نداء الوطن 

تأبى النّسور إلّا أن تُحلّق عالياً وأن ترحل بِكبَرها وعنفوانها. يودّع لبنان والمؤسسة العسكرية اليوم «نِسرَيْن» من خيرة الضبّاط، النقيب الطيّار (المُرقّى إلى رتبة رائد) الشهيد جوزيف ميشال حنّا والملازم الأول الطيّار (المُرقّى إلى رتبة نقيب) الشهيد ريشار فيصل صعب. رحلا وهما يقومان بواجباتهما بتفانٍ تام في أحلك الظروف المناخية والعامّة. وأكثر ما يُعمّق الحزن هو أنّ الحادث الأليم كان أشبه بطعنة في ظهر الوطن، سرق من مؤسّسته الأكثر رصانة واحتراماً ونزاهة. هذا ما عبّر عنه اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي. شعروا بغضب شديد، لماذا يخطف الموت من يستحقّ الحياة، من أحبّ لبنان ولم ينشر فيه الفساد والهلاك؟

في بلدة دبل الجنوبية ومدينة الشويفات، يتهيّأ الأهالي لاستقبال عريسيهما، في موكب جنائزي رهيب، لوداع من رافق أفراحهم وأتراحهم. يتّفق أبناء المنطقتين على صفات رفيقي السلاح والعبور إلى مواطن الأبدية. التقى الشهيدان بحبّهما لوطنهما ومواطنيهما وبلدتيهما.

إذ كان الرائد حنّا من المقيمين في دبل مع زوجته وابنته الوحيدة البالغة من العمر 3 سنوات و3 أشهر، تميّز بتواضعه الشديد. أحبّ الكبار والصغار، شارك أبناء بلدته في مناسباتهم كافّة. هو الخلوق والخجول والشجاع والمثابر في آن. تستقبله عين إبل المفجوعة صباح اليوم في ساحة كنيسة السيّدة، ثمّ ينتقل إلى رميش لتلقّي التحية أمام منزل جدّه (والد أمّه)، ليصل الموكب إلى مسقط رأسه بلدة (دبل)، التي تزيّنت بالأبيض ورفع صور بطلها. ويحتفل بالصلاة لراحة نفسه في كنيسة مار جرجس عند الساعة الرابعة من بعد الظهر ويوارى الثرى في مدافن العائلة.

أمّا في الشويفات الجارة البيروتية، فالحزن والصدمة يلفّان الجميع، يرفضون التصديق أن النقيب صعب، صاحب الابتسامة الجميلة والشاب الشجاع والمتواضع قد رحل. نعاه أصدقاؤه وهم كثر على مواقع التواصل متحدّثين عن مآثره وأخلاقه. وقد حُدّد الدفن اليوم عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، والمأتم في ساحة ملعب ضهور الشويفات، ويوارى الثرى في مدافن ضهور الشويفات.

أمّا عن سبب الحادثة وإلى حين صدور التقرير الرسمي، فقد أُشير إلى وجود فرضيّتين أساسيّتين وراء تحطّم مروحيّة الجيش: الأولى هي عطل تقني والثانية هي أنّه بسبب الضباب وسوء الرؤية اصطدمت المروحيّة بالأشجار. أما المعاون محمد صيدح الذي نجا من حادثة المروحية فتمكّن من القفز قبل اصطدامها وقام أحد المسعفين الذي كان في المخيّم قرب الغابة بإسعافه.

في المواقف المعزّية، أجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش العماد جوزيف عون معزّياً بالطيارين الشهيدين، متمنياً للرتيب الجريح الشفاء العاجل. كما زار وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، قائد الجيش في مكتبه في اليرزة، حيث قدّم له التعازي بالضابطين الشهيدين، متمنّياً الشفاء العاجل للعنصر الجريح.

بدوره، أجرى وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام المولوي اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش معزّياً بالضابطين الشهيدين وتمنّى الشفاء العاجل للعسكري الجريح. وأعرب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن «عميق ألمه لاستشهاد النقيب الطيّار جوزف حنا، والملازم أول الطيار ريشار صعب، ولإصابة الجريح المعاون محمد صيدح». وقدّم «التعازي القلبية إلى قائد الجيش ورفاقهما وأهلهما، ويصلي إلى الله «لراحة نفسيهما، ولشفاء المعاون الجريح، وللتعويض بسلامة الأهل والجيش».

أمّا الرئيس السابق ميشال عون فكتب على «اكس»: «إذا كانت الشهادة من قدر العسكر في كل زمان ومكان، فإن وقعها يبقى الأقسى والأكثر ألماً على العائلة والرفاق والمؤسسة. أشارك عائلتي الطيارين الشهيدين جوزف حنا وريشار صعب ألمهما، وأسأل الله الرحمة لهما والتعزية لأحبائهما وللمؤسسة العسكرية، وأن يشمل برعايته الرتيب المصاب محمد صيدح».

ونعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه الشهيدين، وفي ما يلي نبذة عن حياة كل منهما: النقيب الطيار الشهيد جوزيف حنا، من مواليد 25 /12/ 1994 دبل- بنت جبيل. تطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط اعتباراً من 12 / 11 / 2012، وتدرّج في الترقية حتى رتبة نقيب اعتباراً من 1 / 1 / 2023. حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته عدة مرات. تابع عدة دورات دراسية في الداخل والخارج. الوضع العائلي: متأهل وله ولد. يُرقّى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.

أما الملازم أول الطيار الشهيد ريشار صعب، فهو من مواليد 30 / 12 / 1998 الشويفات-عاليه، تطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط اعتباراً من 14 / 11 / 2016، وتدرّج في الترقية حتى رتبة ملازم أول اعتباراً من 1 / 8 / 2022. حائز عدة أوسمة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته. تابع عدة دورات دراسية في الداخل والخارج. ووضعه العائلي عازب. يُرقّى إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.