إبراهيم ناصرالدين - الديار
لم تنتظر الولايات المتحدة الاميركية قيام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بوضع "النقاط على الحروف" بالنسبة الى التوتر المتصاعد على الحدود جنوبا، ورمت بثقلها قبل اطلالته في ذكرى اندلاع حرب تموز، لمنع انفجار تتهيبه "اسرائيل"، ولا تريده واشنطن المنشغلة بملفات استراتيجية اكثر اهمية، ويبدو ان المقاومة مستعدة له ضمن سيناريوهات عديدة موضوعة على الطاولة، بعدما وصلت حالة الفوضى في دولة الاحتلال الى ذروتها، في ظل تخبط على كافة المستويات السياسية والامنية والعسكرية، وانقسام داخلي غير مسبوق يحتاج الى مراقبة دقيقة للغاية، ترقبا لتداعياته داخل "اسرائيل" وعلى كافة الساحات المحيطة.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية غربية، فان ارسال عاموس هوكشتاين الى "اسرائيل" وتغيير جدول اولوياته، من البحث في كيفية ترتيب العلاقة مع السعودية الى محاولة تخفيض حدة التوتر على الحدود الجنوبية، سببه المباشر ادراك اميركي بخطورة الموقف، والقلق من تدحرج التصعيد الى نقطة يصعب السيطرة عليها، بعدما وصل "الكباش" الى ذروته في لحظات من انعدام التوازن في "اسرائيل".
وبحسب التقارير الاستخباراتية الميدانية، التي تقاطعت مع تقييم اولي اجرته قوات "اليونيفيل" بعد مراقبة ورصد الأوضاع على الجبهة ، توصلت الى خلاصات ترجح احتمال اندلاع مواجهة عسكرية قد تمتد لقتال لعدة ايام، دون ان يكون احتمال وقفها زمنيا ومكانيا امرا محسوما. وقد زاد من قلق الاميركيين ترجيح قيادات امنية "اسرائيلية" اشتعال قريب للجبهة، ودخول الشمال في موجة تصعيد ومواجهة عسكرية، في ظلّ ما اعتبروه عدم اكتفاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالتصريحات، بل بالقيام بأعمال ميدانية على الأرض.! وفي هذا السياق، لفتت صحيفة "يديعوت احرنوت" الى ان السيد نصرالله لم يعد يكتفي بالخطابات، وهذه السنة قام بتغيير كلّ انتشار قوات "الرضوان" في خط الاشتباك مع "إسرائيل"، وبات رؤساء السلطات في الشمال ينظرون "بعيون تعبة"، مع تواجد مقاتلي حزب الله مرة أخرى على مسافة قريبة جدا من الحدود.
ووفقا لتقديرات المسؤولين "الإسرائيليين" في شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان)، فان ما يزيد احتمال اندلاع الحرب ثلاثة أسباب أساسية:
- الأول: ما يعد في نظر إيران وحزب الله ضعفا أميركيا في منطقة الشرق الأوسط، وانخفاضا واضحا في مستوى التدخل.
- الثاني: يتعلّق بالأزمة بين واشنطن و"تل أبيب"، مع التشديد على العلاقات المتوترة بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
- الثالث: يكمن في الشرخ الداخلي الخطير الذي أدخل الجيش "الإسرائيلي" في حالة من "الشك"، بعدما تمرد المئات من جنود الاحتياط واعلنوا رفض الخدمة العسكرية، اعتراضا على اصرار الحكومة على التعديلات القضائية...
ووفقا لتلك المصادر، بعد فشل الاتصالات الديبلوماسية، بلغت المداولات في "اسرائيل" ذروتها خلال الايام القليلة الماضية، وبات السؤال "متى وكيف تخلى الخيام من منطقة مزارع شبعا"؟ وقد تدخلت واشنطن لمنع اي خطوة متسرّعة، بعد ان خرجت اصوات وازنة في اعلى هرم قيادة الجيش "الاسرائيلي"، للتأكيد إنّه لا مفر من مواجهة محدودة في ضوء التطورات على الحدود. ترافق ذلك مع رفع حالة التأهب عند الحدود، ونشر "القبة الحديدية" على الحدود الشمالية وفي وسط "إسرائيل"، وباتت كل السيناريوهات تنذر بحتمية المواجهات العسكرية التي باتت أقرب من أي وقت مضى، لا سيما أنّ حزب الله لا يرغب بإزالة الخيم، وقد زعمت "اسرائيل" بأنّ إيران هي مَنْ تدعمه في هذه المواجهة التي باتت "قاب قوسين او ادنى".
وتجلت المخاوف الاميركية في ارتفاع منسوب الضغط على حكومة نتانياهو التي تتهرب من المواجهة ، لكنها تجد نفسها امام حفلة مزايدات داخلية قد تدفعها الى "الحائط"، وما كتبته صحيفة "معاريف الاسرائيلية" كان تعبيرا حقيقيا عن حجم تلك الانتقادات، فالحكومة الحالية، التي هاجمت الحكومة السابقة على توقيع اتفاق الغاز مع لبنان، تنكشف بعريها، حسب تعبير الصحيفة،" فهي غير قادرة على إخلاء خيمتين وتستجدي محافل دولية لممارسة الضغط على حزب الله، ليتفضل بطيبته لإخلاء خيمة واحدة من الخيمتين. وهذا الامر يسحق الردع ويعزز مكانة حزب الله في لبنان".
واشارت الصحيفة الى ان "انعدام الرد من الحكومة على الأرض، يطرح سؤالاً جدياً حول قدرتها في الدفاع عن مصالح الدولة وحماية سيادتها. انعدام رد حكومة "إسرائيل" على استفزازات الحزب ليس مسألة أمن قومي فحسب، بل أيضاً مسألة عزة قومية، ونتنياهو الذي وعد في أثناء الانتخابات بأن يرفع علم "إسرائيل" عالياً ينكسه اليوم. فحكومة تخاف من خيمتين، تعترف بعدم قدرتها على الدفاع عن حدود الدولة. ليس هذا هو الواقع الذي وعدت به حكومة "يمينية بالكامل" مواطني "إسرائيل"، لكن الوعود في جانب والواقع في جانب آخر. وعدم رد الحكومة على استفزازات حزب الله يطلق رسالة خطيرة لأعدائنا الآخرين بأن "إسرائيل" هدف سهل، وأن حكومتها ضعيفة وعديمة القدرة على أخذ القرار، وأن سيادتها قابلة للخرق بسهولة، وهذا واقع لا يمكن "لإسرائيل" أن تسمح به لنفسها، هذا خط أحمر. "واحة نصر الله" يجب أن تمحى". حسب تعبير الصحيفة.
في الخلاصة، تدعو تلك الاوساط الى التعامل بحذر شديد مع الاحداث، وعدم اهمال اي سيناريو في ظل بقاء ملفي "الغجر" "والخيمتين" على حالهما دون تسوية، وقد تكونت قناعة اميركية بضرورة ايجاد تسوية يجري العمل عليها راهنا، لان "اسرائيل" باتت مستعدة للقيام بمخاطرة الدخول في مواجهة محدودة في ضوء التطورات على الحدود، ووضعت على "الطاولة" خطة تفيد بالرغبة في استعادة المبادرة من خلال عملية محدودة لإعادة الامور على الحدود إلى مرحلة عام 2006 على الأقل، "وتنظيفها" قدر الإمكان من مقاتلي حزب الله. ولان واشنطن تدرك ان "عود الثقاب" اذا اشتعل لن يتمكن احد من تحديد قطر الحريق الذي سيمتد اليه، تدخلت لمنع "الرؤوس الحامية" من اي "دعسة ناقصة" قد تكون مكلفة للغاية، في منطقة هشة تسعى الادارة الاميركية الى عدم تحولها الى بؤرة صراع جديدة، خصوصا ان كل المؤشرات القادمة من جهة حزب الله عبر "اليونيفيل"، تفيد انه لن يقبل بتعديل قواعد الاشتباك، واي "حماقة اسرائيلية"، سيكون الرد عليها فوريا وعنيفا، ودون اي ضوابط.