بقلم البير نجيم
خلال شهر حزيران من العام 2021 وتزامنا مع دعوة قداسة البابا فرنسيس رؤساء الكنائس في لبنان للمشاركة في يوم صلاة وتفكير حول كيف يمكن لهذه الكنائس ان تساعد في خدمة الوطن، كان لي مع آخرين شرف تكليفي من قبل غبطة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، كل من ضمن اختصاصه، بتحضير مداخلة تصف الاشكالية القائمة وابعادها وتقترح حلولا معينة.
ولما كان مضمون المداخلة التي اعددتها في حينه ورفعتها الى غبطته ما تزال تحاكي واقعنا الشائك المعاش، مع كثير من التعديلات التي طرأت على المعطيات الرقمية وغيرها منذ تاريخه وحتى اليوم، يهمني لا بل اسمح لنفسي ان انشرها كما جاءت من دون اي تعديل او اضافة، سيما وان الجدل القائم حول ما تطرقت اليه من ملفات مصيرية عديدة ومنها موضوع النازحين السوريين، وموضوع المخيمات الفلسطينية الذي طفى واقعها الامني في الايام الاخيرة على وجه الاحداث، فضلا عن ملفات اخرى، بات جدلا حادا في ظل تضارب الآراء والتوجهات والاختلاف في مفهوم المواطنة والنمط المجتمعي.
والى القراء الكرام نص المداخلة او الدراسة:
"يرتبط الامن المجتمعي ارتباطا وثيقا بالأمن الاقتصادي والمعيشي، ويقصد بالأمن الاقتصادي اتخاذ تدابير الحماية والضمان التي تتيح امام الفرد الحصول على احتياجاته الأساسية من المأكل والمسكن والملبس والعلاج وبشكل عام الحد الأدنى من مستوى المعيشة...ومثل هذه التدابير والإجراءات هو ما يشيع الأمان الاقتصادي لأفراد المجتمع، وما ينطوي على بعد نفسي لدى الفرد علاوة على البعد المادي.
قدمت الأمم المتحدة تعريفا جامعا للأمن الاقتصادي مفاده: "ان يملك الفرد ما يكفي من المال لاشباع حاجاته الأساسية وهي الغذاء والمسكن اللائق والرعاية الصحية الأساسية والتعليم"
كما جاء في تعريف اممي آخر للأمن الاقتصادي انه: " الحالة التي تمكن الافراد او الاسر او المجتمعات المحلية من تلبية احتياجاتهم الأساسية وتغطية مصاريفهم الإلزامية بشكل مستدام يحترم كرامتهم..."
وباختصار فان الامن الاقتصادي يتمثل بقدرة الدولة على حماية الفرد من الوصول الى مستوى الفقر. اما عناصر هذا الامن فهي:
• الامن الغذائي: أي القدرة على تغطية نفقات الغذاء في حدود الدخل المتاح.
• العمل: أي الاخذ بعين الاعتبار انه كلما زادت البطالة كلما زادت معدلات الفقر.
• الامن الصحي: أي توفير العلاج المجاني ووسائل الوقاية من الامراض.
• الامن التكافلي: أي إيجاد حماية او مظلة اجتماعية تضمن حياة كريمة للعاملين بعد اكمالهم لسنوات الخدمة.
اين نحن في لبنان من كل هذه الثوابت والمفاهيم، لاسيما في ظل المحنة اللبنانية الحاضرة التي ذهب مؤخرا توصيف اممي الى حد ادراجها في خانة الحالات الفادحة كمثل الصومال او فنزويلا، والتي تطرح معها إشكاليات وتحديات مصيرية على مختلف الصعد وعلى الأخص على الصعيد الأمني.
1 – واقع المؤسسات العسكرية والأمنية:
لم يعد خافيا على احد ما تعاني منه المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان جراء اختلال موازين الامن الاقتصادي، لدرجة ان موضوع تأمين الحياة الكريمة واللائقة لضباط وافراد هذه المؤسسات بات الشغل الشاغل لقياداتها، وسط الانهيار الوطني الحاصل على مختلف الصعد، وتحت وطأة المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق هذه المؤسسات خاصة لجهة ضرورة التصدي لتبعات الانهيار وصون الامن العام. ولعل الأرقام التالية خير دليل على فداحة هذا الواقع:
• أصبح راتب اللواء وتعويضاته في الدرجة 7، وهي الأعلى في القوى الأمنية (بعد رتبة العماد في الجيش)، يقارب 700 دولار أميركي بعدما كان يقارب 5600 دولاراً.
• أصبح راتب الجندي في الدرجة الأولى، وهي الأدنى، يقارب 100 دولارا بعدما كان سابقاً 860 دولاراً.
وهذه الأرقام التي تنطبق على ضباط وافراد المؤسسات الأمنية كافة مرشحة للتطور سلبا في ظل الارتفاع المتمادي لسعر الصرف بين الليرة والدولار.
اما من النواحي اللوجيستية والمصاريف الضرورية للخدمة في هذه المؤسسات ومن ضمنها التغذية في الجيش، فالحالة في أسوأ درك، ما ينذر بعواقب وخيمة وما يستدعي حلولا سريعة قبل فوات الأوان ...
يطرح المراقبون في هذا الصدد تساؤلات عديدة حول الغاية من حشر المؤسسة العسكرية، ومن حملها على الاستنجاد باصدقاء في الداخل والخارج من اجل تأمين المستلزمات الضرورية من غذاء ووقود وقطع غيار وقرطاسية، وربما قريبا الرواتب، وحول ما اذا كان ذلك فقط انعكاس للتردي المالي والاقتصادي، ام لغايات أخرى، سيما وان هذا الوضع بدأ ينعكس سلبا على الأوضاع المالية والمعنوية للضباط والعناصر الذين طالما ارتضوا خدمة الوطن حتى الاستشهاد، فيجد الكثير منهم اليوم نفسه امام خيارات صعبة بينها الاستقالة او طلب التسريح من الخدمة، السفر الى الخارج وعدم العودة، الامتناع عن الالتحاق بمراكزه بعد انتهاء مأذونياته، وما الى ذلك...
ان انهيار المؤسسات الأمنية والعسكرية في بلدان مجاورة خلال العقدين الماضيين كان كارثيا بالنسبة لهذه البلدان ومكوناتها المختلفة، كما بالنسبة للمحيط وللمجتمع الدولي، فهل نتدارك مثل ذلك في لبنان، خاصة وان الواقع اللبناني المثقل بالملفات الأمنية والحافل بالحقول الخصبة لنمو العنف والإرهاب وغيرهما يتطلب ترسيخ أعمدة الأمن؟
2- الحضور الوطني في المؤسسات العسكرية والامنية:
ينعكس تردي الأوضاع المالية للمؤسسات العسكرية والأمنية سلبا على اقبال المواطنين على الانخراط في صفوفها، لا بل ان المتطوعين حديثا (أي دون استحقاق الراتب التقاعدي) يجنحون الى تركها، اما للهجرة او لايجاد فرص عمل أخرى، الامر الذي يقلق القيادات ويحملها على التعاطي مع هذه الظاهرة بواقعية ومرونة.
اما الأهم في هذا الصدد فهو تراجع المسيحيين بنوع خاص عن الاقتناع بأهمية التطوع في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية، بعدما اخذ هذا الحيز في العقود الثلاثة الماضية جهدا كبيرا من قبل القيادات الروحية والزمنية المعنية لتعزيز هذا الاقتناع في أوساط الناشئة، على قاعدة أهمية التقديمات والضمانات المختلفة المتوفرة لدى هذه المؤسسات، وضرورة انهاء حالة الغربة بين المسيحيين وأجهزة الدولة، والتي فرضتها فيما مضى ظروف معينة قاهرة.
لا بد من التأكيد على ان الحضور المسيحي على المستوى الوطني عامة يتجسد في الحضور على مستوى الأجهزة والمؤسسات، والا فان هذا الحضور سيكون محكوما بالتراجع المخيف.
3 – معدل الجريمة:
تظهر الأرقام الصادرة عن المراجع البحثية والأمنية أن العام 2020 شهد نسبة مرتفعة من الجرائم على أنواعها قياساً بالعام 2019، فقد ارتفع معدل جرائم القتل بنسبة 59% عن العام 2019، حيث سجل في العام 2020 ما مجموعه 171 جريمة قتل حتى شهر تشرين الثاني في مقابل 100 جريمة عام 2019، أي بمعدل 18 جريمة قتل في الشهر.
أما عمليات السلب وسرقة السيارات، فقد ارتفعت بدورها عام 2021 من 44 عملية سلب سجلت في العام 2019، إلى 72 عملية في العام 2020، أي بنسبة 63 %، فيما بلغت عمليات سرقة السيارات ما نسبته 82% في العام 2020 مقارنة بالعام 2019، حيث سجلت 934 عملية سرقة مقابل 514 عملية عام 2019.
الى ذلك فقد ازدادت عمليات السلب بقوة السلاح بما نسبته 125% عن العام 2019، وبمعدل 556 جريمة في مقابل 247 عام 2019.
أما الرقم اللافت والمخيف فهو عمليات السرقة التي طالت المحال والمنازل والصيدليات، والذي يظهر انعكاساً واضحاً للأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وتفاقم حالة التفلت الحاصلة. فضلاً عن تعرض منازل ومحال تجارية للسرقة بعد انفجار مرفأ بيروت، فشهد العام 2020 أكثر من 2252 عملية سرقة في مقابل 1610 عملية في العام 2019، وبمعدل 205 سرقات شهرياً.
هذا وتناولت تقارير اخرى الفترة الزمنية الممتدة منذ مطلع العام الحالي 2021 وحتى شهر آذار من العام نفسه، وجاءت أرقامها انعكاساً للوضع الاقتصادي السيئ، كما أظهرت زيادة في جرائم القتل والسرقة خلال شهري كانون الثاني وشباط ، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، حيث ارتفعت نسبة جرائم القتل بنسبة 45.5 بالمئة، ووصل عدد القتلى في نفس الفترة من عام 2021 إلى 32 قتيلاً مقابل 22 قتيلاً في الفترة ذاتها من عام 2020، كما ارتفعت نسبة جرائم السرقة في نفس الفترة بنسبة 144 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
ولا بد من التأكيد على ان انهيار الليرة وفقدان العائلات لأمنها الاقتصادي والاجتماعي، إضافة الى الفلتان الأمني وتكوّن جزر أمنية عصية على الدولة، هي من أبرز الأسباب الكامنة وراء حالة التردي الحاصلة، وان معظم عمليات القتل السلب والسرقة وصولاً إلى حالات الانتحار، تعود بمعظمها إلى المآسي التي حلّت بآلاف العائلات اللبنانية، وتبخر المدخرات وتفشي البطالة.
4- العنف والإرهاب:
نما الإرهاب في لبنان وينمو على خلفيات عقائدية أصولية لا علاقة لها بالفعل بجوهر الدين، خاصة وان الإرهاب لا ينتمي الى وطن او دين، بل يستغل أوضاعا معينة منها المفاهيم الدينية الخاطئة، وعلى الأخص حالات الفقر المدقع في بيئة او بقع شعبية معينة نتيجة غياب العدالة المجتمعية والسياسات الواعية والمدركة. فكيف الحال وقد ازدادت هذه البقع، وتزداد يوما بعد يوم فقرا وبؤسا، وسط الانهيار الحاصل؟ ما يستدعي حتما تحمل المسؤوليات محليا ودوليا والانكباب على المعالجات المناسبة.
لقد عانى لبنان في السنوات الأخيرة الماضية من تبعات ما يحدث في دول الإقليم المجاورة، فغدا في مناطق عديدة منه ساحة لأعمال عنف وإرهاب أدت الى خسائر فادحة في النفوس والممتلكات، وكانت كلفتها مرتفعة بالنسبة للأجهزة العسكرية والأمنية. وفيما لا يزال شبح هذه الأعمال ماثلا في الاذهان والنفوس، وخاصة في بلدات مسيحية آمنة، تتحسب المراجع المسؤولة بحسب ما يصدر عنها من حين لآخر، وفق معطيات محددة لديها، من احتمال تجدد العمليات الارهابية على يد عناصر وخلايا أصولية، بعضها قائم في الداخل، وبعضها الآخر يتسلل اليه عبر الحدود البرية. اما الدافع الأساسي اليها، فضلا عن التحريض المصلحي لبعض الجهات الخارجية، والمفاهيم الدينية المغلوطة، فهو عنصر المال المستغل للعوز والحاجة لدى طبقات فقيرة معينة.
ومن هنا أيضا الرابط الوثيق بين الخلل في الأمن الاقتصادي والمعيشي، وبين الخلل المحتمل في الأمن القومي او المجتمعي ...
5 – واقع مخيمات النزوح واللجوء:
يعيش في لبنان حوالي مليون ونصف المليون نازح سوري تدفقوا اليه على مدى السنوات العشرة الماضية نتيجة الحرب السورية. وتثير مخيمات النزوح السوري ظاهرة حادة من ظواهر البؤس والعوز التي لولا تقديمات منظمات الأمم المتحدة ومنظمات أخرى غير حكومية لكانت أكثر فداحة.
وتشكل هذه المخيمات بالفعل مصدر قلق دائم انطلاقا من الحالة المشار اليها، سواء على مستوى الجريمة الفردية او على مستوى الجريمة المنظمة، خاصة لجهة تفاعل بعض افرادها مع شبكات إرهاب ومخدرات وتزوير ودعارة وما شابه. اما الأخطر من كل ذلك فيكمن في الخشية من احتمال استغلالها في مواجهات داخلية على خلفيات طائفية او مذهبية، وسط التجاذبات الدولية والإقليمية والمحلية المتمادية.
وما ينطبق على مخيمات النزوح هذه ينطبق أيضا على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي طالما كانت، وما زالت، مصدرا لأعمال الاخلال بالأمن القومي، مع فارق أساسي يتمثل بالسلاح المتفلت المنتشر في هذه المخيمات على يد تنظيمات متعددة، متوافقة او متضاربة، وفقا لتنوع مرجعياتها وولاءتها. كما انه من نافل القول ان السلاح الفلسطيني كان أحد عناصر الحرب الداخلية التي عصفت بلبنان على مدى سنوات، الامر الذي لم ينسه اللبنانيون ولا الفلسطينيون أنفسهم.
6 – الإدمان والمخدرات:
تشير الإحصاءات والدراسات الى انه في لبنان الذي يعيش الانهيار الاقتصادي الأكبر في تاريخه، ويعاني من أسوأ أزمة مالية ارتفعت بسببها أسعار كل السلع في الأسواق، في ظل ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة، بقيت معظم أصناف المخدرات على سعرها، وبعضها انخفض بشكل لافت، ما يدفع للتساؤل عن أسباب هذا الأمر ونتائجه، ويضاعف من مسؤوليات الأجهزة الأمنية المختصة في اطار مكافحة شبكات الاتجار والترويج التي يذهب ضحيتها مدمنون من مختلف الطبقات الاجتماعية.
ولا بد من الاشارة الى جود علاقة وثيقة بين الجريمة العادية والجريمة المنظمة - جريمة الإرهاب تحديدا - وبين جرائم المخدرات، انطلاقا من الدوافع الذاتية كمثل الفقر والحرمان والشعور بالدونية وغيرها، والتي تؤدي بأصحابها الى فخ الشبكات المشار اليها، فاللجوء من ثم الى المخدرات والادمان كوسيلة للهروب من الواقع، الى ان تأتي فرصة الانتقام من المجتمع بجريمة فردية عادية، او بجريمة منظمة ييسرها لها انخراطها في تنظيمات متطرفة حيث تلقى التعبئة المناسبة على قواعد ومفاهيم دينية مغلوطة. والشواهد على ذلك كثيرة في الواقع اللبناني المعاش والجرائم المسجلة.
وهذا علاوة على ما تثيره ظاهرة المخدرات المتمادية من فساد مجتمعي على المستويات العائلية والطلابية وغيرها.
كما لا بد من الإشارة الى ان تفاقم ظاهرة تهريب المخدرات من لبنان او عبره بدأت تتسبب بأزمات في علاقاته الرسمية مع بلدان صديقة، كمثل الازمة الناشئة حاليا مع المملكة العربية السعودية والتي تزيد من الخلل الحاصل في مجال الأمن الاقتصادي وتربك القطاعات الأمنية المعنية.
جريمة تفجير مرفأ بيروت:
ما زالت هذه الجريمة التي حصلت في الرابع من آب من العام الماضي تحتل الصدارة بالمفهوم الأمني والقضائي، لكونها جريمة العصر اذا صح التعبير، فهي أوقعت حوالي مئتي شهيد وآلافا من الجرحى والمشوهين، كما أدت الى خسائر مادية غير مسبوقة، ما انعكس بشكل دراماتيكي على جزء كبير من بيروت ومحيطها، وعلى المجتمع البيروتي المسيحي بشكل خاص.
وفيما يبقى الرهان على نتائج التحقيق القضائي القائم، وسط عدم اقتناع أهالي الضحايا وكثير من المشككين بذلك وبإمكان عدم افلات الفاعلين او المتسببين من العقاب، يسود دائما تخوف من احتمال تكرار مثل هذه الجريمة في اماكن أخرى استنادا الى عناصرها ومكوناتها ومعطياتها الظاهرة، وتحديدا احتمال وجود مواد أخرى قابلة للتفجير في غير منطقة لبنانية.
وتحت وطأة هذه التحديات الأمنية، وهي ليست الوحيدة بل الأساسية بكل الأحوال، يطرح سؤال محوري عن دور كنيستنا وعما يمكن ان تساهم فيه، غير ان الواقع لا يشي بتوفر إمكانيات استثنائية لدى الكنيسة في هذا المجال من دون ان يعني ذلك ان تعفي الكنيسة نفسها من المسؤولية المنطلقة طبعا من المسؤولية الجماعية، وعبر مقاربة اكثر عمقا للأمور مما سبق، او ربما بطرق أخرى مختلفة تركز بنوع خاص على أهمية صون المؤسسة العسكرية، ولا بد في هذا الصدد من تسجيل ما يلي من اقتراحات:
- المبادرة الى اشعار قيادة الجيش وقيادات القوى الأمنية بمدى اهتمام الكنيسة بواقعها المتراجع، والاعراب لهذه القيادات بشكل علني ومباشر عن الاستعداد للمساعدة بالشكل الذي تراه هي مناسبة والذي يتناسب مع قدرات الكنيسة المتوفرة، وعندما نقول القدرات لا نعني بالتحديد القدرات المالية التي هي مسؤولية الدولة، وربما أيضا المجتمع الدولي، بل أيضا القدرات المعنوية سواء في الداخل ام في الخارج.
- درس اقتراحات القيادات المذكورة، عندما تتوفر، بواسطة من يلزم في الكنيسة او لدى اتباعها، اذ قد تكون متاحة التحقيق على صعد مادية معينة لوجيستية، عقارية، او غيرها، ومن باب التقديم او الإعارة او ما يناسب.
- حث الناشئة على البقاء في المؤسسات وعدم تركها، كما على الاقبال على الانخراط في صفوفها، باعتبار ان الحالة المتردية الراهنة يفترض ان تكون موجة عابرة نحو غد افضل، كما هو مأمول، اما طرق الحث فكثيرة لاسيما على مستوى التوجيهات الكنسية المختلفة، والعظات، ومواقف الاكليروس...
- اطلاق نداءات كنسية الى المقتدرين اللبنانيين في الداخل والخارج لتقديم الدعم اللازم للمؤسسة العسكرية، من خلال قياداتها حصرا وعبر السبل القانونية المتوفرة والتي تجيز ذلك.
- تكثيف الدعوة الى حوار داخلي مع الشريك المسلم لايجاد مساحات مشتركة من شأنها تفعيل مجابهة الأفكار الدينية المغلوطة والحد من التطرف وتعزيز مبدأ قبول الآخر، كما وحث هذا الشريك على اعلاء الصوت اكثر للحؤول دون تمادي الأصولية الدينية في جر الناشئة الى التطرف ومنه الى الارهاب.
- استخدام نفوذ وعلاقات الكنيسة الدولية لتسريع إيجاد حل لمسألة النازحين السوريين، وأيضا لقضية اللاجئين الفلسطينيين، تلافيا للانعكاسات الأمنية المتمادية للقضيتين، فضلا عن انعكاساتهما الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية، الطائفية، والديمغرافية.
- التوعية الدائمة من مخاطر المخدرات عبر حملات كنسية منظمة وبالتعاون مع الجمعيات المعنية، على ان يتم التمييز بمعاونة خبراء بين ما هو جدي وموثوق من هذه الجمعيات، وبين ما هو وهمي وربما ابعد من ذلك، إضافة الى التنديد بوضوح وبصوت عال بتجارة المخدرات سواء منها المتجذرة في الداخل او العابرة من الخارج، وصولا الى حد القطيعة بين الكنيسة وكل من يشتبه رسميا بقيامه بمثل هذا النشاط.
- على صعيد كارثة المرفأ وبغية التبصر في كيفية معالجة الثغرات، لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
• امور إيجابية ومنجزة: استجابة المستشفيات التابعة لمؤسسات كنسية، وبالرغم من تعرضها للدمار، لمعالجة ضحايا التفجير، مبادرة الكنائس الى تنظيم ورش إغاثة إنسانية واعمارية بدعم من الداخل والخارج، استجابة الجيش اللبناني للوضع وتدخله لمنع الفلتان الأمني الذي أعقب التفجير إضافة الى دوره في عملية مسح الأضرار وتوثيقها، تشكيل غرفة طوارئ لدى الجيش لإدارة الأزمة...
• امور طرحت علامات استفهام ولا زالت تثير التساؤل: غياب او ضعف التنسيق العملاني والإداري بين مختلف الكنائس على صعيد الابرشيات وحتى على صعيد الرعايا ضمن نفس الابرشية في المنطقة المنكوبة، عدم وجود قاعدة معلومات لدى الرعايا عن أبنائها وعائلاتهم واوضاعهم، استغلال الوضع من قبل أشخاص كثر من خارج المنطقة المنكوبة للاستفادة وتحصيل منافع مادية عينية ومالية على حساب المتضررين منتهزين فرصة ضعف أجهزة الدولة والجهات الكنسية، غياب اي دور او مواكبة قانونية فعلية من قبل الكنيسة للدفاع عن حقوق الناس المتضررين والضحايا، تفاوت الأداء الكنسي في متابعة أوضاع رعاياهم ودفعها إلى التحسن والذي لم يستند إلى قواعد منهجية وعلمية، في حين كان بامكانها الاستفادة من طاقات ومؤهلات المتطوعين ذوي الإرادة المندفعة.
ملاحظة: قد لا تكون كل هذه الملاحظات الأخيرة على صلة بالواقع الأمني الذي نطرحه، باستثناء دور الجيش، لكن ادراجها في هذه الخانة ينطلق من فداحة كارثة المرفأ والاولوية التي تتصدرها."
البير نجيم، ضابط متقاعد في الامن العام اللبناني، حقوقي، وباحث امني وسياسي.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا