ميسم رزق - الأخبار
إذا أرادَ «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» تجاوُز تاريخ المواجهات الدموية بينهما، فإن تاريخ التفاهمات القريبة، كتفاهُم معراب، لا يسمح بجعل علاقتهما أفضل. ومحاولة استيلاد «معراب 2» برعاية حزب الكتائب، لتعزيز فرص سقوط سليمان فرنحية من لائحة المرشّحين الرئاسيين، مغلولة بمنافسة شديدة على لقب «الصوت الذهبي» في الشارع المسيحي الذي يحكم مسار الانتخابات الرئاسية. لكنها منافسة تُحاول مصادر الأطراف الثلاثة طمسها من باب عدم إشاعة مناخات تشاؤمية على «مشهد الانسجام»، حيث الجهد مستمر للاتفاق على عنوان «الاتحاد المسيحي».
رغم ذلك، فإن تراجع منسوب التفاؤل بقدرة الأطراف الثلاثة على صياغة اتفاق يجمع الكتل المسيحية خلف اسم موحد للرئاسة، بات يحرج القوى التي تحملهم مسؤولية تعطيل الانتخابات. إذ تبين أن الاتصالات التي يتولاها النائب سامي الجميل بين القوات والتيار و»نواب التغيير» لم تُسجل خرقاً جديداً، باستثناء الاتفاق على «التصدي للمرشح المدعوم من ثنائي حزب الله وحركة أمل». وبقيت الخطوات التقنية المطلوبة لإنجاز الاتفاق متوقفة عند حسابات كل طرف، في انتظار «تبلور الموقف الأخير لرئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل» على ما تقول مصادر مطلعة.
أين تكمُن المشكلة؟
تُجمِع مصادر الأطراف على إيجابية واحدة وهي «فتح باب للتواصل المباشر بين كل القوى المعارضة لفرنجية». لكنها أيضاً تُجمع على سلبيات عدة تُعيق وصول الاتفاق إلى خواتيمه المرجوة، والتي تختصرها بأن القوات والكتائب و«التغييريين» ينتظرون الموقف النهائي لباسيل، وهم يعتقدون أنه «لن يذهب إلى مرشح لا يقبل به حزب الله، حتى لو أجمع حوله المعارضون». ولم تعُد الشكوك حبيسة الغرف المغلقة، بل خرجت إلى العلن، وعبّر عنها بوضوح النائب بيار بو عاصي أخيراً بالقول إن «لا ثقة بباسيل من الناحية الأخلاقية ولا السياسية. فهو لم يُطبّق سابقاً ما اتفق عليه، وسرعان ما تنصّل من مضمون اتفاق معراب ولم يلتزِم ميثاق الشرف».
كما تبين أنه حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، لم يكُن أي من الأطراف قد تبلّغ جديداً من باسيل، وهو ما اعتبرته المصادر «إشارات سلبية»، لأن إنجاز الاتفاق يجب أن يكون «على الحامي»، و«كل يوم تأخير يعززّ فرصة العودة إلى الاشتباك السياسي».
لكن اللافت في حديث مصادر الوسطاء، هو الإشارة إلى بروز أصوات من داخل القوات تعترض على الوزير السابق جهاد أزعور، بعدما سبق لقائدها سمير جعجع أن رفضه. وتعتبر هذه الأصوات أن الاتفاق مع التيار يجِب أن يتم «وفقَ شروط القوات لا وفقَ شروط باسيل»، و«من غير المقبول أن يظهر باسيل في موقع من أتى بالمسيحيين إليه حتى لا يستثمر ذلك في إطار الضغط على الحزب لتحقيق مكاسب له».
أما بشأن قرار المشاركة في أي جلسة انتخاب يدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري. فإن التيار لم يتخذ بعد موقفاً واضحاً بشأن تأمين النصاب، بينما ألزمت القوات نفسها بـ«عدم المقاطعة» من خلال البيان الذي أصدرته أمس رداً على بري داعية إياه إلى «الدعوة إلى جلسة نيابية مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية»، ومؤكدة أن «المعارضة كفيلة بتدبير أمورها بنفسها وهي جاهزة في كل لحظة للذهاب إلى جلسة انتخابية». لكن يبدو أن للكتائب وجهة نظر أخرى أعلن عنها الجميل في حديث لقناة «أم تي في»، إذ قال «إننا سنُعطل الجلسات لمنع انتخاب فرنجية وجاهزون للعقوبات، وباسيل اليوم أمام اختبار مهم».
إلى ذلك ينبغي الالتفات إلى النوايا المُبيتة لكل من الأطراف الثلاثة في إدارة الاتفاق لمصلحته، وإظهار نفسه باعتباره الجهة التي استطاعت توحيد المسيحيين حولها، وتجيير ذلك في حسابات سياسية مع الداخل والخارج، ما قد يمنعها من «تقديم المصلحة العليا على مصالحها الضيقة». وفسر معنيون بالملف الرئاسي تلميح رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط إلى أن البعض «يريد الفراغ»، بأنه عنى القوات من دون أن يسميها.
إلى ذلك، فإن الأمر الأساسي الذي لم تبتّ به المفاوضات بعد هو أن الأسماء التي تُطرح لا تزال موافقتها غير مضمونة. فأزعور، مثلاً، الذي يتقدّم ترشيحه على بقية الترشيحات، يرفض بحسب المعلومات «أن يكون مرشّح تحدّ، هو أبلغ من يعنيهم الأمر أنه لن يأتي إلا بتوافق وبضمان النجاح، وأنه يحمل برنامجاً اقتصادياً يحتاج إلى بيئة مؤاتية لتنفيذه، وإذا كانَ عنوان المرحلة المقبلة، عنواناً خلافياً، فهو بغنى عن أن يكون جزءاً من هذا المشهد».