آلان سركيس - نداء الوطن
يختزل مخيم عين الحلوة، الذي يُعتبر أكبر المخيمات الفلسطينية، التعقيدات اللبنانية والفلسطينية والعربية، ففيه سلطة فلسطينية تحاول الحسم، ومقابلها عدد من المجموعات الإسلامية التي تخرقها أجهزة إستخبارات إقليمية. ومع تقدّم الوقت يبدو هناك قرار بلجم التوتر داخل المخيم في مقابل منع أي إشكالات في المخيمات الأخرى.
لا يختلف الصراع كثيراً في عين الحلوة عن الصراع الدائر في لبنان والمنطقة العربية، فمن جهة هناك حركة «فتح» المدعومة من محور الإعتدال العربي، وعلى رأسه الرياض والقاهرة، ومن جهة ثانية، هناك الجماعات المتطرفة التي غذّتها دمشق سابقاً، ودعمتها حركة «حماس» لتقف في وجه «فتح»، ومن ثمّ تبنّاها محور «الممانعة» حسبما تكشف التقارير الإستخباراتية.
ومع أخذ الصراع الدائر في المخيّم طابعاً حربياً، تدخل عوامل عدّة لتضع الصراع في إطار أوسع من المواجهات الفلسطينية الداخلية، وتروي أوساط ديبلوماسية حقيقة ما يحصل على بوابة الجنوب:
وصل الوضع الأمني والعسكري داخل المخيم إلى درجة تُهدّد بالإنفجار الكبير، وضاق أهل المخيم ذرعاً بتصرفات المجموعات الإسلامية وتجاوزاتها، وحصلت مراسلات بين كبار المسؤولين الفلسطينيين في المخيم ولبنان والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكانت هناك مطالبات بلجم التوتر وتطويقه لأسباب عدّة أبرزها إتساع نفوذ الجماعات المتطرفة داخل المخيم وتهديد سلطة «فتح» فيه، وتُعتبر هزيمة «فتح» ضربة قاسية، لأنّها ستخرج حكماً من أكبر مخيمات لبنان.
ومعروف العمق العربي لحركة «فتح» وعلاقاتها المميزة مع مصر والدول العربية، فخسارة مخيم عين الحلوة توازي خسارتها أجزاء داخل فلسطين المحتلة، وانطلاقاً من كل هذه المعطيات اتخذ قرار بإعطاء «فتح» الضوء الأخضر لتطويق نفوذ المجموعات الاسلامية، مستغلّة إقدام الجماعات المتطرفة على الهجوم عليها وزعزعة أمن المخيم والأمن اللبناني.
وتؤكد الأوساط الديبلوماسية وجود قرار عربي بدعم «فتح» من أجل لجم التوتر وتحسين مواقعها، وتحاول القاهرة وبعض العواصم الخليجية استرجاع الورقة الفلسطينية بالكامل سواء داخل الأراضي المحتلة أو خارجها. وبالنسبة إلى الداخل اللبناني، هناك أيضاً ارتياب من توسّع نشاطات الجماعات المتطرّفة، لذلك هناك تأييد من قبل أفرقاء السلطات الشرعية لدعم «فتح» داخل عين الحلوة وسط عدم قدرة «حزب الله» على الوقوف علناً في وجه هذا الأمر، ولو كان يدعم بعض الجماعات سراً.
والعامل المهمّ الذي يدخل على الخطّ هو الدعم السني لحركة «فتح»، وهذا الأمر تغطّيه دار الفتوى في الدرجة الأولى ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبعض الشخصيات السنّية وعلى رأسها فاعليات صيدا.
ومن جهة أخرى، ووسط القرار اللبناني والعربي بدعم «فتح» لإنهاء حال الفلتان في المخيم، تتقاطع مصالح مصر والدول الخليجية مع قطر في ما خصّ الملف الرئاسي اللبناني، وانعكس ذلك على عين الحلوة، حسب مصادر ديبلوماسية. وتؤكّد معلومات «نداء الوطن» أن هناك دخولاً قطرياً على خطّ دعم الجيش والشرعية وتثبيت الأمن، والسبب في هذه الخطوة وجود ضوء أخضر أميركي للقيام بهذه الخطوة، وتمثّل الدعم القطري بهبة السبعين مليون دولار لعناصر الجيش منذ أكثر من سنة، وتبعها منذ أيام تقديم قطر هبة بثلاثين مليون دولار من أجل تأمين المحروقات وأمور لوجستية للجيش.
ويُظهر الاهتمام القطري بدعم الشرعية، مدى الحرص القطري على لبنان، الذي تكشّف خلال زيارة أكثر من مسؤول أمني لقطر. ويعود السبب أيضاً إلى وجود مصالح قطرية في لبنان، وقد أبلغ مسؤولون قطريون نظراءهم اللبنانيين عن دخول قوي لقطر في مجال الإستثمار بالنفط والغاز والطاقة، لذلك يجب أن يكون الجوّ الأمني في لبنان آمناً لنجاح هذه الاستثمارات.
وتجتمع العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية لتؤكّد نية دعم «فتح» في عين الحلوة بعد وصول الأمور إلى درجة تهديد الأمن اللبناني وأمن المخيمات، فمع بدء أعمال التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9، ترفض الشركات العالمية التي تنقّب الدخول إلى منطقة غير آمنة وغير مضبوطة، فكيف الحال بالنسبة إلى مدخل الجنوب، لذلك هناك قرار كبير بإنهاء حالة الفلتان في المخيم وضبط الأمن فيه، وذلك لأهداف سياسية عربية وأمنية لبنانية ومصالح مرتبطة بالإقتصاد والنفط.