ها هي الذكرى السنوية الثالثة لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، تطل علينا بكل ما حملت وتحمل من مآس، بسهمين مسمومين، الأول يتمثل بالإنفجار وضحاياه وشهداءه الأحياء، والثاني المسموم، الجريمة الأكبر، وهي أن أكثر من الف يوم مر دون أي تقدم أو مشروع تقدم على خط العدالة، ولبنان والعالم، لا يعرفون كيف حصل الإنفجار، أو "التفجير"!
ثلاثة أعوام ولبنان الجريح منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، والمصاب بلعنة الرابع من آب، مثقل بالمتاعب والمصائب والأزمات والإنهيارات، على مختلف الصعد، صحيا وتنمويا وتربويا وثقافيا ونقديا، في ظل انعدام فرص الحصول على مجرد أمل برئيس للجمهورية المنهكة، وفي ظل الفراغ في حاكمية مصرف لبنان بعد انسداد أفق تعيين بديل عن الحاكم السابق رياض سلامة، وخطر الفراغ في قيادة الجيش.
وبالعودة الى سبب الإنفجار، فرضيات عديدة طرحت الا أنه لا يمكن تثبيتها أو استبعادها، وتبقى في إطار "الممكن"، الا أن شهادات مئات الذين عاشوا مأساة الرابع من آب، أكدت سماع صوت طائرات حربية في سماء بيروت قبل التفجير بلحظات. وبعد الإطلاع على التقارير الأمنية، يتضح أن السماء اللبنانية لم تكن تشهد أي تحليق لطائرات حربية "لبنانية"، وأنه عند أي تحليق لهذه الأنواع من الطائرات، تصدر مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بيانا مسبقا، خصوصا أن للعاصمة اعتبارات تتعلق بوجود مطار بيروت الدولي وخطر التعرض للملاحة الجوية.
وحول معرفة اللبنانيين بأصوات الطائرات، فرب ضارة نافعة في هذا السياق، إذ أن العدو الإسرائيلي جعل جميع اللبنانيين على دراية حتى بنوع الطائرة التي تستبيح سماء الوطن، فيمكن لأي مقيم في لبنان أن يعرف ما إذا كانت الطائرة الإسرائيلية استطلاعية أم حربية، كما يمكنه التمييز ما إذا كانت طائرة مسيرة أو ذات حجم كبير، بمجرد سماع صوتها.
يقول شاهد على الحادثة كان يصور المرفأ في لحظة الإنفجار، أن المشهد مكتمل لديه، وهو مقتنع كل القناعة بأن حريقا مفتعلا من قبل عملاء شب في العنبر رقم 12، تبعه مراقبة للحظة فتح باب العنبر، ليتم التفجير عبر طائرة من فوق البحر، كي يحول دخان الحريق المرعب بصعوبة وصول عدسات الكاميرات الى أي دليل يدينها. يقول الشاهد: "لو صدر ألف قرار ظني، والف تحقيق دولي، لن أقتنع الا بفرضية الإعتداء الجوي، لأن صوت الطائرة محفور في غضروف أذني، وأنا كنت يومها أعيش أكبر واقع في حياتي، وأي حديث عن الوهم والخيال هو غباء".
دوليا، نقلت صحيفة "ازفستنايا" الروسية عن المسؤول السابق في المخابرات الروسية الجنرال إيغور دراغانوف، قوله في حوار معها: "أؤكد أنّ ميناء بيروت انفجر بصاروخ نووي تكتيكي إسرائيلي"، والمقصود هنا بالسلاح النووي الاستراتيجي أي السلاح النووي المصمم لاستخدامه على أهداف غالبا في مناطق مستقرة بعيدة عن ساحة الحروب. وجزم المخابراتي الروسي بأن القوات البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية، حضرت الى مكان "التفجير"، "لإخفاء الحقائق العلمية، بعد أن شكّل الانفجار كارثة إنسانية عالمية يمكن أن تهزّ الكيان الإسرائيلي وتحول دون تحقيق السلام وإبرام معاهدة مع الخليج". وتابع: "غادرت كل السفن الحربية الأجنبية لبنان بعد وصول فريق الخبراء الأميركي (مكتب التحقيقات الفدرالي بالكلاب المدربة)، وسمح له لبنان رسميًا بدخول أراضيه السيادية ليتأكد علميًا نجاح طمس الحقيقة"!
وفي مزيد من التحليل للجنرال دراغانوف، كشف أن "الهدف الحقيقي من قصف الميناء هو ضرب أكبر ميناء في شرق المتوسط وإزالته من المنافسة مع ميناء حيفا بشكل نهائي مع نجاح مهمة ضرب القطاع المصرفي اللبناني وإزالته من المنافسة".
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي محمد قواص، فإنه "بمواكبة كمٍّ هائل من السيناريوهات المتضاربة، خرج رئيس الولايات المتحدة (دونالد ترامب آنذاك) بتصريح يتوسّل السبق والتفاخر، كاشفاً أن جنرالات أميركيين أخبروه أن الانفجار حصل نتيجة اعتداء "خارجي". وعلى الرغم من أن تقارير (حتى إسرائيلية) لم تستبعد احتمال أن يكون هجوما إسرائيليا أصاب هدفاً دون أن يكون القصد التدمير الذي أصاب مدينة بيروت، إلا أن ترامب وجنرالاته كما عواصم العالم أغرقت هذه الفرضية بأطنان أخرى من الغموض".
وفي زيادة قصيدة حزن بيروت بيتا، فقد ذكرت "سكاي نيوز"، الوكالة البريطانية، في عددها الصادر بتاريخ 1 آب 2021، تحت عنوان "كارثة مرفأ بيروت: الحقيقة التي يخفيها العالم"، التالي: "بعد أيام على انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، نُقل عن دبلوماسي بريطاني كان متواجداً في العاصمة اللبنانية أن ضربة خارجية فجّرت العنبر رقم 12 الشهير. يؤكد الدبلوماسي، الذي بقي كلامه غير رسمي وغير معلن، أنه شاهد بأم عينه واقعة الاعتداء الجوي، متقصّداً الهمس وإبقاء المعلومة "off record". ولم يصدر عن لندن ما يتبنى رواية دبلوماسيها".
في الواقع، لا مفر من حقيقة أن الوصول الى ما قبل لحظة من الإنفجار هو موضع إهمال للفاسدين، الذين يتحملون المسؤولية كل بحسب ما فعل، الا أن على القضاة اللبنانيين المولجين التحقيق بهذه هذه القضية الوطنية العليا، أن يأخذوا فرضية "التفجير" أكثر من فرضية "الإنفجار"، خصوصا أن "الأقمار الاصطناعيّة الفرنسيّة لم تكن تعمل فوق مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020، بحسب فرنسا..
ومن البديهي في لبنان، أن تتوجه أصابع الإتهام بأي جريمة كبيرة الى العدو الأول، والأكبر، والأخطر، وطبعا لى المستفيد الوحيد، الذي يهمه أمر القضاء على المرفأ الذي يوصل الشرق بالغرب، ويهمه الصراع والقتال والإقتتال الداخلي اللبناني، الا وهو العدو الإسرائيلي، فهل سيتم الإفراج عن القرار الظني قريبا إن بقي القاضي بيطار؟ وهل سيحمل التقرير اتهاما لإسرائيل؟