ما هو اتفاق 17 أيّار؟ حتى لا ننسى
ما هو اتفاق 17 أيّار؟ حتى لا ننسى

أخبار البلد - Saturday, May 13, 2023 10:51:00 AM

الأخبار 

أسعد أبو خليل 

كلُّ ما نسمعه عن اتفاق 17 أيّار هو إمّا غير دقيق أو غير صحيح أو هو من مخيّلة من لم يكن متابعاً للمفاوضات التي أدّت إلى الاتفاق الرسمي (ثاني اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة عربيّة). والذاكرة التاريخيّة يُعاد صوغها في زمن التحالف الخليجي مع إسرائيل (النظام القطري يتعاطف مع أوكرانيا في سنة أكثر مما تعاطف مع شعب فلسطين وليس مستبعداً أن تكون أنظمة الخليج تقدّم مساعدات عسكريّة سراً لأوكرانيا. والعيون الزُّرق والشعر الأشقر يُفتنان حكام الخليج). اتفاق 17 أيّار كان إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني. كان الاتفاق خروجاً شبه رسمي للبنان من الجامعة العربيّة، وهو ذهبَ أبعد من اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير. من دون مبالغة، لقد اعتنق لبنان الرسمي الصهيونية من خلال الاتفاقيّة وقبول توقيعها. والانخراط اللبناني في الصهيونية كان متعدّدَ الطوائف. صحيح أن الرئيس اللبناني الماروني كان قبل الطائف حاكماً مستبداً لكن كانت هناك مشاركة من زعماء مسلمين متنوّعين: مثل شفيق الوزان وكامل الأسعد ورجال دين من كل الطوائف، وخصوصاً المارونية والشيعيّة. اتفاق 17 أيّار دليل على قدرة أي محتل على تغيير الثقافة السياسية والشعبية لبلد ما بسرعة هائلة إذا كان هناك فريق متعاون مع الاحتلال الأجنبي. هذا جرى في أوروبا خلال الحكم النازي وجرى في لبنان. الإعلام اللبناني شارك في مسرحية التطبيع يومذاك.لقد أصدرت الحكومة اللبنانيّة في أيّار 1983 «كتاباً أبيض» بعنوان «وثائق اتفاق جلاء القوات الإسرائيليّة». وفي متن الكتاب تقرأ ما يناقضُ كل ما يُقال اليوم عن الاتفاق من قبل 14 آذار (بيمينه ويساره وتغييريّيه—أي فريق السعودية والإمارات بينكم). لم يكن الاتفاق هو «اتفاق جلاء» القوات الإسرائيليّة كما يُشاع. لا، كان ببساطة استسلاماً قانونياً من لبنان لإسرائيل وضمّ لبنان إلى صف حلفاء إسرائيل حول العالم. في اتفاق 17 أيّار جاهرَ الحكم في لبنان بما كان مُضمراً من عام 1948 حتى عام 1983: أن لبنان كان معادياً لشعب فلسطين وقضيّته ومناصراً لإسرائيل ومواطنيها من غير العرب. لا نعلم الكثير عن ملابسات التحضير للاتفاق وعن تشكيل الوفد اللبناني في المفاوضات. يقول شهود عيان من تلك الفترة إن الوفد العسكري الذي كان يذهب إلى فلسطين المحتلّة كان يضمّ خليطاً طائفياً للصور. لكن عندما كانت تبدأ المفاوضات كان يشارك فيها فقط ضباط من طائفة واحدة لأن نظام أمين الجميّل لم يثق بضباط باقي الطوائف مع أن بعضهم كان معتنقاً الانعزالية.كيف أصبح السفير (المتقاعد) أنطوان فتال رئيساً للوفد اللبناني؟ هل كانت كتاباته بالفرنسيّة في ذم الحضارة الإسلاميّة مرتبطة بتعيينه مثلاً؟ لا نعلم بالتأكيد إذا كان مثل إلياس ربابي يمثّل لبنان في عواصم مختلفة ويتواصل مع الدبلوماسيّين الإسرائيليّين فيها. لكنّ خطابه في افتتاح حفلة 17 أيار كافٍ كي نعلم الكثير عنه. ماذا قال في جلسة الافتتاح يوم 28 كانون الأول 1982؟ قال للإسرائيليّين إن لبنان «محبٌّ للسلام بطبيعته وتقاليده». قال ذلك فيما كانت قوّات الاحتلال الإسرائيلي تطلق الرصاص عشوائياً على أهل الجنوب وكانت تحرق البساتين كي لا يختبئ فيها مقاومون. ويعترف فتّال للمرة الأولى منذ 1948 بأنّ لبنان كان يكذبُ عندما كان يوقّعُ على اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، إذ يقول بالحرف: «وقد رفض لبنان باستمرار اتخاذ المواقف التي كان يمكن أن تستدرجه إلى نزاعات مسلّحة أو تهدد سلامة حدوده». هنا اعتراف صريح بعقيدة فؤاد شهاب العسكريّة-السياسيّة: أن لبنان لم يكن يحترم توقيعه منذ 1948 على الاتفاقات العسكريّة العربيّة وأنه كان ينسّق سراً مع إسرائيل لنبذ التزاماته العربيّة كافةً. ويذكّر فتال بتوقيع لبنان على اتفاق الهدنة ويقول عنه: «وقّعَ لبنان من غير تحفظ اتفاق الهدنة مع إسرائيل». ويجب التنويه بأن المراجع العبريّة أوردت في السنوات الماضية تفاصيلَ عن جلسات اتفاق الهدنة وكيف أن الضابط المسؤول، المقدّم توفيق سالم، فاجأ الضباط الإسرائيليين بالقول: «نحن لسنا عرباً». ويرد في كتاب «المتاهة اللبنانيّة» كيف أن عضوَي الوفد اللبناني (الدبلوماسي المدني، محمد علي حمادة والعسكري سالم) بحثا التطبيع مع إسرائيل لكن من خارج أجندة ومحضر الاجتماع وأصرّ أعضاء الوفد على تقديم واجب الضيافة للوفد الإسرائيلي (حتى الساعة يرد في موقع الجيش اللبناني على الإنترنت دراسة عن اتفاقية الهدنة بقلم العميد الركن المتقاعد، رياض شيا، يرد فيها أن التزام إسرائيل باتفاقية الهدنة بين 1949 و1967 كان «مقبولاً بصورة عامة». كان ذلك يوم كانت قوات الاحتلال تخترق الحدود متى تشاء وتقتل على الحدود من تشاء ويوم أطلقت النار على طائرة مدنية لبنانيّة في 24 تمّوز من عام 1950). يقول فتّال لأعضاء الوفد الإسرائيلي إن لبنان وقّع اتفاقيّة الهدنة «من غير تحفّظ» وإن للاتفاق «طابعاً دائماً ونهائياً». كيف يكون اتفاق هدنة دائماً ونهائياً إلا إذا كان فتال يقصد أن لبنان تحلّل من أي التزام عربي بالقضية الفلسطينية منذ أن وقّع الاتفاق وأن أي عدوان إسرائيلي ضده وضد أي بلد عربي لم يكن سيؤثر على التزام لبنان باحترام احتلال إسرائيل لفلسطين.

ويختلف فتّال مُحقاً مع إسرائيل في أن لبنان لم يخرق اتفاق الهدنة في عام 1967. لبنان لم يناصر الدول العربيّة الثلاث في حرب 1967 لا بل إنه أرسل تطمينات سريّة من شارل حلو في أنه ليس في وارد مساندة العرب، وإنه على الأرجح يتضرّع لنصر إسرائيلي مبين. فتّال يذكر أن لبنان «لم يعلن الحرب على إسرائيل في عام 1967 ولا خاضها ولا قام بأيّ أعمال عسكريّة» (وحدث الشيء نفسه في حرب 1973). ويتنصّل فتّال من الوجود الفلسطيني في لبنان ويقول: «الوجود الفلسطيني على أرضنا الذي كان مصدر اضطرابات خطيرة لم يكن لبنان مسؤولاً عنه». لم يذكر فتّال مَن الذي كان مسؤولاً عن الوجود الفلسطيني على أرضه ولم يذكر أن الاضطرابات الخطيرة التي يتحدث عنها لم تكن إلا مجموعة من أعمال العدوان الإسرائيلي على لبنان، من خارج اتفاق الهدنة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني