محمد دهشة - نداء الوطن
لم تهدأ الجهود السياسية الفلسطينية واللبنانية لتطويق ذيول اشتباكات عين الحلوة بعدما بدت في يومها الثاني أكثر خطورة واتساعاً وشدّة معاً، حتى نجحت في التوصل إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار وسحب المسلحين من الشوارع تزامناً مع تشكيل لجنة تحقيق فوراً والعمل على تسليم الجناة في جريمة اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء محمد العرموشي «أبو أشرف».
سلسلة من التطورات والمواقف السياسية مهّدت الطريق للتوصل إلى هذا الاتفاق بعدما اتّخذت الاشتباكات أبعاداً خطيرة لجهة التحليل وبث المعلومات ونشر الإشاعات، ومنها إصابة قائد الأمن الوطني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب حيناً، ومسؤول «الحركة الإسلامية المجاهدة» الشيخ جمال خطاب حيناً آخر، وبينهما الترويج لهجوم وهجوم مضاد، وأبرزها:
ـ قطع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور زيارته إلى مصر، حيث كان يشارك في اجتماع الأمناء العامين، وعودته على عجل لمتابعة التطورات العسكرية في المخيم، ناهيك عن الاجتماع الثلاثي الذي جمعه وأمين سرّ حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات ورئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الدكتور باسل الحسن، وإصدار بيان مشترك أكد استمرار التنسيق والتعاون بين اللجنة والسفارة الفلسطينية وهيئة العمل المشترك الفلسطيني من أجل تجاوز هذه المرحلة الخطيرة والصعبة وتثبيت الاستقرار الأمني في المخيمات وبسط سيادة الدولة.
ـ موقف «فتح» الأول بعد اغتيال العرموشي والاشتباكات، حيث قال أبو العردات «إننا ذاهبون إلى التهدئة وإلى وقف إطلاق النار في المخيم. أمن شعبنا وحمايته أولوية وهي أمانة في أعناقنا كما دماء الشهداء. يجب التوصل إلى معرفة الجناة المجرمين والقتلة وتسليمهم إلى العدالة اللبنانية كي تستقيم الأمور وترتاح النفوس».
ـ الاجتماع الموسع اللبناني الفلسطيني الذي عقد في مقر «التنظيم الشعبي الناصري» في صيدا، بدعوة من النائب الدكتور أسامة سعد، وشارك فيه للمرة الاولى نائب رئيس المكتب السياسي لـ»الجماعة الإسلامية» في لبنان الدكتور بسام حمود، إلى جانب أبو العردات وممثلي هيئة العمل الفلسطيني المشترك والأحزاب اللبنانية الوطنية والإسلامية، وخلص إلى إعلان سعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وسحب المسلحين والتحقيق بعملية الاغتيال فوراً وتسليم كل من له علاقة بجريمة الاغتيال».
كرّ وفرّ
وعلمت «نداء الوطن» أن السفير دبور أصدر تعليماته إلى الأمن الوطني الفلسطيني بالتقيّد بقرار وقف إطلاق النار، بينما كثفت حركة «أمل» مساعيها وأخذت تعهّداً والتزاماً جدّياً من كل الأطراف الفلسطينية بوقف حقيقي وجدّي لإطلاق النار وأبلغت جميع الأطراف به، وعيّنت قيادة «فتح» والأمن الوطني العميد أبو أياد شعلان قائداً للأمن الوطني في منطقة صيدا خلفاً للواء العرموشي بهدف ضبط الوضع العسكري.
وقد تميّز اليوم الثاني من الاشتباكات بحدّتها بين الكرّ والفرّ، واستخدام مختلف أنواع الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية والتي لم تتوقف على مدى ساعات متواصلة واتساع رقعتها إلى كافة محاور المخيم المتداخلة وأبرزها البركسات – الطوارئ، البركسات - حي الصفصاف – الطيرة، الطوارئ – محطة جلول - الشارع التحتاني، وحطين – درب السيم – جبل الحليب.
كما تميّز بارتفاع حصيلة القتلى إلى ثمانية إثر مقتل المدني محمد أيمن عبد الرازق ووفاة أحمد حسين جوهر في مستشفى الهمشري متأثراً بجروحه، بعدما قتل ستة آخرون خلال اليومين الماضيين ومنهم العرموشي وأربعة من مرافقيه والفلسطيني عبد فرهود، وارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 70 توزعوا بين مستشفيات النداء الإنساني، الهمشري، الراعي ولبيب في صيدا وبعضهم تلقى العلاج وغادرها، والبعض الآخر ما زال قيد المعالجة.
حركة نزوح
كذلك تميز بكثافة حركة النزوح من المخيم وتعمير صيدا إلى مناطق أكثر أمناً، ومنها قاعة الموصلي في التعمير حيث قدّر عدد النازحين بنحو 5 آلاف شخص، وتدخلت وكالة «الأونروا» ونقلت العشرات من العائلات النازحة إلى مدرستي عكا ونابلس التابعتين لها في المدينة ووفرت لهم الاحتياجات الضرورية إلى جانب المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية والفرق الإسعافية والكشفية. وعلمت «نداء الوطن» أن مديرة «الأونروا» دوروثي كلاوس حضرت إلى صيدا الأحد وداومت في مكتب «الأونروا» الرئيسي في الهلالية مع مدير المنطقة الدكتور إبراهيم الخطيب، للوقوف على تطورات الوضع الأمني في المخيم وحركة النزوح منه في سبيل تأمين الاحتياجات، وعقدت اجتماعاً مع بعض ممثلي الدول المانحة في بيروت وبحثت إمكانية المساعدة في الإيواء والترميم لاحقاً.
وقررت عائلة العرموشي دفن اللواء العرموشي في مقبرة مخيم الرشيدية هو ومرافقه موسى نواف فندي من عرب اللهيب وصلي عليهما في مؤسسة الأشبال حي الملعب.
مواقف سياسية
وتأثرت صيدا بالاشتباكات بعد سقوط قذيفة في الحسبة ونجاة عدد من العمال بأعجوبة. وبعد سقوط رصاص طائش في عدد من شوارعها، أصيب عسكري في الجيش اللبناني، وآخر مدني قبالة سراي صيدا الحكومي، وبدت الحركة هادئة والطرقات خالية من المارة، حيث لازم المواطنون منازلهم خشية تعرضهم للإصابة، في وقت حرصت فيه محال تجارية كثيرة ومؤسسات خاصة على إقفال أبوابها. وزار النائبان سعد والدكتور عبد الرحمن البزري كلّ على حدة، مفتي صيدا والجنوب الشيخ سليم سوسان، حيث تمنّى البزري عليه دعوة مختلف القوى الصيداوية الرئيسة في المدينة ومرجعياتها الدينية لاتخاذ موقف واضح وصريح من هذه الأحداث وتداعياتها، فيما زار سعد مسجد الموصلي، مطمئناً على أبناء المخيم النازحين، مؤكداً أهمية «العض على الجراح» ووقف إطلاق النار من جميع الأطراف، حتى يتسنّى للناس العودة إلى بيوتها، وتعود الحياة إلى الجوار اللبناني بمدينة صيدا، كما شدّد على ضرورة تسليم منفذي الجريمة للأجهزة اللبنانية. بينما توجه المفتي سوسان بنداء الى المتقاتلين في مخيم عين الحلوة ناشدهم فيه المبادرة فوراً لوقف اطلاق النار.
مواقف
وأكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود أن الاشتباكات التي يشهدها مخيم عين الحلوة كانت مفاجئةً جداً للجميع، مشيراً إلى أن الوضع يلخص بأن مجموعة من «فتح» لا تريد الالتزام بوقف النار بل تسعى للانتقام لمقتل العرموشي.
اما الدكتور بسام حمود فطالب القوى الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها كاملة ووقف إطلاق النار فوراً «حفاظا على القضية الفلسطينية ورمزية المخيمات التي تشكل عنواناً للعودة وليس للاقتتال». ودعا منسق عام تيار «المستقبل» في صيدا والجنوب مازن حشيشو القوى الفلسطينية إلى «التحلي بأعلى درجات المسؤولية ووقف نزيف الدم الحاصل داخل المخيم رأفة بالشعب الفلسطيني وصوناً للقضية الفلسطينية والعمل بأقصى سرعة على تسليم القتلة للعدالة اللبنانية».
وأكدت القوى الإسلامية في المخيم ضرورة وقف إطلاق النار وسحب المسلحين وتشكيل لجنة تحقيق لكشف المتورّطين في الأحداث. ورفضت حركة «حماس» الاقتتال الداخلي ودعت إلى تغليب الحوار «حقناً لدماء شعبنا وحفاظاً على السلم الأهلي»، وأكدت «موقفنا الثابت برفض الاحتكام للسلاح في حل الإشكالات والخلافات، لما له من تداعيات خطيرة على السلم الأهلي في المخيمات وفي لبنان الشقيق».