ساسيليا دومط - الجمهورية
حلّ فيروس كورونا ضيفاً ثقيل الظل على العالم بأكمله، وبتنا جميعاً نرضخ للتهديد بالإصابة به، فنهلع ونرتعب إذا ما شعرنا بالزكام أو ألم الحنجرة، حتى أن من تعوّد على أعراض الحساسية الموسمية بات مشغول البال، لعل ما يشعر به يُنذر بالإصابة بكوفيد 19.
يتجه المئات، لا بل العشرات يومياً إلى المستشفيات والمختبرات لإجراء اختبار «كوفيد 19»، وتكون نسبة بسيطة جداً مصابة فعلاً به. فما الذي يدفع بنا للقيام بالإختبار؟ هل نحن فعلاً نعاني الأعراض الجسدية؟ هل يؤدي الخوف من الإصابة إلى أعراض وهمية؟ وهل يلاحظ الآخرون هذه الأعراض كأنها حقيقية؟ كيف نميّز بين الإصابة والوهم؟ ما هي الأعراض النفس-جسدية؟ وكيف نعالجها؟
إنها المرة العاشرة التي تجري فيها هند اختبار فيروس كورونا خلال ثلاثة أشهر، ولا زال هاجس الإصابة يطاردها كل صباح بسبب إصابتها بالزكام، مع العلم بأنها تعوّدت على ذلك بسبب الحساسية منذ عشرين عاماً، «فكرة واحدة تسيطر على تفكيري كل صباح، وهي أنني أصبت بالعدوى وسوف أموت اختناقاً بضيق التنفس، الذي أشعر به فعليّاً، فتزداد ضربات قلبي ويتعرّق جسمي، كأنّ حرارتي قد ارتفعت. أتعبني هذا الشعور بالقلق والخوف وأريد السيطرة عليه».
أما جوزف، جار هند، فقد علم بالصدفة بأنه مصاب، بسبب إجراء الإختبار بشكل عشوائي في المنطقة، وهو لم يُعان أيّ عارض على الإطلاق.
علينا أن نتعوّد أن نراقب مستوى انفعالاتنا وعواطفنا في ما يخصّ الإصابة بالأمراض، وبالتحديد فيروس كورونا في الفترة الراهنة؛ فبسبب القلق والخوف الشديدين من العدوى، قد تظهر لدينا أعراض نفس-جسدية، تشبه إلى حد كبير الأعراض الحقيقية الفعلية.
فقد يفقد الكثير من الأشخاص حاسّة الشم والذوق، ويصابون بالسعال وضيق التنفس، مع نتيجة سلبية بعد الإختبار، لأنّ ما يعانون منه هو ليس الفيروس بحد ذاته، بل هاجس الإصابة به.
إنّ ظهور الأعراض النفس-جسدية بديهي في ظروف كهذه، أما السبب فهو الخوف من المرض، والقلق وعدم الشعور بالإستقرار النفسي، «ماذا سيحدث؟» «ماذا لو التقطت العدوى؟ هل سأنقل إلى المستشفى؟» «هل سأشفى؟»، هذه الأسئلة وسواها تخلق لدينا ضغوطات نفسية وعاطفية، مما يؤدي إلى أعراض جسدية واضحة.
في هذه الحالة، لا يفتعل الفرد أعراضاً غير موجودة، ولا ينتج ما يشعر به عن تخيّلات وتهيؤات، بل هناك حقائق ووقائع يمكن أن يراها الأطباء، إلّا أنّ أسبابها مرتبطة بالحالة النفسية للفرد. إذاً، قد تظهر لدينا أوجاع الرأس والمفاصل، والشعور بالإرهاق والتعب، ومشاكل في الجهاز الهضمي ودوخة، واضطراب بضربات القلب «لأسباب بحت نفسية». فنشعر بالأعراض جسدياً، أمّا دوافع ظهورها فهي انفعالاتنا وعواطفنا، صدماتنا النفسية، وقلقنا... ليس علينا أن نتفاجأ إذا ظهرت الأعراض النفس-جسدية في فترات الوباء، بل علينا تَوقّع ذلك.
العلاقة وطيدة بين الحالة النفسية للفرد وبين الأعراض الجسدية التي يعانيها، الأمر الذي يزيد من الأعراض النفس-جسدية خلال الأزمات. لذا، فإنّ الضروري في هذه الفترات أن نهتم بصحتنا النفسية، وأن نطلب المساعدة من الاختصاصيين في حالات التوتر والقلق، وعند ظهور الأعراض الجسدية علينا، خاصة عندما يستنتج الأطباء بأنها بسبب التوتر والضغوطات الحياتية.
قد يكون جسدنا لم يلتقط الفيروس بعد، إلا أننا نواجه عدواً آخر هو الخوف والقلق والضغط النفسي، الذي قد يتحوّل إلى إحباط، فأفكار سلبية ونوبات هلع، وبعدها إلى أعراض جسدية حقيقية، مصدرها ما يدور في مشاعرنا وعواطفنا وحالتنا النفسية.