رفيق خوري
نداء الوطن
لا مجال لإنكار التبدل الذي حدث في موازين القوى السياسية. وهي، بطبائع الأمور في لبنان قوى طائفية ومذهبية. لكن استخدام موازين القوى في اللعبة الداخلية، ولا سيما في الإستحقاق الرئاسي أو تعطيله، هو مسألة خطرة وخطيرة لأسباب أبرزها أربعة.
أولها السير، لا فقط في الإتجاه المعاكس لبناء الدولة بل أيضاً في الهروب من مفهوم الدولة. وثانيها أن موازين القوى معرضة للتغير، وبالتالي للإستخدام من جديد في اللعبة، وقد دفعنا ثمن التجربة مع الموارنة، ثم مع السنّة، والآن مع الشيعة. وثالثها أن موازين القوى الداخلية متأثرة بالرياح الإقليمية والدولية ومرتبطة بموازين القوى الخارجية، وهذه متغيرة أيضاً، وقد رأينا كيف انتهت تجربة إسرائيل وتجربة سوريا، وتجربة أميركا وتجربة فرنسا وتجربة مصر، ولن تكون تجربة إيران إستثناء. ورابعها أن موازين القوى توازنها وتضبط حركتها موازين المصالح. فالبلد يقوم على وحدة المصالح، لا على الخلل في موازين القوى. والجمهورية تكون للجمهور المتعدد على قدم المساواة أو لا تكون.
وحين يعلن "حزب الله" بلسان النائب محمد رعد أن "إختيار الرئيس له علاقة برسم المسار الإستراتيجي"، فإن السؤال هو: أي مسار إستراتيجي؟ المسار الإستراتيجي لـ"المقاومة الإسلامية" التي هي جزء من "محور المقاومة" بقيادة إيران دعماً لمشروعها الإقليمي ودفاعاً عنه، أم المسار الإستراتيجي لمستقبل لبنان ومصيره؟ وماذا عن الخطر على الوجود اللبناني وهوية الوطن الصغير وتاريخه وعلاقاته التقليدية الطبيعية مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين؟
وهل المسألة الملحة في لبنان هي الألعاب الإستراتيجية والجيوسياسية أم إخراجه من هوة الأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية العميقة، وإنقاذه من المافيا المتسلطة عليه والناهبة للمال العام والخاص؟ وماذا يفعل "حزب الله" بكل قوته وسلاحه ودوره الإقليمي حين يكون لبنان ضعيفاً ومستضعفاً ولا دور له أو حضور في بحث قضاياه عربياً ودولياً، في حين أنه مسرح لكل الأدوار؟
الضائع في زخم التوظيف المكشوف لموازين القوى المتبدلة ليس فقط موازين المصالح بل أيضاً ما تسميه "الإيكونوميست"البريطانية "توازن المخاطر". والغائب طبعاً هو توازن الفرص أمام اللبنانيين. فالفارق كبير بين ما يشكل خطراً على لبنان ومصيره وما يشكل خطراً على المشروع الإقليمي الإيراني وإستراتيجيته. والنظر الى ما يهدد هيمنة "الثنائي الشيعي" على البلد يجب أن يوازنه النظر الى ما يهدد بناء الدولة ويمنع السير في إتجاه الدولة المدنية في لبنان.
كان فريديريك الكبير يقول: "ديبلوماسية بلا قوة مثل الموسيقى بلا آلات". والمشكلة في لبنان أن الآلات حاضرة، لكن الموسيقى رديئة.