دوللي بشعلاني - الديار
بات مؤكّداً أنّ أعمال التنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان ستبدأ في أيلول المقبل، على أن يتبيّن إذا كانت هناك اكتشافات نفطية في نهاية العام الحالي، على ما أعلن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض. وما يزيد من منسوب التفاؤل أنّ لبنان سيوضع قريباً على لائحة الدول المصدّرة للنفط في العالم، ليس فقط بدء الأعمال بعد أشهر قبالة الساحل اللبناني، إنّما ما عبّر عنه الرئيسان التنفيذيان لشركتي «توتال إنرجيز» الفرنسية، و»إيني» الإيطالية خلال المؤتمر العالمي للمرافق الذي عُقد أخيراً في أبو ظبي، من تفاؤل بخصوص منطقة الإمتياز رقم 9 التابعة للبنان. وهذا يعني أنّ البلوك 9 يبدو واعداً بكميّات من الثروة النفطية، وليس على لبنان سوى الانتظار لتبيان الأمر.. فهل يخرج منه «الذهب الأسود» فيُخرج معه لبنان من عنق الزجاجة اقتصادياً، وينهي الأزمة المالية التي يتخبّط فيها البلد منذ سنوات؟
تقول أوساط ديبلوماسية متابعة لملف التنقيب عن النفط والغاز، انّ كلّ شيء بات جاهزاً ليتمكّن لبنان من بدء تنفّس الصعداء بالنسبة لقطاع النفط، لا سيما بعد توقيعه اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الإسرائيلي في تشرين الأول الماضي، وطمأنة كونسورتيوم الشركات الى قانونية عمله في البلوكين 4 و9. غير أنّ ثمّة خطوات كثيرة مطلوبة من المسؤولين اللبنانيين لتسهيل وصول هذا المسار الى شاطىء الأمان:
- أولاً: لا بدّ من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات لمواكبة هذا الملف، لا سيما مرحلة استقدام باخرة الحفر في أيلول المقبل، لبدء أعمالها في الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 الملزّمين لـ «كونسورتيوم الشركات» الذي انضمّت اليه «قطر للطاقة» (بحصّة 30 %)، بدلاً من «نوفاتيك الروسية» المنسحبة منه بسبب العقوبات الغربية، الى جانب «توتال إينرجيز» (بحصّة 35 %) و»إيني» (بحصّة 35 %). فمع بدء أعمال الحفر يتبيّن للبنان واللبنانيين إذا كان بالإمكان الاستفادة من قطاع الغاز والنفط في السنوات المقبلة. علماً بأنّ انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة لن يحصلا من دون تسوية داخلية وخارجية، لأنّ انتخاب الرئيس في حال حصل في حزيران المقبل، فإنّ تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وإنجازه هذه المهمة لا يجب أن يطول لأشهر، على ما جرت العادة، سيما إذا ما أتى ذلك نتيجة التسوية المرتقبة.
- ثانياً: المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية، لأنّ من شأن ذلك طمأنة الشركات الدولية والباخرة المستقدمة للحفر، فضلاً عن المستثمرين الدوليين الذين سيستعيدون ثقتهم بلبنان تدريجاً، لا سيما مع بدء أعمال الاستكشاف والتنقيب في منطقة هادئة أمنياً.
- ثالثاً: عمل حكومة تصريف الاعمال ووزارة الطاقة على منع أي تسويف في عملية التنقيب لوضع لبنان على خارطة الإنتاج النفطي والغازي في المنطقة، لا سيما بعدما تمكّن من إنجاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بما يضمن حقوقه في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة له.
- رابعاً: على الدولة مواكبة موضوع الاستكشاف والتنقيب عن النفط وجعله من أولوياتها، بما يضمن الحفاظ على هذا القطاع وعائداته المالية من أي هدر أو فساد. على أن يتمّ إنشاء صندوق سيادي لحفظ مردود الدولة من هذه الثروة، في حال وُجدت كميّات ضخمة من الغاز قابلة للتسويق، والقيام بمشاريع تساعد اللبنانيين على البقاء في أرضهم، بدلاً من هجرة الشباب للتفتيش عن فرص للعمل في دول الخارج.
- خامساً: ضرورة وضع خطّة مستقبلية لتطوير القطاع تضمن للبنان خروجه من أزمته الاقتصادية والمالية من خلال الاستفادة منه خلال السنوات المقبلة، والعمل على بناء منشآت لتسييل الغاز وبيعه، في حال اكتشاف كميات تجارية واعدة تحقق الأرباح للشركات وللدولة اللبنانية. علماً بأنّ دورة التراخيص الثانية لاستدراج العروض للبلوكات الثمانية المتبقية من أصل عشرة تنتهي في حزيران المقبل، ما يعني أنّها ستُصبح كلّها ملزّمة مع فضّ العروض وإعلان النتائج وأسماء الشركات الفائزة بالتلزيم، ما يستوجب تجهيز هذه الخطة.
ولهذا لا بدّ من انتظار بدء أعمال التنقيب وحلول نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل 2024 كموعد نهائي للإعلان عن نتائج الحفر، ومعرفة حجم الكميات المتوافرة في البلوك 9، على ما أشارت الأوساط نفسها، وإذا ما كانت تتصف بالبُعد التجاري. ويؤمل أن تأتي النتائج خلافاً لما قيل بعد انتهاء عمليات المسح الأولية في البلوك 4 في نيسان من العام 2020 بأنّ هناك آثاراً للغاز فيه، ولكنّها ليست كميّات تجارية، أي أنّه لا يُمكن إنتاجها وبيعها. علماً بأنّ كونسورتيوم الشركات قد لُزّم بالبلوكين 4 و9 في العام 2018، وليس ما يضمن أن يقوم بإعادة الحفر في البلوك 4 على عمق إضافي، سيما أنّ اهتمامه منصبّ اليوم على التنقيب والحفر في البلوك 9. غير أنّه لا بدّ من أن يصار الى بتّ مصير البلوك 4، في ما يتعلّق بإعادة الحفر فيه، أو تخلّي الكونسورتيوم عنه، وإعادة الحصّة الى الدولة اللبنانية.
وأوضحت الأوساط عينها أنّه سبق لباخرة «جانوس 2» أن أتت الى لبنان في شباط الفائت، وقامت بعملية مسح بيئي في المياه الإقليمية على عمق 1700 و1800 متر، وتحديداً في الرقعة 9 استغرقت 8 أيّام. ثمّ أجرت بعد ذلك تحليلاً للمعلومات والبيانات التي تمّ جمعها، في إطار التقرير، وقامت بدراسة تقييم الأثر البيئي، وهي الخطوة التي تسبق عملية الحفر، وذلك بالتوافق مع القوانين المحلية والدولية. وحتى الساعة يبدو أنّ كلّ شيء يسير بانتظام، وضمن الخطّة الموضوعة، وأن النتائج إيجابية لبدء أعمال الاستكشاف والتنقيب في أيلول المقبل، إذا لم يحصل أي طارىء أو أي تأخير.