الأخبار
عبارة «الخطر الوجودي» التي تقاطع عندها قادة الأجهزة الأمنية في اللقاء التشاوري الذي انعقد أمس في مكتب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بحضور وزاري، تلخّص المخاوف التي تثيرها تطورات النزوح السوري، في ظل الموجة الجديدة من النازحين التي تتدفّق على لبنان منذ أكثر من شهرين عبر المنافذ البرية والمعابر غير الشرعية. وكان مقرّراً أن تُعقد جلسة للحكومة صباح أمس يحضرها قادة الأجهزة الأمنية للبحث في ملف النزوح، غير أن النصاب لم يكتمل مع تغيّب الوزراء أمين سلام ووليد نصار وناصر ياسين وعباس الحاج حسن وهكتور حجار، فاستُعيض عن الجلسة بلقاء تشاوري ضمّ 14 وزيراً والقادة الأمنيين.
وقد قدّم كلّ من قادة الأجهزة المعطيات المتوافرة لديه، مع التأكيد على أن «التعامل مع النزوح يجب أن يكون مختلفاً هذه المرة»، ولا تحتمل موجة النزوح الجديدة التعاطي معها من باب النكايات السياسية. ورغم ربط موجة النزوح الجديدة بالحصار الاقتصادي الخانق على سوريا، وبالسعي إلى الحصول على مساعدات مالية وعينية من المنظّمات الأممية، وباستخدام لبنان خط عبور للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، إلا أن المعطيات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية تؤكّد أن «العدد الأكبر من النازحين ينتمون إلى فئة عمرية شبابية، ويأتون فرادى من دون أسرهم، وينتشرون في مختلف المناطق»، مشيرة إلى «نشاط مكثّف لشبكات تهريب النازحين على الحدود، وبعضها يديرها نواب حاليون»!
وبحسب مصادر وزارية، شدّد قادة الأجهزة الأمنية على أن ملف النازحين لم يعد يحتمل ترف الانقسامات السياسية، ويتطلّب اتخاذ إجراءات استثنائية»، مذكّرين بأن الدولة «أساءت التعامل مع الملف مع بدء دخول النازحين عام 2011، ما أدّى إلى سوء تقدير لحجم تداعياته»، من بينها توقف عمليات تسجيل النازحين، والضغوط الداخلية والخارجية التي حالت دون تنفيذ بعض القرارات، ومنها قرار للمجلس الأعلى للدفاع عام 2019 بتوقيف أيّ نازح يدخل خلسة، إضافة إلى استخدام النازحين كقاعدة شعبية لدعم المعارضة ومحاولة استخدامهم في العملية الديمقراطية لإسقاط النظام السوري.
وقالت مصادر وزارية إن قائد الجيش العماد جوزف عون كشفَ أن «8000 سوري دخلوا إلى لبنان في الفترة الأخيرة، 95% منهم هم من الفئة العمرية الشبابية». ولفتت إلى أن عون «كان مستاء جداً»، وقال إن «التهريب عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل. وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، أو أن نقول للجيش: تحركشوا فيهم ليعتدوا عليكم، ليكون لدينا عذر بأن نقتل بالقانون، رغم قلة العديد»، فردّ وزير الثقافة محمد مرتضى قائلاً: «لا تلتفت إلى القانون وافعل ما يجب فعله»، فيما قال الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية في مداخلة له: «إذا أردتم احترام نص القانون فيجب إعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية واتخذوا التدابير التي ترغبون بها، لأنه حينها يمكن للجيش الانتشار والسيطرة على المعابر»، فردّ عون: «لديّ 3000 عسكري للطوارئ، وأنا بحاجة إلى 40 ألفاً لضبط الحدود». واقترح وزير التربية عباس الحلبي تنظيم حملة إعلامية حول مخاطر النزوح على لبنان وسوريا، «شرط عدم إعادة اللاجئين السياسيين، ومنع ردود الفعل العنصرية».
بدوره عرض المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري «خطة استراتيجية بمحاور متعدّدة، تتضمن معالجة على المستويات: السياسي والاقتصادي والإنساني والحوكمة»، شارحاً التدابير والإجراءات الواجب اتخاذها في حق النازحين لمنع تحوّلهم إلى تهديد. واعتبر أن «الملف لا يُمكن أن يحل إلا بالتنسيق بينَ مختلف الجهات المعنية في الداخل أولاً، ومع الدولة السورية ومن ثم المجتمع الدولي، إذ لا يكفي فقط أن يستمر لبنان بالبكاء لعدم قدرته على تحمّل تداعيات النزوح وحده».
وبعد ظهر أمس، عُقدت جلسة ثانية للحكومة كانت مقرّرة لمتابعة ملف موازنة 2023، وتخلّلها استكمال للنقاش في ملف النازحين. وبناءً على المعطيات التي قدّمها قادة الأجهزة الأمنية، طلب مجلس الوزراء من الوزارات والإدارات المعنية التعامل مع الملف، كلّ ضمن اختصاصه، وأهمها: التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية لتعزيز التدابير المُتخذة ولا سيما من قبل أفواج الحدود البرية في الجيش والمراكز الحدودية كافة، إضافةً إلى تعزيز نقاط التفتيش على المسالك التي يستخدمها المتسلّلون، وتنفيذ عمليات مشتركة شاملة ومُنسّقة تستهدف شبكات التهريب، وإغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الوسائل والأموال المستخدمة من قبل المهرّبين وفقاً للأصول، على أن يترافق ما تقدّم مع تغطية إعلامية واسعة، وتكثيف الجهد الاستعلامي والأمني لضبط الحدود البرية والبحرية، ومنع دخول السوريين بطرق غير شرعية واتخاذ الإجراءات الفورية بحقهم لجهة إعادتهم إلى بلدهم.
كما اتّخذ المجلس قراراً بالتعميم على البلديات بوجوب الإفادة الفورية عن أيّ تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين ولا سيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها، وإجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، والطلب من الجمعيات كافة، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، والتشدد في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل، وإعداد التعديلات القانونية اللازمة، بالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، لرفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية تمهيداً لإدراجها في موازنة عام 2024 الجاري بحثها، فضلاً عن تكثيف الجهد الدبلوماسي لشرح خطورة هذا الموضوع على لبنان والأمن الإقليمي والأوروبي ولا سيما في ضوء ضعف الإمكانات التي تسمح بضبط عمليات التهريب عبر الأراضي والمياه الإقليمية اللبنانية.
وقرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية تزور دمشق برئاسة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب لمتابعة الملف. علماً أن هذا القرار عطّلته سابقاً الخلافات بين الوزراء حول صلاحية إدارة الملف، ما دفعَ وزير الخارجية إلى التنحّي عن رئاستها! وقد أطلّ الخلاف برأسه مجدّداً أمس مع تسجيل وزير المهجّرين عصام شرف الدين اعتراضه على القرار، نظراً إلى «عدم استيفائه للمعايير المطلوبة»، وطلب إضافة وزراء مختصّين ومطّلعين على الملف، فردّ ميقاتي مقترحاً منح بو حبيب فرصة 15 يوماً. عندها اقترح شرف الدين إحالة الموضوع على التصويت، الأمر الذي رفضه ميقاتي، ما دفع بوزير المهجّرين إلى الانسحاب من الجلسة، معتبراً أن «القرار ضعيف وغير مدروس».