محمد دهشة - نداء الوطن
دخل مخيم عين الحلوة في عنق الزجاجة مأزوماً ومخنوقاً، بين الاشتباكات العسكرية والمساعي السياسية، وبين الاتفاق على وقف إطلاق النار مجدّداً وآلية تطبيقه على أرض الميدان، حيث بقي البون شاسعاً بينهما، وقد ترجم باستمرار الاشتباكات العنيفة وعلى أكثر من محور باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، وبسقوط المزيد من القتلى والجرحى.
وفيما حبس أبناء المخيم أنفاسهم بانتظار نتائج الحراك السياسي وعلى أكثر من صعيد، بقي صوت الرصاص والقذائف سيد الموقف، إذ تواصلت الاشتباكات على محور حطين – جبل الحليب، الطوارئ – البركسات - بستان القدس، الرأس الاحمر – الصفصاف، حاصدة قتيلين وأكثر من 10 جرحى، لترتفع الحصيلة منذ بدء الاشتباكات مساء الخميس 7 أيلول الجاري، إلى 7 قتلى ونحو 100 جريح.
واتخذت الاشتباكات التي تدور بين حركة «فتح» و»تجمّع الشباب المسلم» عمليات الكرّ والفرّ مجدّداً، من دون تغيير جوهري في خريطة تمركزهم، تقدّمت «فتح» في محور حطين، و»الشباب المسلم» في الرأس الاحمر، مصحوبة بحديث متكرر عن وقوع إصابات في صفوفهم، لا تقل عن 10 ولكن لم يتم التأكد منها.
وذكرت مصادر أمنية أنه تمّ نقل أحد المطلوبين البارزين عز الدين ابو داود (ضبايا) إلى مستشفى الراعي في صيدا بعدما أصيب بجروح خطرة في رأسه بينما حضرت قوة من مخابرات الجيش الى المكان تزامناً، مشيرة إلى أن ضبايا هو أحد المطلوبين الثمانية المتّهمين بجريمة اغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا العميد أبو اشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه.
وقالت مصادر فلسطينية لـ»نداء الوطن»: إن محاولات وقف إطلاق النار تترنّح تحت وطأة الخروقات، اذ تصر حركة «فتح» على ربط وقفه عند تسليم المشتبه بهم في جريمة اغتيال العرموشي طوعاً أو تعزيز القوة الأمنية المشتركة وجلبهم بالقوة وفق ما تم الاتفاق عليه في هيئة العمل المشترك في لبنان.
وعلى وقع اشتداد الاشتباكات، وصل عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» المشرف على الساحة الفلسطينية عزام الأحمد إلى بيروت لمتابعة تطورات الأوضاع السياسية والأمنية. وأكدت مصادر فلسطينية لـ»نداء الوطن» أن زيارة الأحمد جاءت عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس نجيب ميقاتي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو يحمل في جعبته رسالة رسمية واضحة بحرص الرئيس «أبو مازن» و»منظمة التحرير الفلسطينية» على أمن واستقرار لبنان والسعي الى تطويق الاشتباكات على قاعدة التمسك بتسليم المشتبه بهم في جريمة اغتيال العرموشي.
توازياً، حمل الاجتماع الذي عقده المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري في مقر المديرية في بيروت مع أعضاء «هيئة العمل الفلسطيني» المشترك في لبنان رسالة لبنانية حاسمة تؤكد على ضرورة العمل على وقف الاشتباكات فوراً، حفاظاً على القضية الفلسطينية وحق العودة وعلى أمن واستقرار صيدا والجوار اللبناني.
وأوضحت مصادر المشاركين لـ»نداء الوطن» أن اللواء البيسري كان حاسماً بطلب وقف اطلاق النار وضرورة العمل ليلاً نهاراً لتحقيق هذا الهدف وعلى تسليم المشتبه بهم في جريمة اغتيال العرموشي، وفي الوقت نفسه كان عاتباً ومن باب الحرص على دور القوى الفلسطينية في هذه الأحداث.
وبين الأمرين، لفت الانتباه اللقاء الذي جمع قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه في اليرزة بالسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور الذي استنكر تعرّض مراكز الجيش اللبناني للاعتداء في محيط المخيم، مؤكّداً الحرص على أعلى تنسيق مع الجيش والقوى الامنية اللبنانية.
وفي أول موقف لها، دعت القوى الإسلامية في عين الحلوة الى وقف هذا الاقتتال العبثي، مستنكرة استهداف الجيش اللبناني والجوار.
صيدا مشلولة
وتأثرت مدينة صيدا بحدّة الاشتباكات، حيث طاول الرصاص الطائش مناطق متفرقة وخاصة المحيطة بها، حيث سقطت عدة قذائف وأصاب الرصاص الطائش مكتب أمن الدولة في سراي صيدا الحكومي دون تسجيل اصابات، وبدت الحركة شبه مشلولة في الشوارع المحيطة بالمخيم، وخفيفة جداً في الأسواق التجارية.
وأغلقت القوى الأمنية مدخل صيدا الجنوبي من منطقة الحسبة وحوّلت السير إلى الطريق البحرية، كما أقفلت طريق مغدوشة – سيدة المنطرة الرئيسية وحوّلت السير إلى طرق فرعية، في وقت أقفلت الدوائر الرسمية في سراي صيدا الحكومي بناء على قرار محافظ الجنوب منصور ضو، كما فعلت الجامعة اللبنانية التزاماً بقرار رئيسها البروفسور بسام بدران.
وقررت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية تأجيل بدء الدروس للعام الدراسي في مدارس الجمعية (ثانوية المقاصد الإسلامية، عائشة أم المؤمنين، دوحة المقاصد، ثانوية حسام الدين الحريري) والذي كان مقرراً الأسبوع المقبل إلى موعد يحدد لاحقاً.
صيداوياً، تعالت الأصوات الداعية إلى وقف الاشتباكات، وزار النائب الدكتور عبد الرحمن البزري، مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان في مكتبه في دار الافتاء، مشيراً إلى أن صيدا تعيش حالة من الغضب العارم نتيجة لتكرار الإشتباكات. واعتبر نائب رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان الدكتور بسام حمود أن «عدم تجاوب الأطراف المتصارعة في المخيم مع كل دعوات التهدئة ووقف إطلاق النار يضع الجميع تحت مقصلة المساءلة».