جورج شاهين - الجمهورية
عكست الاتصالات الديبلوماسية والسياسية المتواصلة تقدماً ملحوظاً على اكثر من مستوى، خصوصاً لجهة التوصّل الى «لائحة صغيرة» من المرشحين المؤهلين لخوض السباق الى قصر بعبدا. وهي عملية تستند الى المُواءَمة المطلوبة بين ما انتهت اليه مساعي الداخل لتوحيد المعارضة خلف مرشح واحد يخوض المواجهة مع الفريق الآخر، والمعايير التي وضعها ممثلو «لقاء باريس الخماسي» قبل اجتماعهم المرتقَب في الدوحة قبَيل قمة الرياض. وعليه، ما هي المؤشرات المؤدية الى هذا السيناريو؟
لا يمكن تجاهل الاجواء التي تَنحو الى شيء من الإيجابية التي بدأت تطلّ من خلال موجة الإتصالات المكثفة التي يقودها سفراء ممثلي «لقاء باريس الخماسي». فهي نضحت بكثير، ممّا يعدّ تطورا بارزا يمكن ان يقود الى تقليص لائحة المرشحين الرئاسيين توصّلاً الى وضع «لائحة ثلاثية» جديدة ومصغرة لمجرد ان تتوصل القوى السيادية والمعارضة الى تسمية مرشحها الذي سيخوض المواجهة مع مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية عملاً بأبسط القواعد الديموقراطية التي يمكن ان تقود الى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية متى تَمّت الدعوة الى الجلسة الثانية عشرة من مسلسل جلسات الانتخاب التي جمدت قبل شهرين تقريباً.
وقياساً على ما انتهت اليه الإتصالات المكثفة التي يشارك فيها السفراء المعنيون في الايام القليلة الماضية، فقد كشفت مراجع معنية عن بصيص أمل بإمكان التوصّل الى معادلة جديدة يمكن الركون اليها لتحقيق تقدّم غير مسبوق في الاتجاه المؤدي الى تهيئة الظروف لجلسة انتخابية لا يمكن تحديد موعدها قبل تأمين الظروف التي توفر عقد جلسات متتالية فلا تتجدد معها عملية تعطيل النصاب في نهاية الجلسة الاولى. وهي مهمة صعبة ودقيقة جداً، فسلاح تعطيل النصاب الذي استخدمه «الثنائي الشيعي» في الجلسات الانتخابية السابقة بات في اليد المقابلة بعدما تعهّد بالتراجع ومعه حلفاءه عن الاعتماد على «الاوراق البيض» لمصلحة مرشحه المعلَن فرنجية. ولذلك ينصبّ الاهتمام من اجل التوافق على لائحة صغيرة من المرشحين يمكن ان تقود الى عملية انتخابية كاملة المواصفات ولتنتهي العملية بمَن ينال الاكثرية المطلوبة من أصوات النواب بمعزلٍ عن لغة الارقام، وتحديداً تلك التي تُطاول الكتلة الشيعية الموحدة.
وعليه، يعترف السّاعون الى هذا المسار الديموقراطي المثالي بوجود أكثر من عقدة ما زالت تحول دونه، وخصوصا إن كانت الغاية المطلوبة من اي اتفاق يؤدي الى مثل هذه الآلية النظامية والدستورية الانتخابية الى النهاية المرجوّة منها بانتخاب الرئيس العتيد لفتح صفحة جديدة في الحياة السياسية والدستورية في البلاد. ومن أبرز تلك العُقَد التي عايَنها الديبلوماسيون اثنتان:
- الاولى، تستند الى استمرار تمسك «الثنائي الشيعي» بترشيح فرنجية الى درجة فقدان اي خيار آخر يمكن البحث فيه وهو ما يسدّ الطريق امام اي محاولة للتوصّل الى مواجهة ديموقراطية في ساحة النجمة، خصوصاً إن أصَرّ الثنائي على احتكار التمثيل الشيعي كاملاً وهو ما قد يؤدي، قبل الحديث عن الصفة «الميثاقية» عن اي مرشح آخر، الى افتقاده الاكثرية المطلوبة لفوزه بمعزل عن النواب الشيعة، وفي حال العكس فإن سلاح المقاطعة الذي ستلجأ اليه المعارضة سيؤدي الى تعطيل اي مسار انتخابي.
- الثانية، تأخّر القوى السيادية المعارضة في الكشف عن مرشحها الجديد بعدما توافقت على ضرورة التفاهم مع مرشحها الاساسي ميشال معوض على مرشح جديد يمكن ان يتفوّق على ما ناله من اصوات تم إحصاؤها بشكل دقيق في الجلسات الانتخابية السابقة، بُغية توحيد المعارضة بمختلف اطيافها وضَم النواب التغييريين والمستقلين الى صفوفها بطريقة تؤهّله الى مواجهة متكافئة مع فرنجية لا بل قد تؤدي الى تقدّمه عليه إن بقيت المواقف التوافقية على حالها على مستوى الكتل النيابية المسيحية الثلاثة ونواب «اللقاء الديمقراطي».
وتأسيساً على ما تقود اليه هاتان العقدتان العاصيتان على اي حل، هناك من يعتقد صادقاً انّ انتصار دُعاة أيّ منهما ما زال بعيد المنال ان لم يكن مستحيلاً. وهو واقع سيؤدي الى استمرار حال المراوحة القائمة والمؤدية الى الحؤول دون أن يقوم المجلس النيابي بدوره في انتخاب الرئيس قبل القيام بأي عمل آخر. ولذلك، فقد تركزت الاتصالات الاخيرة على ضرورة ان تتوصّل المعارضة الى تسمية مرشحها كما لمّح السفير السعودي وليد البخاري أخيراً. فقد كشف للمرة الأولى عن توصيف جديد للمرشح المقابل لفرنجية ووصَفه بـ «الشخصية الوازنة». وهو ما عُدّ أول تفسير واضح يلخّص مجموعة المواصفات التي أطلقها مع زملائه السفراء الخمسة من قبل، والتي سمحت بإبقاء الجدل قائما حول هوية الشخص المؤهل، بعدما تبادل فريقا الممانعة والمعارضة القراءات المؤدية الى شطب مرشحيهما لاستحالة تلبية اي منهما لهذه المواصفات وعدم قدرة ايّ منهما على جمع الثلثين من اعضاء المجلس النيابي لتأمين النصاب لجلسة انتخابية كاملة.
ad
عند هذا المفترق من القراءة المتناقضة للاستحقاق الرئاسي، قالت المراجع السياسية والدبلوماسية المعنية انه لم يعد بعيداً التوصّل الى مرشح للمعارضة يتمتع بالمواصفات الجديدة. وهو امر يتوقع ان يؤدي الى مواجهة متكافئة مع فرنجية ـ ان صحّت التسريبات التي تتحدث عن مرشح توافقي وجامِع ـ وهو أمر سيحول دون قدرة ايّ منهما على تأمين الظروف المؤدية الى دورات انتخابية متتالية تؤدي الى انتخاب الرئيس في ظل فقدان مَن يضمن العبور الى الدورة الانتخابية الثانية الى أمد غير محدّد.
وفي عِلم العارفين انّ المعادلة الجديدة ستُعيد سلاح تعطيل النصاب الى الطرفين على حد سواء، ولأسباب معروفة، فأيّ دعوة يوجّهها بري متى اطمأنّ الى جذب مَن يوفّر النصف زائد واحدا لفرنجية ستقاطعها قوى المعارضة ولن تكتمل عندها العملية الانتخابية، وان اضطر بري الى توجيه الدعوة الى جلسة انتخابية قبل ضمان فوز مرشحه، سيعود ومعه «حزب الله» الى تطيير النصاب مخافة فوز اي مرشح لا ينال صوتا شيعيا واحدا يفتح فوزه جدلاً لا حدود ولا سقوف له.
وطالما انّ النتيجة واحدة فإنّ هناك من يتوقّع سيناريو آخر يمكن اللجوء اليه في تلك اللحظة. وهو مشروع سيكون مطروحاً على لقاء قريب لمجموعة «لقاء باريس الخماسي» خلال ايام قليلة قد تسبق موعد قمة الرياض في 19 الجاري، وقد أعدّت الدوحة العدة الكاملة لتوجيه الدعوة اليه في الساعات المقبلة لاستضافته قبل القمة. هو يقول: في حال ثبت انّ المواجهة متكافئة بين فرنجية واي مرشح آخر ستنتصر «النظرية الثالثة» التي تتحدث عن مرشح (إكس) مجهول الهوية حتى تاريخه، او آخر لا يمكن انتخابه ما لم يضمن ثلثي اعضاء المجلس النيابي زائداً واحداً، ليس لسبب سوى الخوف من طعن نيابي يتقدّم به ثلث النواب مِمّن رفضوا انتخابه قبل تعديل الدستور خلال الـ 24 ساعة التي تلي انتخابه امام المجلس الدستوري. وهو أمر قد يشكّل في النتيجة المخرج الدستوري الاجباري الوحيد كما قيل في البند الاول من «اتفاق الدوحة» في مقرراته لتقليص فترة خلو سدة الرئاسة الى الحدود القصوى.