، ونؤكد ضرورة إيجاد حل للفراغ الرئاسي»، مضيفاً أنّ «هناك تباينا بين الولايات المتحدة وفرنسا في اللجنة الخماسية حول لبنان».
ميقاتي من نيويورك: لخريطة طريق
أمّا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقد حذّر في كلمته أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة في دورتها الـ78 «من انعكاسات النزوح السلبية التي تُعمّق أزمات لبنان»، مشدّداً على «أنّ لبنان لن يبقَى في عين العاصفة وحده»، منتقداً «قصور المجتمع الدولي الذي ما زال تجاوبه مع نتائج هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها علينا بالغ الخجل»... (التفاصيل ص2). غير أنّ ما قاله لم يُحرّك، على ما رأت المصادر عينها، مع الأسف، ضمير المجتمع الدولي الذي لا يزال يرفض «إعادة النازحين السوريين الى بلادهم».
الجيش اوقف 800 نازح الاسبوع الماضي
وفي هذا السياق، تجمع القيادات اللبنانية على ان النزوح اصبح اكبر من خطر وجودي ويهدد السلم الاهلي، والجيش يتابع عمليات الدهم والتوقيف للمتسللين، وقد اوقف في الاسبوع الماضي 800 نازح على الحدود.
وتقول مصادر سياسية لـ«الديار» إنّه «ليس على الحكومة الحالية مواصلة الإستنجاد بالمجتمع الدولي، لأنّ الجهود اللبنانية في الأمم المتحدة لا تلقى آذاناً صاغية، بل على النظام السوري الإتفاق مع دول الخارج لإعادة إعمار بلاده وتسهيل عودة النازحين. فكلمة ميقاتي ولقاءاته، كما اللقاءات الثنائية لوزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم تُسجّل أي خطوة إيجابية فيما يتعلّق بالتجاوب مع دعوة لبنان المتكرّرة للمجتمع الدولي لمساعدته على إعادة النازحين، بعد أن باتت استضافته لهم تُشكّل عبئاً ضخماً لا قدرة للبنان على تحمّله بعد الآن».
وأشارت المصادر الى «أنّ جحافل النازحين تستمرّ في التسلّل الى لبنان عبر المعابر غير الشرعية من دون أي توّقف أو تراجع، في ظلّ عجز الدولة عن اتخاذ أي قرار سياسي حاسم يُعيق نزوحهم المتواصل وغير المبرّر في تجاه لبنان».
ورغم ضعف الإمكانات العسكرية، تجد المصادر «أنّ الحلّ لا يكون بإقفال الحدود بين لبنان وسوريا، في ظلّ عدم القدرة على مراقبة المعابر غير الشرعية الكثيرة، إنّما بفتح الحدود بين لبنان وأوروبا، ليكون معبراً لخروج هؤلاء الى الدول الأوروبية التي هي «دول لجوء» خلافاً للبنان. فالمطلوب القيام بإجراءات سريعة وحاسمة من الدولة في الوقت الراهن، قبل زوال لبنان كياناً ووجوداً، في ظلّ استمرار هجرة شبابه الى دول الخارج، واستبدالهم بعملية الترانسفير الحاصلة من سوريا بطريقة غير شرعية. أمّا عدم التحرّك فيُبشّر بأنّ عدد النازحين السوريين سيُصبح أكثر من عدد السكّان اللبنانيين في أقلّ من سنتين».
ويُذكر هنا، ان مسألة الذهاب الى سوريا للتنسيق مع السلطات فيها على إعادة النازحين، لا تزال غير محدّدة بعد، ومرهونة بعودة بوحبيب من نيويورك، والذي يُفترض أن يترأس الوفد اللبناني الى دمشق. وقد تأخّرت الحكومة حتى الساعة في القيام بهذه الخطوة.
علماً بأنّ مديرية التوجيه في قيادة الجيش، قد أعلنت أمس الخميس أنه «في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع الحالي، محاولة تسلل نحو 1000 سوري عند الحدود اللبنانية - السورية».
عقبات أمام حوار برّي
وعلى صعيد مبادرة برّي، يبقى التحضير للحوار «الشغل الشاغل» بالنسبة لرئيس مجلس النوّاب على ما أعلن، ولهذا تستمر الإتصالات مع النوّاب المستقلّين، في ظلّ الرفض القاطع لقوى المعارضة لتلبية الدعوة الى الحوار، التي يُفترض أن تسبق المبادرات الخارجية... وفضّل برّي عدم التعليق على نتائج اجتماع اللجنة الخماسية الذي عُقد أخيراً في نيويورك، وتوقف عند التباين الذي انتهى اليه الاجتماع بالقول: «كان عليهم التوسط بين اللبنانيين، فإذا هم في حاجة الى مَن يتوسط بينهم». وأوضح: «لستُ معنياً الا بما أفعله هنا. التحضير للحوار شغلي الشاغل. الاتصالات جارية خصوصاً مع النواب المستقلين لانخراطهم فيه، في انتظار أن يقرر جبران باسيل خفض حمولته». ولم يُخف استغرابه لرفض كتل ونواب دعوته الى الحوار من أجل انتخاب الرئيس «فيما يعوّلون على حوار الخارج لانتخاب الرئيس او فرض مرشح او استبعاد آخر».
أمّا انعقاد هذا الحوار، فلا تزال دونه عقبات، على ما ذكرت مصادر سياسية أبرزها رفض «التيّار الوطني الحرّ» المشاركة فيه إذا كان تقليدياً ضمن صيغة «رئيس ومرؤوس»، وإذا خرج عن البحث في إنجاز الإستحقاق الرئاسي ضمن جلسة مفتوحة بدورات متتالية وبمن حضر. فضلاً عن رفض قوى المعارضة والنوّاب «التغييريين» و«المستقلّين» المشاركة فيه، ما يجعل «الحوار بمن حضر» لا جدوى منه، ويُعتبر تعطيلاً للدور المسيحي في انتخاب الرئيس، على ما قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من أوستراليا.
إطلاق نار على السفارة الأميركية
وتصدّر حادث تعرّض السفارة الأميركية في عوكر لإطلاق نار دون وقوع إصابات، في ساعة متأخّرة من مساء الأربعاء الفائت، وبعد ساعات من إحياء السفارة لذكرى تفجيرها قبل 39 عاماً، على ما عداه من الأحداث الأمنية التي تجري على الساحة اللبنانية، حيث تتواصل التحقيقات لكشف ملابساته ولم تتوصل حتى الآن الى اي نتيجة.
وكانت السفارة الأميركية أطلقت منذ فترة مشروع بنائها الجديد على تلال منطقة عوكر الذي يُشبه «مدينة» صغيرة ويتسارع العمل فيه، وتُحاول أن تتحصّن فيها من أي إعتداء أمني، وتُشكّل ربما قاعدة للتجسّس في منطقة الشرق الأوسط. فالمجمّع الجديد تبلغ مساحته، وفق المعلومات، نحو 90 ألف م2 مسقوفة، و120 ألف م2 من المساحات المكشوفة، بميزانية بلغت مليارا ومئتي مليون دولار. ويضمّ المقرّ الرئيسي للسفارة والمبانٍي الملحقة، الى جانب مساكن لإقامة الموظّفين وحدائق ومرافق ترفيهية وغير ذلك. ويُعتبر ثاني أضخم سفاراتها في المنطقة، بعد مقرّ السفارة الأميركية في بغداد، وفق ما أعلنته لدى إطلاقها هذا المشروع.
كلّ هذا المجمّع الضخم في بلدٍ صغير نسبياً، أثار نوعاً من الجدل حول ماهيته، والأهداف الكامنة وراء بنائه، في الوقت الذي ساهمت فيه الولايات المتحدة في حصار لبنان إقتصادياً، من خلال دفع الأمور الى انهيار النظام المصرفي، وسعيها ضمن وجودها فيه، كما في الأمم المتحدة الى «فرض» توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على أراضيه، خلافاً لما ينصّ عليه الدستور اللبناني، وما يريده الشعب اللبناني.
مصادر سياسية مطّلعة قالت لـ «الديار» بأنّ الإعتداء على السفارة الأميركية، هو رسالة مباشرة للولايات المتحدة لكفّ ّيدها عمّا تسعى اليه في لبنان، وهو المقايضة على الملف الرئاسي مقابل تأمين «أمن إسرائيل» في المرحلة المقبلة. وتقول المصادر بأنّه حصل ربّما لسببين رئيسيين، في استباق لنتائج التحقيقات الجارية هما:
-الأول: مساهمة الولايات المتحدة في انهيار الوضع الإقتصادي في لبنان، ومحاصرته من جوانب عديدة، وعدم دعم أي مساعدات دولية له لإنتشاله من الحفرة، بهدف منع إيجاد الحلول الناجعة. وزاد في الطين بلّة قرارها الأخير الذي هدّدت فيه بوقف تقديم المساعدات للجيش اللبناني قبل انتخاب الرئيس.
-الثاني: مواصلة مخطط «توطين» اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان، من خلال الضغوطات التي تُمارسها على منظمة الأمم المتحدة، لا سيما على الدول الغربية فيها لتنفيذ هذا المخطّط، ولعدم مساعدة لبنان على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم. فضلاً عن مساهمتها في النزوح السوري الجديد عبر المعابر غير الشرعية، من خلال تقديم المساعدات المالية للنازحين في المخيّمات ،بدلاً من تقديمها لهم في بلادهم.
اشارة الى أنّ الجيش اللبناني يحتاج، كما أعلن قائد الجيش العماد جوزاف عون الى 40 ألف عنصر لضبط 160 معبراً غير شرعي، لا يملك منهم سوى 8 آلاف. وهنا سألت المصادر كيف إذا قامت اميركا بوقف المساهمة الشهرية (التي تبلغ مئة دولار) لكلّ عنصر في الجيش لكي يتمكّن من الإستمرار في عمله؟