جورج شاهين - الجمهورية
قبل يومين على لقاء الدوحة المحكي عنه لممثلي لقاء باريس الخماسي، اتجهت الأنظار الى الرياض، حيث ظهر الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص جان إيف لودريان بعد طول غياب، تمهيداً لتمثيل بلاده في لقاء الدوحة إن بقي على موعده غير الموثّق. ولذلك، أُعطيت الفرصة مرة اخرى في انتظار التثبت مما سيحمله إلى بيروت، وبأي صفة سيزورها فرنسياً كما كان، أم ممثلاً للقاء الاطراف الخمسة، وإلى حينه، ارتفعت المخاوف على مهمّته من لقاء الدوحة. فلماذا؟
منذ ان غادر لودريان بيروت في الرابع والعشرين من حزيران الماضي لم يتحدث أحد عمّا قام به الرجل، وإن كان قد التقى الرئيس ايمانويل ماكرون الذي كلّفه المهمّة الخاصة بلبنان منذ 8 حزيران الماضي، ولا على اي مستوى آخر. ولذلك جاءت إطلالته من الرياض في اللقاء الذي جمعه مع نظيره السعودي المستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء نزار بن سليمان العلولا، في ديوان وزارة الخارجية في الرياض، ليعطي أولى الصور عن المحطة الثانية من مهمّته التي توقّعها البعض لجهة الجولة التي سيقوم بها على اطراف لقاء باريس، وخصوصاً الطرفين السعودي والقطري، قبل العودة إلى بيروت مطلع الاسبوع المقبل، إن بقي برنامجه غير الرسمي ما زال قائماً بلا اي تعديلات طارئة.
وفي ظلّ الغموض الذي أحاط به لودريان الفترة التي أمضاها بين مغادرته بيروت وظهوره في الرياض، طُرحت مجموعة من السيناريوهات المحدودة، استناداً الى ما تسرّب من معلومات نادرة قليلة، ذلك انّ أياً من المسؤولين اللبنانيين لم يكن على تواصل مباشر معه، قبل ان يكشف رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أيام عدة، موعد زيارته لبيروت الاثنين المقبل. وما أضافه عن تواصلهما تلميحاً أمام وفد مجلس نقابة المحررين، من دون ان يحسم في شأن ما يمكن ان ينقله من اقتراحات عملية، سوى الحديث عن مشروع غامض لدعوة الأقطاب من رؤساء الكتل النيابية إلى طاولة حوار من دون تحديد اي نقطة من نقاط جدول أعمالها.
عند هذه المحطات الغامضة، دعا المراقبون إلى رصد ما يمكن أن يتسرّب من معلومات من عواصم الخليج العربي، وتحديداً ما بين الرياض والدوحة، للتثبت من مدى إجماع الأطراف الخمسة الذين سيجتمعون في إطار «لقاء باريس 2» في الدوحة، على المقترحات الفرنسية السابقة التي قالت بانتخاب الوزير سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً لحكومة العهد الاولى، وما انتهت اليه مهمّة لودريان في بيروت. ذلك انّ ما تسرّب لا يوحي انّ هذا الإجماع كان متوافراً حول هذه الخطة قبل تكليف لودريان بالمهمّة.
وعليه انتظر أطراف اللقاء الخمسة ما يمكن ان ينتجه لودريان في مهمّته اللبنانية التي أمضاها بين 21 و24 حزيران الماضي، وهم في انتظار الخلاصات التي توصّل إليها لمناقشتها على طاولة الدوحة والتشاور بشأنها ومدى ملاءمتها لتوجّهاتهم وإمكان مساعدة اللبنانيين على تخطّي الصعوبات التي تعوق انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، قبل الإنتقال الى المحطات الدستورية اللاحقة، توصلاً الى البت بمجموعة الإصلاحات المطلوبة على اكثر من صعيد، للإقلاع بالخطوات الإنقاذية وفق جدول أعمال يمكن الإجماع على مراحله وفق برنامج من الأولويات لم يكتمل بعد.
ولذلك بقي الرهان قوياً، على ما يمكن ان يقدّمه لودريان في لقاء الدوحة، وهو مشروع لا يمكن البتّ به قبل فهم التوجّهات المتداولة بين الأطراف الخمسة. ذلك انّ هناك مخاوف عدة من عدم وجود اي رؤية موحّدة حتى اليوم، وخصوصاً بالنسبة إلى الرئيس القادر على إدارة المرحلة المقبلة والتأسيس لدولة لا بدّ من ان تخرج من عمق الانهيارات الكبرى التي تعانيها سلطاتها التشريعية والدستورية وهيئاتها ومؤسساتها، ولاسيما على مستوى النهوض المالي والإقتصادي واستعادة الدولة قدراتها الخدماتية التي فُقدت في مجالات حيوية عدة. عدا عن التوجّه الذي يجب ان تتبنّاه السلطة تجاه المحاور التي تعصف بالمنطقة، لاستعادة الثقة الغربية والعربية بلبنان ودولته.
وإن صحّت التسريبات التي تتحدث عن انقسامات وضعت أطراف اللقاء في محور مناهض للتوجّه الفرنسي، فانّ بعضاً مما هو متداول يقول إنّ المبادرة الفرنسية باتت في مأزق. فإن أكملت باريس بطرحها فإنها تستمر في فقدان التأييد لدى المعارضة اللبنانية عموماً والمسيحية خصوصاً، وإن تراجعت عنه ستخسر الأطراف التي راهنت عليه، بعد ان تنتقل إلى موقف المعارض. علماً انّ الطرفين المؤيّد والرافض لهذه المبادرة باتوا على يقين انّ المضي في خطتها او التراجع عنها سيان. فالفرز القائم داخلياً سيبقى حائلًا دون بلوغ الحلول المرجوة، ولن يتوصل اللبنانيون الى رئيس جامع وتوافقي، ينهي المعادلة السلبية القائمة التي حالت دون انتخاب اي مرشح تحدٍ ينطلق في سباقه الى قصر بعبدا من هذا الموقع، كما هو حاصل حتى الأمس القريب في ظلّ فقدان المواصفات الجامعة.
ولذلك، تزداد المخاوف من تلاقى انقسام أطراف «لقاء باريس الخماسي» مع الانقسامات الداخلية، بطريقة ستنعكس سلباً ليس على المبادرة الفرنسية فحسب انما قد تمتد الى اطراف لقاء باريس الخماسي، إن توسع الشرخ في ما بينهم، ما يحول دون إجماعهم على أي مشروع متكامل قابل للحياة. فإن انتهت المبادرة الفرنسية التي ينتظرها اللبنانيون ستكون هناك مشكلة، وإن بقيت على ما هي عليه سيان، وستتعثر المساعي الحميدة الى درجة يمكن ان تنعكس سلباً على الوضع في لبنان، فتقود إلى مزيد من الشغور الرئاسي وانعكاساته الخطيرة على المستويات المالية والنقدية، كما هو حاصل في مصرف لبنان، وربما بلغ المؤسسة العسكرية مع نهاية العام الجاري، على الرغم من معاندتها للأزمة وتجاوزها كثيراً من معاناة ضباطها وافرادها، إن لم ينته مسلسل البحث عن الرئيس لتقليص فترة خلو سدّة الرئاسة من شاغلها الى الحدّ الأدنى.
وبناءً على ما تقدّم تبدو الايام القليلة المقبلة حبلى بالمعطيات التي يمكن ان تضيء على جوانب غامضة من الأزمة المتناسلة، وسط ازدياد المخاوف من ان ينعكس الخلاف الدولي مزيداً من الشرذمة الداخلية، وقد بلغت ذروتها بطريقة تهدّد ما بقي من ثقة ببعض المؤسسات الدستورية، ويعزّز الشكوك بعدم القدرة على إنهاض القطاع المصرفي ليستعيد نوعاً من الثقة الداخلية والخارجية التي يحتاجها للبناء عليها لمستقبل أفضل.
وبناءً على كل ما تقدّم، وفي ظلّ فقدان المعطيات عن احتمال ان يكون لدى لودريان مشروع فذ سيطرحه على اللقاء الخماسي السبت المقبل، ستزداد المخاوف من احتمال ان يشكّل اللقاء فرملة للمبادرة الفرنسية كاملة، وربما تعطيلها، لينتظر اللبنانيون مبادرة اخرى في ظل شغور قاتل يتوسع من قطاع حيوي الى آخر، وليس من بين الممسكين بزمام ما تبقّى من دولة ومؤسسات، أي خطة انقاذية تغيّر من واقع الانهيار المتمادي حتى اليوم، إلى حيث تفقتد القدرة على ترميمها و لملمتها.