الشرق الاوسط
أعادت ملاحقة «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت، للسوري وسام مازن دلا (23 سنة) المتهم بأنه أحد عناصر تنظيم «داعش»، وبالمسؤولية عن تفجير وقع قرب مقام السيدة زينب جنوب دمشق، في 27 يوليو (تموز) الماضي، النقاش حول إجراءات الأمن الذاتي في مناطق نفوذ الحزب بمعزل عن الأجهزة الأمنية الرسمية، خصوصاً أن الأمن اللبناني وصل إلى الموقع الذي سقط فيه وسام دلا من شرفة البناية في وقت متأخر، ولم يكن ضالعاً في العملية.
وأعلن مقربون من «حزب الله» أن سورياً قضى ليل الجمعة، بعدما رمى نفسه من الطابق السابع في أحد الابنية بمنطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت، بعد ملاحقته من عناصر في الحزب للاشتباه بتورطه في تفجير السيدة زينب ليلة عاشوراء في الشهر الماضي.
وجاء في بيان صادر عن المكتب الإعلامي للحزب، اليوم (السبت): «وصلت معلومات إلى الجهات المعنية في (حزب الله) عن دخول شخص سوري (...) خِلسة إلى لبنان، وهو المسؤول عن التفجير الذي حصل في منطقة السيدة زينب»، الشهر الماضي.
وأضاف البيان: «خشية مبادرته إلى القيام بأي عمل أمني، تمت ملاحقته، وعندما علم عن انكشاف مكان وجوده، رمى بنفسه من الطابق السابع» ليفارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى.
أمنياً، رمى أحد السوريين بنفسه من الطبقة السابعة في إحدى بنايات حي السلم. وتبين أن السوري يدعى وسام مازن دلة من مواليد بلدة التل عام 2000، وقدم إلى لبنان مؤخراً، ودخل بطريقة غير قانونية، ومكث عند أقاربه في حي السلم. المعلومات أفادت بأن دلة هو أحد المتورطين الأساسيين في جرمية تفجير عبوة ناسفة بمنطقة السيدة زينب جنوب دمشق أثناء إقامة مجالس عاشوراء. وقد فر إلى لبنان بعد الجريمة. وبعدما أظهرت التحقيقات التي أجراها أمن «حزب الله» في سوريا عن علاقته بالجريمة، تمت ملاحقته حتى عثر عليه في لبنان. وأثناء محاولة اعتقاله حيث يوجد، ولم يصدر أي بيان أو تعليق من الأجهزة الأمنية اللبنانية المختصة، في وقت أكد مصدر أمني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» السبت أن الأجهزة الأمنية لم تقم بأي دور في العملية، فيما نقلت «رويترز» عن مصدر أمني لبناني تأكيده أن الشاب البالغ من العمر 23 عاماً يتحدر من منطقة التل السورية، دخل لبنان بشكل غير قانوني واستقر عند أقاربه في منطقة حي السلم، وهي منطقة مكتظة في الضاحية الجنوبية. وأضاف أن عناصر من «حزب الله» داهموا الموقع «خشية مبادرته بالقيام بأي عمل... وعندما علم بانكشاف مكانه ألقى بنفسه من الطابق السابع ونقل إلى مستشفى سان جورج حيث فارق الحياة».
ولاحقاً، تحدثت وسائل إعلام لبنانية عن حضور كثيف لملالات الجيش العسكرية إلى محيط منزل أقارب السوري وسام مازن دلا الذي قُتل في حي السلم، فيما أشارت أخرى إلى دخول رئيس مكتب أمن الضاحية في مخابرات الجيش العميد ماهر رعد إلى منزلهم.
وكان 6 أشخاص قُتلوا، وأُصيب أكثر من 20 آخرين بجروح في 27 يوليو (تموز) جراء انفجار عبوة ناسفة في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، وفق وزارة الداخلية السورية. وأعلن تنظيم «داعش» في اليوم التالي مسؤوليته عن الهجوم قرب المقام الديني المهم جداً بالنسبة للشيعة.
وشهدت الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، سلسلة تفجيرات بين عامي 2013 و2015 تبنتها فصائل متطرفة رداً على تدخل «حزب الله» العسكري في سوريا. وبعد انحسار تلك الموجة في عام 2017، إثر عملية عسكرية نفذها الحزب في الجرود الحدودية الشرقية مع سوريا، نادراً ما شهدت الضاحية حوادث أمنية مشابهة، قبل أن يتجدد التهديد في شهر أبريل (نيسان) الماضي، إثر انفجار وقع في منطقة الصفير بالضاحية الجنوبية، وأسفر عن مقتل امرأة كانت تنظف منزلاً كان قد وقع فيه انفجار سابق قبل فترة، وأسفر عن إصابة معد العبوة.
أمن ذاتي
وأضاءت المداهمة الأخيرة على تفعيل «حزب الله» للأمن الذاتي في مناطق نفوذه، ما دامت المداهمة لم تشترك فيها الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، خلافاً لمرات سابقة.
لكن الباحث السياسي المعارض لـ«حزب الله»، علي الأمين، يستبعد أن يمهد الحدث لتعميم تجربة الأمن الذاتي بشكلها الذي كان قائماً في عام 2013 إثر التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية خلال ذروة الحرب السورية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «قد تحصل تطورات إضافية لاحقة تؤدي إلى تكرار تلك التجربة، لكن حتى الآن، ليس هناك استعداد للمضي بهذا الاتجاه خصوصاً أن الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية ليست متخاصمة مع الحزب أو مناهضة له، وهي تنسق معه، وبالتالي، لا أرى مبرراً لهذه الفرضية ما دام التأثير قائماً والعلاقات إيجابية مع الأجهزة الأمنية الرسمية»، فضلاً عن أن الحزب «ليس من مصلحته الذهاب في هذا الاتجاه في هذا الوقت».
ولم يتخلَّ الحزب عن الإجراءات الأمنية بالكامل في الضاحية، حيث تظهر تلك الإجراءات من وقت لآخر، خصوصاً في فترة المناسبات الدينية مثل عاشوراء، كما تنتشر سيارات تابعة لشرطة اتحاد البلديات بعد منتصف الليل على مداخل الضاحية، لكنها في الغالب ليست تدابير مشددة مثلما كانت في عام 2013، حيث نادراً ما يجري التدقيق بالسيارات المارة، حسب ما يقول السكان في المنطقة، فيما يحافظ الحزب على مستوى آخر من التدابير الأمنية غير المعلَنة، مثل التدقيق بالسوريين الذين يصلون حديثاً إلى المنطقة ليقيموا فيها.
وقال الأمين: «هذه المداهمة لا يمكن البناء عليها للجزم بتغير من استراتيجيات الحزب داخل الضاحية، كونها يمكن أن تكون طارئة واستثنائية»، في إشارة إلى الإعلان عن أنها متصلة بجهود ملاحقة المتورطين بتفجير محيط منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، داعياً إلى الاستمهال لمراقبة الخطوات اللاحقة للتثبت من الفرضية أو دحضها.
عوضاً عن ذلك، يدرج الأمين الإعلان بهذا الشكل وبغياب القوى الأمنية عن المداهمة، في سياق مرتبط بـ«محاكاة البيئة الداخلية»، في المناطق الشيعية، بعد تزامن حدثين؛ أولهما النقاشات السياسية المحتدمة حول سلاح الحزب في ظل جو مسيحي غاضب أعاد الجدل حول السلاح بشكل لم يكن مألوفاً خلال السنوات السابقة. أما الحدث الثاني فهو الاستقطاب داخل البيئة الشيعية على خلفية قرار هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتراجع المجلس عنه، حول عزل الشيخ ياسر عودة و14 شيخاً آخرين، وهو حدث، حسب الأمين، «أظهر تعاطفاً يتخطى ما هو مقدس (في إشارة إلى حزب الله) بالنسبة للشارع الشيعي، وأظهر تبدل المزاج في هذه البيئة».
ويرى أن الحدثين داخل البيئة التي يتحرك فيها الحزب «يتطلبان تغيراً في المزاج الشيعي في هذه الظروف». وعليه، جاء الحدث المعلن عنه من قبل إعلام «حزب الله» وناشطيه «في سياق مواجهة المناخين الأخيرين، حيث يصبح وجود (داعش) إجابة للبيئة على هذه المناخات المستجدة».