النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
تابعت مساء الأحد الماضي مقابلة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل مع ماريو عبّود، الإعلامي المرموق والموثوق، فعجبت لتطابق كثير من طروحاته مع تفكيري، فيما كنا في السابق، أثناء مزاملتي له في حكومة الرئيس تمام سلام نختلف على الشاردة والواردة، فقلت لنفسي، إن معاليه لو مارس أثناء توليه الحكم نصف ما أدلى به، لما وصل لبنان لما وصل إليه، بل ربما كان في ذلك يقدّم أوراق اعتماد عملية عن جدارته الرئاسية.
لم أعتد على رؤيته وديعاً كالحمل، يسلس ثغاءه للراعي ماريو الذي لم يتورّع عن الهش بعصاه كلّما دعت الحاجة. وكان أقرب إلى المحلل السياسي الحيادي منه إلى رئيس حزب متحيّز، حيث أكد على حقائق مهمة، وهي أن فريقاً لن يستطيع أن يفرض رئيساً بإرادته المنفردة، وأنه مستقلّ عن حزب الله في هذا المجال تماماً، بل مختلف معه، وأنه يريد أن يفتح صفحة جديدة مع القوى التي تصارع معها وألصق بها أقذع التهم، وتحدّث مطوّلاً عن ضرورة تظهير إرادة مسيحية موحدة لرسم ملامح الرئيس الجديد وفقاً لرؤى واضحة وبرامج ملموسة. ولم يتوانَ عن الجهر بأن لبنان لا يستطيع أن يقيم طويلاً في متراس المقاومة، إذ لا بد من الإصلاح وإعادة تعمير البنى التحتية وتأمين الكهرباء مستشهداً بإيران التي لم تمنعها قيادتها للصراع من الالتفات إلى شؤون مواطنيها وتأمين مصالح الدولة. لكن اللافت في كلامه تلك العاطفةُ الجياشة التي أبداها لوليّ عهد المملكة العربية السعودية والاعجاب بإنجازاته. فكأنه بما ذكرت نجم جديد يبزغ في السماء السياسية لا يبثّ إلا النور الهادىء، فيما كنا نراه سابقاً نيزكاً ملتهباً يتهدد الأرض بويل عظيم.
هذا ما رأيته في الجزء الأول من كلامه، أما في الجزء الثاني، فقد لاحظت أن ذاكرته قد خانته عندما تحدث عن ملف اللاجئين السوريين لأنه أغفل ذكر السياسة التي اتّبعتها حكومة الرئيس سلام، وقد كان جزءاً أصلياً من تلك السياسة، رغم التباينات الكثيرة التي كانت بيننا، واكتفى بكلام مطلق يتجاوز الانجازات التي تحقّقت، ثم جرى نسيانها، وإهمال الحلول العملية التي كانت قيد التنفيذ بالذهاب إلى خطاب تحريضي لا ينفع في إعادة لاجىء واحد إلى أرضه.
أما ثالثة الأثافي فطريقة تناوله لمسألة الرئيسة غادة عون، النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، إذ قزم الأمور ونسب إليها هنات هيّنات، كالخروج عن مبدأ التحفظ ورفض التبليغ وأشياء خفيفة من هذا القبيل، فكان بهذا يسنّ أصولاً جديدة ومواصفات غريبة للقاضي الذي أجاز له أن يستبيح كل الأعراف والنصوص إذا كان قصده شريفاً.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإنني أجد من واجبي أن أعلّق على موضوع القرار التأديبي الصادر بحقّ الرئيسة عون، بكل تحفّظ، وأسجّل الآتي:
- إن المظاهرات السياسية المؤيدة لها، تسيء إلى قضيتها وتضعها في منطقة حزبية لا ينبغي لها أن تكون فيها.
- إن إلصاق التهم بالمجلس التأديبي ينطوي على تعسّف هائل، لأنه مكوّن من رؤساء محترمين، ما عرفت عنهم إلا الرصانة والرجاحة.
- إن القرار التأديبي ظهر إلى العلن بفعل الرئيسة عون شخصياً، عندما تبلغته إذ قادت جمهرة تحتجّ عليه امام باب رئيس المجلس في قصر العدل.
- إن قرار الصرف الذي صدر بحقّها مختلف عن قرار العزل، لانه لا يمنعها من أن تحصل على مستحقاتها كاملة.
- إن القرار قابل للاستئناف أمام المرجع الأعلى، فإذا انطوى على خطأ، فمجال التصحيح مفتوح، وإن أصاب أبرم، بمعزل عن الأجواء الدراماتيكية التي صارت بدعاً أدخلها بعض القضاة على وقار القضاء وتاريخه وقدره الجليل.
وفي الختام أوجه تحيّة لصديقي سجعان (قزّي) الذي وصفته أمس في جريدة "النهار" بانه قبيلة من الشجعان.