حراك لودريان في "عنق الزجاجة".. ومُهمّة الفرصة الأخيرة!
حراك لودريان في "عنق الزجاجة".. ومُهمّة الفرصة الأخيرة!

أخبار البلد - Thursday, June 22, 2023 6:00:00 AM

إبراهيم ناصرالدين - الديار 

لا احد ينتظر نتائج حاسمة لزيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت. باريس دون دعم جدي من السعودية والولايات المتحدة الاميركية، غير قادرة على انتاج الحل المنشود، لسبب بسيط وهو انها لا تملك ادوات الاقناع او الضغط على القوى السياسية اللبنانية المتقاطعة على رفض "سلة" التسوية "المقايضة" التي تتبناه، ولا تملك الادوات لاقناع "الثنائي" بافكار جديدة لا يراها منطقية. ولهذا وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية بالامس زيارته بانها "مهمة شبه مستحيلة".

فاذا كانت مهمة لودريان لا يدخل في سياقها محاولة الضغط باتجاه تأييد فرنجية، او لتمهيد الطريق أمام خيار ثالث، فان حضه الجميع على الحوار والخروج من إطار المواجهة لن يكون كافيا لنجاح المهمة، خصوصا ان ما تلقاه من دعم سعودي يبقى مبهما وينحصر في اطار اعلان الاستعداد "للتعاون" دون ان يترجم عمليا على ارض الواقع لدى حلفاء المملكة، الذين يستفيدون من حيادها الايجابي للتمسك بمواقفهم، وعدم ابداء اي ليونة حتى الآن، بل يجاهرون في اعلان رفضهم "للوصاية" الفرنسية الجديدة، التي تتجاهل برأيهم "الاجماع" المسيحي، وهو امر سيسمعه لودريان من كافة الاطراف المعترضة، وفي مقدمتها رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي سيشرح له اسباب رفضه للمقايضة او عملية الفرض الرئاسي على شريحة كبيرة يمثلها، وتعتبر ان رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية جزء من "المنظومة" وليس رجل الاصلاح، الذي يمكن ان يعول عليه في المرحلة المقبلة!

ووفقا لمصادر مطلعة على الموقف الفرنسي، فان باريس تعرف جيدا مواقف الجميع وهي تدرك تفاصيل كثيرة تحاول بعض القوى التعمية عليها اعلاميا، لكن لودريان سيجاهر بها صراحة ودون "قفازات". وهو سيبلغ من يلتقيهم بان باريس ليس في مهمة انتهازية للحصول على مكاسب اقتصادية تبدو صغيرة بحجمها، امام استثمارات ضخمة في اماكن اخرى، وربما آخرها الاتفاقات الاقتصادية مع السعودية بمليارات الدولارات. لكن باريس تريد ان تؤكد التزامها بالملف اللبناني الّذي تخلى عنه كثيرون، في وقت لم يشترك الأميركيون أو السعوديون بشكل فعلي في إيجاد مخرج للازمة، اي ان المبعوث الفرنسي سيقول اننا الوحيدون المهتمون فلا تفوّتوا هذه الفرصة، لان كل من التقيناهم بمن فيهم السعوديون قالوا انهم تعبوا من الملف اللبناني؟!

 
هذه الفرصة لا تبدو سانحة لاسباب كثيرة، اهمها برأي تلك الاوساط، ان كل طرف يراهن على تعب الآخر على المستوى الداخلي، واذا كان الفريق المناهض لحزب الله سيبقى متمسكا بمواقفه لمنع مرشح "الممانعة" من الوصول الى بعبدا، الى حين دخول الرياض او واشنطن على خط الضغوط المباشرة لفرض "المقايضة"، فان "الثنائي الشيعي" ومن معه من حلفاء غير مستعجلين. فالحزب، بحسب مصادر مقربة منه، يقف على اعتاب انتصار جديد في المنطقة عنوانه الاتفاق النووي المؤقت المرتقب بين طهران وواشنطن، وهو يأتي بعد اشهر قليلة من اتفاق بكين بين السعوديين والايرانيين. وهو تطور يتجاهله رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، و"ينظّر" على الحزب بملف الفساد ويتهمه بمحاولة فرض رئيس على المسيحيين، ويرفض "المناقشة" وليس "المقايضة" في الملف الرئاسي ما دام ترشيح فرنجية لم يسحب من التداول، وهو امر رد عليه على نحو مباشر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بالامس قائلا "انه لا يمكن أن تُفتح كوّة في الأفق المسدود إلاّ بالحوار من دون اشتراط إلغاء أيّ اسم على طاولة الحوار، ولا اشتراط إلغاء أيّ نقاش أو موضوع"!

هذه السلبية تقفل المخارج وتجعل مهمة لودريان صعبة، ووفقا لتلك الاوساطـ، ثمة عتب كبير من الحزب على باسيل الذي يعرف عنه انه رجل "المقايضات"، منذ ما قبل رئاسة الجنرال ميشال عون وما بعدها، وهو كان يحمي ظهره بالتحالف مع حزب الله لنسج تسويات مصلحية ضيقة على المستوى الداخلي، واليوم يريد ان يفرض على الحزب وجهة نظره الرئاسية دون نقاش، ولاسباب شخصية بحتة لا استراتيجية. ولهذا يدير الحزب "ظهره" لكل ما يصدر عنه من اتهامات ويرد عليه عمليا من خلال تغطية جلسات الحكومة التي تواصل تسيير الاعمال، واكثر بقليل، لان البلد لا يمكن ان يصاب بالشلل بسبب عناد البعض من الذين لا يقرؤون جيدا التحولات في المنطقة والعالم.

وفي هذا السياق، تذكر تلك الاوساط، بما ورد بالامس في تقرير للمعهد القومي للدراسات الاستراتيجية في "اسرائيل"، الذي تحدث باسهاب عن تداعيات اقتراب إيران والولايات المتحدة من بلورة تفاهمات نووية مرحلية. واشار الى ان ايران ستوقف استمرار تخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة، وستمتنع عن مواصلة التقدم في المشروع النووي العسكري. في المقابل، ستتعهد الولايات المتحدة برفع جزئي للعقوبات، وضمن ذلك تحرير نحو 20 مليار دولار محتجزة في أرجاء العالم. والحديث لا يدور عن صفقة جديدة تستبدل الاتفاق الأصلي. لذلك، الإدارة الأميركية غير ملزمة بتقديم هذه التفاهمات لمصادقة الكونغرس عليها، وهي بهذا تلغي ضغوط إحباط هذه العملية... في المقابل اقر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن قدرة "إسرائيل" على منع تبلور التفاهمات محدودة جداً.

ويقول المعهد، ان المغزى الأساسي من التفاهمات الآخذة في التبلور، هو أن إيران تتنازل عن الاختراق الفوري للحصول على السلاح النووي. ولكنها تراكم إنجازات في عدة مجالات. أما على الصعيد السياسي، فهي تحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بشكل يبعد عنها التهديد باستخدام الخيار العسكري. في الوقت نفسه، تتركز التفاهمات الآخذة في التبلور على موضوع النووي العسكري، بصورة تبقي لإيران هامش عمل لمواصلة عملية زيادة القوة في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المسلحة، واستغلال تحرير الأموال لمواجهة الأزمة الاقتصادية في الداخل، وتعميق دعمها لامتداداتها.

في موازاة ذلك، تستثمر إيران في توسيع المحور الاستراتيجي مع روسيا والشركة العسكرية – التكنولوجية معها، وتحسين العلاقات الاستراتيجية مع الصين. كل ذلك إضافة إلى استمرار عمليات المصالحة مع العالم العربي والنجاح في قمع أعمال الشغب في الداخل. هذه التطورات ربما تزيد الشعور بالثقة بالنفس لإيران لتحدي "إسرائيل" بشكل مباشر أو بواسطة امتداداتها في المنطقة. في المقابل يسمح هذا التطور – وفق رؤية الإدارة الأميركية- بتركيز الاهتمام على التحديات الملحة للولايات المتحدة، وهي المواجهة المتطورة مع الصين والحرب في أوكرانيا. ومن زاوية "إسرائيل"، فإنه إذا تحققت هذه التفاهمات الجديدة كبديل عن الاتفاق، قد تظهر وكأنها فقدت الذخر الاستراتيجي، وأنها باتت وحدها ضد المشروع النووي الإيراني. عملياً، لن تتوقع "إسرائيل" دعماً دولياً لعملية عسكرية ضد إيران بشكل يقيد حرية عملها الاستراتيجي ضد المشروع النووي العسكري. وهذا سيعزز مستوى الجرأة المتزايدة لحزب الله الذي تتعاظم ثقته بنفسه، كما يقول التقرير.

 

امام هذه المعطيات، تبدو المبادرة الفرنسية في "عنق الزجاجة"، ولن تنجح في الخروج منها الا بدعم اميركي – سعودي واضح، يسمح بالضغط على القوى الممانعة للتسوية، لان "الثنائي" لا يبدو في وارد تقديم تنازلات، فيما يبدو باسيل دون استراتيجية خروج من "المأزق" الراهن، فلا القوى "المتقاطعة" تراه حليفا، بل تشكك في مصداقيته، فيما حليفة السابق لا يتفهّم دوافعه الشخصية مهما حاول الباسها زيا طائفيا او سياسيا، يبدو فضفاضا ولا يستهوي احدا.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني