رلى إبراهيم - الأخبار
قبل أسبوع، نشرت النائبة ستريدا جعجع فيديو على صفحتها على «فايسبوك» بعنوان «حلوة الديمقراطية ببشري… عقبال كل لبنان»، وفيه تظهر زوجة رئيس القوات اللبنانية تتوسّط عدداً من البشراويين وسط الطريق في انتظار إعلان نتيجة انتخابات لجنة جبران خليل جبران الوطنية التي فازت بها لائحة «… ليبقى جبران» القواتية.
قبيل صدور النتائج الرسمية للانتخابات النيابية، في أيار 2022، انتشر فيديو آخر لنائبة بشري وهي تحتفل بالفوز قبل إعلان المفاجأة التي صعقت القوات اللبنانية يومها عندما خسرت، للمرة الأولى، مقعداً نيابياً في معقلها «التاريخي». طعم الخسارة المرّ شكّل دافعاً إضافياً للتعامل مع انتخاب هيئة إدارية جديدة للجنة جبران (وهي جمعية خيرية أُسست منذ أكثر من 100 عام عملاً بوصية جبران خليل جبران بتخصيص إيرادات كتبه ولوحاته والمتحف الخاص به لخدمة طلاب بشري وفقراء المدينة)، كما تتعامل مع الاستحقاقات النيابية والبلدية. الحاجة إلى انتصار لإعادة التأكيد أن بشري ثابتة تحت عباءة القوات، دفعت بستريدا إلى نشر دعوة باسمها للمشاركة في انتخابات لجنة جمعية خيرية، وإلى استنفار القوات ماكينة الحزب الانتخابية واستقدام ناخبين غير مقيمين في المدينة بواسطة باصات أو بونات بنزين، وسط حشد وتعبئة غير مسبوقيْن وتعيين مندوبين مدفوعي الأجر، وصولاً إلى قيام ستريدا جعجع بجولة على أقلام الاقتراع، فضلاً عن استقبال أعضاء اللائحة في معراب وإعلان دعم القوات لهم... كل هذا الاستنفار في وجه لائحة «كاملة رحمة» (والدة جبران) التي تضم مستقلين غير مدعومين من أي حزب أو سياسي (أعلن النائب وليم طوق مقاطعته للانتخابات)، ولا تمتلك 1% من قدرات القوات، على صعيد التنظيم أو المال أو الماكينة. رغم ذلك، اجتذبت اللائحة 22% من أصوات المقترعين (621 صوتاً) مقابل 78% للائحة القواتية (2189 صوتاً). بعيداً عن تهليل ستريدا للعرس الديمقراطي، يشير التدقيق في النتائج وفي النسبة التي نالتها القوات، بوضوح، إلى مشكلة فعلية تعانيها القوات (وتحديداً ستريدا) في بشري، بدأت تطل برأسها مع الانتخابات النيابية الماضية، ولا يبدو أن القوات تمكّنت من معالجتها، بل ثمة مؤشرات إلى أن نتائج الانتخابات الماضية لن تكون غيمة صيف عابرة، وأن الانتخابات المقبلة لن تكون نزهة في ربوع بشري.
قبل تفنيد النتائج، تنبغي الإشارة إلى أن آلية الاقتراع التي تُعتمد في انتخابات لجنة جبران كل 4 سنوات هي نفسها المعتمدة في الانتخابات البلدية لكن على مستوى مدينة بشري فقط. كما تنبغي الإشارة إلى أن القوات حاولت تفادي الانتخابات وتأمين فوز لائحتها بالتزكية، بالضغط على بعض المرشحين المنافسين الذين تولّى رئيس الحزب سمير جعجع الاتصال بهم شخصياً، وعبر رفض رئيس اللجنة جوزيف فنيانوس (قواتي) ثلاثة طلبات ترشيح من اللائحة المقابلة لأسباب واهية (راجع «الأخبار» السبت 17 حزيران 2023)، ما دفع بلائحة «كاملة رحمة» للجوء إلى المحكمة الابتدائية في طرابلس الناظرة في قضايا الجمعيات حيث استحصلت على قرار بوقف تنفيذ قرار اللجنة ووقف الانتخابات التي كانت مقرّرة في 11 حزيران. هكذا اضطرت القوات إلى الرضوخ وتعيين موعد جديد للانتخابات في 27 آب الماضي.
بين التاريخيْن، حاولت معراب تطعيم لائحتها بعضوين من لائحة «كاملة رحمة»، وتواصلت مع النائب وليم طوق لهذا الغرض، إلا أن الأخير رفض دعم أي لائحة، وأعلن أنه غير معنيّ بالانتخابات، خصوصاً أن «الأجواء غير مؤاتية بعد أحداث القرنة السوداء ولم يكن قد مرّ 40 يوماً على الحادثة».
في المقابل، تابعت لائحة «كاملة رحمة» التي تضمّ مستقلين وناشطين في ائتلاف «شمالنا» المعركة حتى النهاية. فتسلّم مدير الماكينة الانتخابية للائتلاف في الأقضية الأربعة في الدائرة الثالثة جو كيروز إدارة الماكينة الانتخابية للائحة في بشري. بينما تولّى المستقلون وكادرات الائتلاف والمرشح إلى الانتخابات النيابية السابقة رياض طوق الحث على انتخاب اللائحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ونشرت «كاملة رحمة» تكاليف حملتها التي بلغت 1883 دولاراً جمعتها من تبرعات 14 شخصاً، فيما بقيت تكاليف حملة القوات غير معلومة. غير أن الأهم في ما سبق يكمن في النتيجة: ثمة حزب كبير بإمكانات استثنائية في المال والسلطة والماكينة وكل أدوات الحشد والترغيب والخدمات والتمرّس السياسي والوجود التاريخي في بشري مقابل مجموعة شباب لم يدخلوا السلطة يوماً ولم يدعمهم أيّ حزب وليست لديهم ماكينة فعلية ذات قدرات مالية وبشرية. الفريق الأول حشد وعبّأ واستخدم كل إمكاناته وتعامل مع انتخابات المؤسسة الخيرية على أنها انتخابات وجودية بينما خاض الفريق الثاني الاستحقاق عبر الفايسبوك والواتساب، وتلقّى صفعة بانسحاب النائب وليم طوق، لتظهر النتيجة أن 22% من المقترعين قالوا لا للقوات. ولو اختار طوق الدخول في المعركة لكانت النسبة ارتفعت إلى ما يقارب الخمسين في المئة، وكان ثمة أمل بإحداث ثغرة جديدة في حصن القوات. فقد أوصل أهل بشري رسالة أخرى إلى ستريدا لناحية عدم تجاوب الجمهور رغم دعواتها المتكررة للاقتراع وتأمين كل الوسائل للناخبين. والواقع أن نحو 2800 ناخب فقط اقترعوا من أصل 6189 ناخباً صوّتوا في الانتخابات النيابية السابقة. كما أكّد جزء من الناخبين مرة أخرى أن القوات لم تعد خيارهم الوحيد، خصوصاً أن اللائحة المنافسة ليست بعيدة سياسياً عن القوات. ويبدو أن الخطر دقّ باكراً جدّاً أبوابَ القوات هذه المرة، والحصن المنيع يهتزّ استحقاقاً بعد آخر.