الجمهورية
فادي عبود
يُحكى انّ رجلاً فقيراً يعيش مع زوجته وأطفاله الاثنين في بيت متواضع مؤلف من غرفتين، فيما ابنه البكر اضطر إلى الهجرة ليدعم العائلة. وفي يوم من الايام استغاث به جاره ليسمح له بالمبيت عنده مؤقتاً، فأتى هو وعائلته المؤلفة من زوجة وستة أطفال للسكن عنده، فأعطاه غرفة وسكن هو وزوجته وولداه في الغرفة الاخرى. سمع رجل غني يملك قصوراً واراضي شاسعة بما حصل، فجاء الى الرجل الفقير وابلغه انّه سيساعد عائلة الجار بمبلغ مادي ليدعمهم انسانياً، وهنأ الرجل الفقير على ما قام به وعلى انسانيته. وبعد فترة من الزمن بات الرجل الفقير يشعر بالضيق، وهو محشور وعائلته في غرفة واحدة، فطلب من جاره ان يعود إلى بيته او يذهب إلى مكان آخر أوسع وأفضل، وخصوصاً انّ ابنه يعتزم العودة قريباً ولن يكون هناك مكان للجميع. فسمع الرجل الغني بما حصل، فجاء إلى الرجل الفقير مهدّداً متوّعداً متّهماً ايّاه بالعنصرية وقلّة الإنسانية، وابلغ الجار ان يبقى مكانه ولا يذهب الى اي مكان، فقال له الرجل الفقير: "اذا كان يهمّك أمره لماذا لا تأخذه ليعيش في اراضيك الشاسعة، انا لم يعد لي قدرة على التحمّل، وابني سيعود قريباً". فقال له الرجل الغني: "الأفضل لابنك الاّ يعود، لأنّ لا مكان له، ومنزلك نحتاجه لإبقاء جارك وعائلته، انت انسان بلا إنسانية ولا رحمة".
هذه القصة هي قصة واقعية، والرجل الغني فيها يمثّل البرلمان الاوروبي الذي أصدر قراراً بالإجماع بإبقاء النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية، بحجة انّ الظروف الأمنية ليست مؤاتية بعد لعودتهم، معبّرين عن استعدادهم لمزيد من الدعم المالي واللوجستي للنازحين، ليعيشوا بكرامة على الاراضي اللبنانية.
يهمّنا اولاً ان نؤكّد انّ قرار هؤلاء ليس ملزماً للبنان، وهو لا يعبّر عن توجّه المجتمعات الاوروبية التي لا تعرف ما يخطّط بعض ممثليها لبلداننا.
انّ المسؤول عن هذا القرار ومن صوّت له يرتكب جريمة في حق لبنان وسوريا على حدّ سواء. انّ هذا الإصرار على تحميل بلد منهار اقتصادياً، عاجز عن تأمين الخدمات الأساسية لشعبه اولاً، هذا الكمّ الكبير من النازحين، هو مخطّط الهدف منه تدمير البلد والاتجاه به نحو الخراب.
فلو كان يهمّكم الوضع الانساني للنازحين لكنتم استقبلتموهم في بلدانكم، القادرة على استيعاب أعداد اضافية وتحتاج الى يد عاملة. فتبلغ مساحة الاتحاد الاوروبي 4.2 ملايين كلم2 ونحو 447 مليون نسمة. ونستثني في هذا السياق دولة المانيا التي استقبلت أكبر عدد للنازحين، تخطّى المليون نازح سوري.
هؤلاء النواب صوّتوا على حكم بالإعدام على لبنان برفضهم النظر بواقعية إلى الواقع المزري الذي تمرّ فيه البلاد، بل إصرارهم على تحميله مزيداً من الأعباء.
هؤلاء ينشغل بالهم اليوم بهشاشة وضع اللاجئ السوري، ولم يهتموا لوضع اللبناني الذي بات وضعه أسوأ من اللاجئ السوري. يهمّهم ان يعيش اللاجئ السوري بكرامة في لبنان، فيما اللبناني يُكافح ويعيش في التعتير وينظر الى اللاجئ السوري وهو يحصل على إعانات ومساعدات. يخترعون حججاً لإبقاء السوري في لبنان ويمدّونه بالدعم اللازم ليبقى في لبنان، ولا يهمّهم أعداد اللبنانيين التي تهاجر بسبب تردّي الاوضاع الاقتصادية وعدم قدرتهم على تأمين أبسط الحقوق. كرامة اللاجئ السوري على ارض لبنان مقدّسة ولكن كرامة المواطن اللبناني لا تساوي شيئاً.
هؤلاء يذكّرون بالشفافية وضرورة الإصلاح في البلد، فيما هم مستمرون في التعامل مع الفاسدين والناهبين.
فالبرلمان الاوروبي لا مشكلة لديه ان يحرق لبنان والشعب اللبناني والنازحين السوريين في سبيل ان يفوز بمعركته ضدّ النظام السوري، هذا البرلمان الاوروبي نفسه الذي يتغنّى بالإنسانية والحقوق والعدالة.
ونشكر النائب الفرنسي تييري مارياني على موقفه الداعم للبنان، وخصوصاً انّ هذا الموقف لم نسمعه بعد رسمياً من السلطة اللبنانية، التي كان يجب ان تتحرّك فوراً لإدانة هذا القرار، والتي ما زالت غائبة عن اي تحرّك رسمي لتفادي المخطّط المرسوم. علماً انّ لبنان وقّع مع المنظمة الدولية للاجئين بأنّه لا يُعتبر بلد لجوء، بحسب ما صرّح به سعادة النائب جميل السيد. وهو قام بتحضير عريضة نيابية تطالب بعقد جلسة عاجلة لمجلس النواب لمناقشة موقف البرلمان الاوروبي حول إبقاء النازحين في لبنان، واستصدار تشريع او قرار يُلزِم الحكومة بتنظيم عودتهم الى سوريا، وفقاً للإتفاقية الموقّعة بين لبنان ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي تغريدة له، اعتبر السيد انّ "المشكلة أنّ دولتنا فيها كتير مناصِب ومراكز، بس ما فيها رِجَال". ونحن نقول له، لا سيادة اللواء، هناك رجال وأنت أولهم.
وايضاً كان لرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل موقف قوي من الموضوع، بالإضافة الى مواقفه السابقة في هذا السياق، والتي حورب بسببها، كما لعدد من نواب تكتل "لبنان القوي". وسنقوم بتحليل مواقف الاطراف اللبنانية في مقال آخر.
وعلى الرغم من أن ليس للموضوع صلة، ولكننا نعيد ونكرّر، انّه من دون الشفافية المطلقة لن نتمكن من تحقيق إصلاح حقيقي.