النهار
بدا المشهد الداخلي في الساعات الأخيرة عرضة لتحركات ذات طابع خارجي تتصل جوانب منها بالازمة الرئاسية فيما يتصل جانب اخر بارز بالتوتر على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، بينما يعتمل في الداخل الغموض بقوة حيال الاستحقاق النقدي والمالي وسط العد العكسي لنهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الجاري.
ولعل ابرز ما تكشفت عنه هذه التحركات تمثل في توافر معلومات جديدة لدى العديد من القوى المحلية في الساعات الأخيرة عن اجتماع سيعقد للجنة الخماسية للدول المعنية بمتابعة الازمة الرئاسية في لبنان الاثنين المقبل في الدوحة والتي تضم ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا وقطر ومصر والمملكة العربية السعودية . وإذ بات شبه مؤكد انعقاد هذا الاجتماع بدعوة من قطر، أفادت معلومات انه سيكون تحت “عنوان رئيسي يتعلق بمدى نجاح البدء بالخيار الرئاسي الثالث وفق طاولة حوار توافقية ورعاية دولية”. وإذ يرجح ان يحضر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الاجتماع الخماسي في الدوحة قبل زيارته الثانية لبيروت، تبين ان المعلومات التي تحدثت عن وصول لودريان الاثنين المقبل الى بيروت لم تكن دقيقة بل ان اوساطا معنية في باريس نفت ان يكون الموعد الاثنين وتوقعت عدم وصوله قبل 24 تموز الحالي من دون ان تتطرق الى اجتماع الدوحة . ويشار في هذا السياق الى ان عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب مروان حمادة زار امس السفير السعودي في لبنان وليد بخاري وافيد انه جرى خلال اللقاء البحث في ما آلت إليه الأوضاع في لبنان من كل جوانبها وصولاً إلى اللقاء الخماسي المرتقب الأسبوع المقبل، والذي يعوّل عليه في إطار الجهود المبذولة من قبله لخروج لبنان من أزماته. واكد حماده ان لودريان سيكون الاثنين في الدوحة لينضم للمرة الأولى الى اجتماع اللجنة الخماسية وانه سيحمل لاحقا أجواء اللجنة وليس طرحا فرنسيا صرفا على ان يعود الى بيروت قبل نهاية تموز بعد زيارتين لقطر والسعودية.
وسط هذه التحركات لم تظهر أي معطيات تبعث على التعجل في الحكم على أي احتمال لترتيب طاولة حوار فيما لا يزال هذا الخيار يواجه باعتراضات شديدة من القوى المعارضة ولا سيما منها تلك التي تقاطعت على ترشيح جهاد ازعور. وفي هذا السياق بدا لافتا تصاعد الأصوات الرافضة للحوار الذي يستبق الانتخابات الرئاسية وهو موقف ينتظر ان يكرسه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في حديث تلفزيوني سيدلي به مساء اليوم. وفي الاطار نفسه حمل عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك على “الدعوة إلى حوارات جانبية باعتبارها، تشكّل استدارة على مضمون الدستور وتندرج في إطار اللعبة التي تقودها المنظومة بقيادة “حزب الله” وهي لعبة انقلابٍ على مشروع الدولة”. واعتبر أن “الشغور إن في رئاسة الأركان او في حاكمية مصرف لبنان يجب أن يسرّع العمل باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بما يسهّل هذه الأمور ضمن الأطر القانونية الطبيعية”، آملاً في “ملء الشغور في هذا الموقع وكل المواقع في أسرع وقت ومقاربة هذه المسائل من زاوية دستورية وقانونية”. بدوره، توجه النائب اشرف ريفي الى رئيس مجلس النواب نبيه بري قائلا: “يا دولة الرئيس نحن نريد انتخاب رئيس للجمهورية وفقًا للدستور، لا تتذاكى علينا، فتدفعنا للذهاب إلى الحوار لتفرض علينا امتيازات حصلت عليها بسلاحك، وتريد أن تكرسها شرعيًّا أو تطبيقًا أو بالنص”، مؤكدا ان “هذا البلد لا يستمر إلا إذا كانت الشراكة فيه متوازية”.
ميقاتي مجددا: لا للتحدي
في غضون ذلك بدا ان التطورات المتعلقة بملف حاكمية مصرف لبنان قد تتجه نحو مزيد من التوهج، اذا صحت المعلومات التي تتحدث عن اعتزام نواب الحاكم الأربعة تقديم استقالاتهم في الأيام القليلة المقبلة ولو انهم سيكلفون تصريف الاعمال والاستمرار في مهماتهم الى حين تعيين حاكم جديد. كما ان معلومات اشارت الى عودة الرئيس نبيه بري الى ابداء تحفظه عن تسلم نائب الحاكم الأول مسؤولية الحاكمية واحياء التشاور حول التمديد للحاكم الحالي.
ولكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كرر التأكيد ان “الظرف ليس مناسباً لتعيين حاكم للمركزي يؤدي إلى زيادة الشرخ القائم والانقسام الحاصل في البلاد”. واكد ميقاتي لـ”النهار” أنّه “ليس في الامكان الاحتكام إلى أسلوب التحدي وتعيين حاكم جديد رغم أنه يُعتبر الحلّ المثالي؛ ونحن نريد أن يكون حاكم مصرف لبنان بمثابة عصارة وأداة للتوافق والتأكيد على مقوّمات النجاح وألا يشكّل عاملاً للتحدي”. وشدد ميقاتي على “أمر مبدئي ومعطى مهمّ مفاده ضرورة أن يتبلور تعيين حاكم للمصرف المركزي بمواكبة من جناح رئيس الجمهورية، باعتباره مركزاً مارونياً تحصل تسميته برعايته ولا امكان أو نيّة في سحب بطاقة القوّة هذه من موقع #رئاسة الجمهورية”. واضاف، “التعيين هو أفضل الحلول ، لكنني بالتأكيد لن أسمح في ما يتسبب باستفزاز شريحة واسعة من اللبنانيين، أو بتحديها. هدفي هو جمع اللبنانيين وتمرير هذه المرحلة الصعبة في انتظار اكتمال عقد المؤسسات وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وليس التسبب بمزيد من الاشكالات والانقسامات”.
غير ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل هاجم الحكومة “التي تتجرأ بأن تفكر بالعمل جديا لتعيين حاكم مصرف مركزي ومجلس عسكري وقائد جيش لاحقا ربما بغياب رئيس جمهورية”. وقال “نحن موقفنا لا يطال الامور الاساسية للبنانيين بدليل ما فعلناه في مجلس النواب لكن هناك حدودا لصلاحية الحكومة وهي واضحة بالدستور والسكوت عن الوضع السابق اوصل الى هنا”. وأضاف: “حاولوا تمرير فكرة التمديد لسلامة وهذه جريمة بحق العدالة الدولية وليس اللبنانية فقط .اما التعيين في الحكومة فيعني “العوض بسلامتكم” على رئاسة الجمهورية”. واعتبر ان “استلام النائب الاول سليم قانونيا لكن هناك مسؤوليات معروفة من المرجعيات ويبقى الخيار الممكن والعملي هو تعيين حارس قضائي لأن مصرف لبنان بكامله هو امام القضاء”. وحذر من انه “ما لم ينتخب رئيس وحصل فراغ في المجلس العسكري فهناك مبدأ الامرة والتراتبية لها قواعدها المعروفة وطبقت في الامن العام واي محاولة للتعيين بخلاف الدستور وبتخطي وزير الدفاع هي انقلاب عسكري حقيقي لن نسكت عنه”. وقدّر باسيل الجهود الفرنسية، وقال: “نؤيّد على قاعدة المساعدة للاتفاق بين اللبنانيين، وليس لفرض رئيس عليهم”. واعتبر أن “الحوار مقبول إذا كان يمرّر حلولاً، لكنه مرفوض إذا كان لتمرير الوقت وفرض المرشحين”. وأعلن “معاودة التحاور مع “حزب الله” بذهنية إيجاد حل من دون فرض أو شروط مسبقة، وهذا الحوار بدأ بوتيرة جيدة وايجابية”.
شكوى… وهوكشتاين
في المقلب الجنوبي من المشهد اللبناني ينتظر ان يلقي الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء اليوم كلمة في الذكرى الـ17 لحرب تموز تتضمن مواقف بارزة من التوتر القائم منذ فترة على الحدود المتاخمة لمزارع شبعا والغجر . وكانت وزارة الخارجية والمغتربين اوعزت امس لبعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتّحدة في نيويورك بتقديم شكوى إلى الأمين العام للأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي حول “تكريس الجانب الإسرائيلي إحتلاله الكامل وإستكمال ضم الجزء الشمالي اللبناني لبلدة الغجر الممتد على خراج بلدة الماري ما يشكّل خرقًا فاضحًا وخطيرًا، يضاف إلى الخروقات الإسرائيلية اليومية والمستمرة للسيادة اللبنانية وللقرار 1701 (2006).” وأعلنت الوزارة أنها طلبت من البعثة “إدانة هذا الخرق المتعمد للسيادة اللبنانية والإنسحاب الفوري وغير المشروط من كافّة الأراضي اللبنانية المحتلّة”.
في المقابل برز تطور لافت اذ كشفت القناة “12” الإسرائيلية امس عن لقاء أجراه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع آموس هوكشتاين المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي وصل إلى تل أبيب في زيارة سريّة لبحث قضية خيام “حزب الله” وتطبيع العلاقات مع السعودية. وأشارت القناة إلى أنّ جدول أعمال هوكشتاين “تضمّن البحث في جهود الوساطة الأميركية لتهدئة الوضع والتوترات مع “حزب الله” عند الحدود”. وينص المقترح الأميركي، بحسب القناة الاسرائيلية على سحب خيام “حزب الله” وعناصره مقابل وقف بناء الجدار الأمني الإسرائيلي في قرية الغجر الذي يعتبره الحزب انتهاكاً للسيادة.
وفي معلومات ديبلوماسية ان إسرائيل أبلغت الجانب الاممي بان النقاط السبع الحدودية العالقة في ترسيم الخط الزرق لا تريد التفاوض حولها مع لبنان ولا تبدي اهتماما بذلك .