"الراي" الكويتية
وصل مشروع قانون وضع قيود استثنائية على الرساميل والتحويلات في الجهاز المصرفي (الكابيتال كونترول) إلى جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب اللبناني متوّجاً مساراً طويلاً استمرّ لنحو 4 أعوام حفلتْ بتدابير خاصة للسحوبات المحدودة والاقتطاعات الجسيمة من المدّخرات وبمواجهاتٍ متنوعة من التظاهرات الى الاقتحامات لفروع المصارف بغية تحصيل ما أمكن من الودائع المحتجزة.
ووفق مقولة أن «تأتي متاخراً..» يؤمل أن تجد الصياغة الأحدث المنجَزة من اللجان النيابية طريقها للاقرار عبر توافق نيابي مسبق تستمرّ الاتصالات للعمل على انضاجه وتثميره في الجلسة المقررة الخميس، ثم الانتقال الى التنفيذ عقب النشر في الجريدة الرسمية، ليصبح لدى لبنان الغارق في أزمة نقدية عاتية ومتفاقمة بأشكال ووقائع مذهلة، تشريع مرْجعي يحدد الضوابط الاستثنائية والموقتة على «التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية وحماية حقوق المودعين».
ومن الواضح، وفق مصادر معنية تواصلت معها «الراي» ان المبادرة الى فتْح القنوات المغلقة بإحكام من قبل أهل الحُكْم على مدى سنوات الأزمة وتفاعلاتها، بغية تسهيل «تمرير» تشريعات مالية منشودة، تتلاقى في حيثياتها مع بند حيوي من حزمة الشروط التي أبلغتْها القيادة الجديدة للقرار النقدي وسلطته المركزية، وتؤشر إلى تَوافُق مضمَر على «تسهيل المَهمة» بعد اسبوعين فقط من تَسَلُّم الدكتور وسيم منصوري، موقع حاكم البنك المركزي بالوكالة.
وبدت التعديلاتُ النيابية على المشروع الأصلي، المرسَل «موارَبة» من الحكومة، حاسمةً في الشكل على أقلّ تقدير، بإعلاء شعار «حماية حقوق المودعين» وفق ما تضمّنتْه المادة الأولى من مشروع القانون المعجل، حيث يرد نصاً «إن حقوق المودعين المحفوظة والمكرَّسة بالدستور، لا يجوز المساس بها اطلاقاً، وان الضوابط الاستثنائية والموقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية التي تتضمّنها مواد هذا القانون ونصوص اي قانون آخر، لا تشكل مساساً بحقوق المودعين وأصول ودائعهم».
وفيما يربط خبراء ومحلّلون تقييماتهم بصدور القنوان بالصيغة النهائية بسبب كثرة المشاريع المطروحة سابقاً ومضامينها المتباينة الى حدود التناقض احياناً، يستذكر المصرفيون قراراهم الاجماعي في الجمعية العمومية قبل نحو عام والذي يحضّ على أولويات تسريع صدور القوانين المتعلقة بخطة
التعافي والمطلوبة دولياً، ولا سيما من صندوق النقد الدولي، وفي مقدّمها، قانون «الكابيتال» كونترول الذي كان مطلب المصارف منذ بداية الأزمة توخياً للمحافظة على مخزون القطع الأجنبي الضروري لتأمين معاملة المودعين على قدم المساواة ومن دون استنسابية. ثم قانون إعادة هيكلة المصارف، مع التشديد على وجوب تأمين المشاركة السريعة والفعالة من المصارف في إعداد هذا القانون، كونها المعني الرئيسي به في ضوء انعكاساته على موظفيها واستمراريتها.
وبالمثل، رحّبت الهيئات الاقتصادية، والتي تمثّل الاطار الجامع لنقابات وجمعيات اصحاب الأعمال في لبنان، بإمكان تشريع «قانون الكابيتال كونترول» الذي طال انتظاره من ضمن رزمة القوانين الإصلاحية، مؤكدة «أن إبقاء الأموال الجديدة (الفريش) حرة من أي قيود، سواء في التداول الداخلي والتحاويل الخارجية، هو مطلب أساسي حمله ممثلو الهيئات إلى الاجتماعات الممهدة لجلسات اللجان المشتركة».
لكن الهيئات الاقتصادية تفاجأت، وفق بيانها، «بأن المادة السابعة في القانون المقترح تنص في فقرتها الأولى على ان تتم المدفوعات والتحاويل المصرفية المحلية كافة بالليرة اللبنانية باستثناء الحالات التي تحددها»اللجنة«التي ستناط بها الصلاحيات في هذا النطاق»، مبيّنة «التناقض الكبير بين السماح بالدفع والتحويل إلى الخارج، ومنعه في الداخل».
وفي حيثيات موقف «الهيئات» ان النص الوارد «ينسف» مفهوم الإيداعات والتحاويل الجديدة التي يكرّسه القانون نفسه، «وخصوصاً ان المادة الثانية تعرّف في بندها الرابع عشر الإيداعات والتحاويل الجديدة بالأموال المودعة بأي عملة التي كانت حُولت من خارج لبنان أو أودعت نقداً لدى المصارف بعد 17 اكتوبر 2019 حتى لو جرى تحويلها من مصرف إلى آخر داخل لبنان. بينما المادة الرابعة تبيح نقل هذه الأموال عبر الحدود».
وبذلك «فإن خطر المادة 7 يتمثل بأنها ستؤدي الى ردع المقيمين وغير المقيمين من تحويل الأموال الجديدة إلى لبنان، كونهم لا يستطيعون استعمالها في لبنان بحرية. كما إن الالزام بسداد المدفوعات بالليرة، ستكون له انعكاسات كارثية على الاقتصاد المدوْلر بنسبة شبه كاملة، وخصوصاً أن هذا التدبير مرشح لأن يشمل كل المبادلات المالية، من إيجارات وعمليات تقسيط وبيع بالجملة والتجزئة، وصولاً إلى اقتناء أصول مرتفعة الثمن مثل السيارات وحتى الشقق السكنية».
واللافت ايضاً، بحسب «الهيئات» طغيان «الطابع المالي والمحاسبي والقانوني والقضائي على حساب الاقتصادي، على اللجنة المقترحة لتولي تطبيقات القانون، فيما تشي صلاحياتها الواسعة بتحولها حكومة ظل، كونها تملك عملياً، ومن خلال توفير الدولارات هنا وحجْبها هناك، حق الحياة أو الموت على مختلف القطاعات الإقتصادية ومؤسساتها، وخصوصاً أن فقدان الدولار بالنسبة للقطاعات الاقتصادية هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها بعد سنوات من المعاناة».
وسألت الهيئات الاقتصادية: «كيف للجنة خاصة، مهما علا شأنها، أن تضع شروطاً وتحدد أولويات في ما يتعلق بالولوج الى الدولارات النادرة من قبل هذا المورد أو ذاك؟ وهل ان اقتصاداً مثل النظام الإقتصادي اللبناني، الذي نشأ قبل أكثر من 100 عام على حرية التداول بالعملات وحرية التحويل عبر الحدود، قادر على التكيف مع الإجراء الصارم الذي تفرضه المادة السابعة لجهة فرض الليْلرة عنوة؟ وهل طموح لبنان ان يفقد رونقه الإقتصادي الخاص به، والذي جعل منه مقصداً للترفيه والتسوق والتبضع، للأبعدين قبل الأقربين، وان يتحول اقتصاده الى نموذج إقتصادي مسخ لا يليق بلبنان، وهو أصلاً غير قابل للحياة؟».