dw
فوز الرئيس التركي أردوغان بولاية ثالثة يطرح تساؤلات حول تأثير ذلك على العالم العربي. وفيما يتخوف البعض من "استمراره في استعراض قوته"، يرى خبراء أن بقاءه لم يعد يقلق الكثير من الدول العربية بعد المصالحات الأخيرة معها.
"فوز أردوغان بفترة رئاسية أخرى"، خبر كان من شأنه -ربما- أن يدق ناقوس الخطر في فترة من الفترات في كثير من الدول العربية، لكن بعد اتخاذ الرئيس التركي مواقف أكثر تصالحية في السنوات الأخيرة، يرى خبراء أن انتصاره في الانتخابات لن يثير قلقًا يذكر -على الأغلب- بالنسبة لغالبية تلك الدول.
وقد فاز أردوغان بولاية رئاسية جديدة الأحد (28 أيار 2023) في جولة الإعادة أمام زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، طبقا لما أعلنته اللجنة العليا للانتخابات.
طوال حكمه الممتد لعقدين، تبنى أردوغان سياسة إقليمية قوية واستعرض قوة تركيا العسكرية في الشرق الأوسط وخارجه، فشن عمليات توغل في سوريا أدت إلى الاستيلاء على جيوب حدودية فيها، كما أرسل قوات لمحاربة مسلحين أكراد في العراق ودعم قوات حكومة الوفاق الوطني في ليبيا وتحدى قوى أخرى في الشرق الأوسط.
لكن مع تعثر الاقتصاد التركي، عدّل الرئيس التركي نهجه وتوصل إلى تسويات مع منافسين مثل الإمارات والسعودية، لكن دون سحب القوات التركية على الأرض. وفي حين أن بعض الجماعات الكردية مازالت تعتبر أردوغان عدوًا، باتت معظم حكومات الشرق الأوسط تعتبر الزعيم التركي جزءًا من واقع راهن مقبول في منطقة مضطربة. وقال المعلق السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله: "دول الخليج تفضل الاستمرارية على التغيير.. فالشخص الذي نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه".
واختلف أردوغان مع الإمارات والسعودية ومصر بشأن دعمه للإسلاميين بعد الربيع العربي. كما ساءت علاقات أنقرة بالرياض في 2018 على اثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول.
ترميم العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر
لكن مع انتهاء معظم الانتفاضات وضعف جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة، ومع مرور تركيا بأزمة اقتصادية، ضاقت شقة الخلاف بين تركيا والدول الثلاث إلى حد بعيد. وأصلح أردوغان العلاقات مع الإمارات في 2021 ومع الرياض في 2022 مقابل الحصول على الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية. ودشنت تركيا حملة دبلوماسية في 2021 تمخضت عنه زيارات رسمية وصفقات استثمارية في وقت أزمة عميقة للاقتصاد التركي. ووافقت السعودية على إيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي.
وقد ذكر أردوغان قبل جولة الإعادة بثلاثة أيام أن دولًا خليجية أرسلت في الآونة الأخيرة تمويلًا إلى تركيا، ما ساعد لفترة وجيزة في تخفيف الأعباء عن كاهل البنك المركزي التركي والأسواق، وتابع أنه يعتزم الاجتماع مع قادة تلك الدول وتوجيه الشكر لهم.
وتتحسن علاقات تركيا مع مصر أيضًا بعد سنوات من توترها بسبب معارضة أنقرة إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013. وفي آذار زار وزير الخارجية التركي القاهرة للمرة الأولى منذ عقد.
وساعد هذا النهج التصالحي أيضًا على تهدئة الصراع في ليبيا، حيث كانت الإمارات ومصر قد دعمتا القوى المهيمنة على شرق البلاد في مواجهة حكومة طرابلس المدعومة من تركيا.
وفي ظل السلام غير المستقر منذ أن أنهت القوات التركية هجومها في الشرق عام 2020، أصبح لدى أنقرة الآن علاقات عبر خطوط المواجهة القديمة.
ويقول دبلوماسيون إن العلاقات الدافئة جعلت من السهل على الأطراف الليبية المتحاربة الالتزام بوقف إطلاق النار. وقال طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لرويترز: "الأمور تسير كالمعتاد (بعد الانتخابات) وستظل تركيا القوة المؤثرة التي يتطلع الجميع للعمل معها".
أردوغان والأسد وقرع باب المصالحة!
حين بدأت الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، دعم أردوغان المعارضة وجهودها، التي باءت بالفشل لاحقًا، للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. لكن مع عبور ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا وبعد أن أصبح للمقاتلين الأكراد وجود على الحدود، غيّر الرئيس التركي محور تركيزه. وعمل مع داعمتي الأسد الرئيسيتين، روسيا وإيران، لاحتواء الصراع في بعض الأحيان، بينما كان يرسل قوات إلى سوريا إلى جانب قوات المعارضة المسلحة لانتزاع السيطرة على الأراضي من الجماعات الكردية.
كما استضافت تركيا في ظل حكم أردوغان ما لا يقل عن 3.6 مليون لاجئ سوري يتزايد عدم الترحيب بهم وسط المتاعب الاقتصادية في تركيا.
وفي مناطق المعارضة بسوريا، حيث ساعد الدعم التركي في صد هجمات الحكومة السورية، أعرب البعض عن دعمهم لأردوغان خوفًا من أن ينهي كليجدار أوغلو دعم أنقرة العسكري ويعيد اللاجئين إلى سوريا.
وأعادت تركيا التي تدعم المعارضين المسلحين السوريين الاتصالات مع الأسد بتشجيع من روسيا. لكن الأسد رفض أي لقاء مع ما لم تنسحب القوات التركية من شمال سوريا، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كان أردوغان سيقدم للأسد ما يريده.