سكاي نيوز
تُواجه العملة الأميركية، المهيمنة على الاقتصاد العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقريباً، تحديات واسعة، في ضوء اتجاه عديد من الدول والمحاور إلى "الابتعاد عن الدولار" وهو العنوان الأبرز الذي يثير لغطاً واسعاً بالأسواق العالمية، حيث تتعرض هيمنة "الأخضر" لاهتزازت مُتوقعة تبعاً لذلك، وتظل مسألة استمراريته كعملة احتياطي عالمي رئيسية محل شك على المدى الطويل في تصور البعض.
على الجانب الآخر، فثمة مستفيدين من ما يمكن وصفه بـ "ضعف الدولار"، ويبرز الذهب كأحد أبرز الملاذات التي يتم اللجوء إليها للتحوط في ظل حالة عدم اليقين التي تلف الاقتصاد العالمي، وفي ضوء تتابع الأزمات، وآخرها الأزمة المصرفية وما أثارته من حالة ذعر بالأسواق.
ومن ثم فإن "ضعف الدولار عزز بريق الذهب"، وهي فرضية يُمكن البناء عليها في ضوء ما تُظهره المؤشرات الراهنة، ومع الارتفاعات القياسية بأسعار المعدن النفيس.
في مقال له تحت عنوان (ماذا يقول الذهب القوي عن ضعف الدولار؟)، تناول الكاتب والمستثمر العالمي روشير شارما، ثنائية المعدن النفيس والعملة الأميركية، واعتبر أن:
- هناك اتفاق على أن ضعف الدولار الأميركي لا يمكن أن يفقده مكانته كعملة مهيمنة في العالم "لأنه لا يوجد بديل" في الأفق المرئي.
- يكمن الخطر بالنسبة لأميركا في زيادة الثقة المفرطة ، التي تغذيها قصة "لا بديل".
- تستند هذه الرواية إلى الثقة العالمية في المؤسسات الأميركية وسيادة القانون.. كما أنها تعتمد على الثقة في قدرة الدولة على سداد ديونها، لكن ذلك يتراجع أيضاً، حيث يتزايد اعتمادها على التمويل الأجنبي.
- ارتفع الذهب 20 بالمئة في ستة أشهر. يقود هذا الارتفاع ليس صغار وكبار المستثمرين الذين يسعون للتحوط، ضد التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، إنما البنوك المركزية.
- البنوك المركزية تخفض بشكل حاد حيازاتها من الدولار وتبحث عن بديل آمن. وتشتري الآن أطناناً من الذهب أكثر من أي وقت مضى.
- ساعدت طفرة الشراء هذه في دفع أسعار الذهب إلى مستويات قريبة من المستويات القياسية وأعلى بنسبة تزيد عن 50 بالمئة مما قد توحي به النماذج القائمة على أسعار الفائدة الحقيقية.. من الواضح أن هناك شيئاً جديداً يقود أسعار الذهب.
- تسعة من العشرة الأوائل من كبار المشتريين في العالم النامي، بما في ذلك روسيا والهند والصين. وليس من قبيل الصدفة أن هذه الدول الثلاث تجري محادثات مع البرازيل وجنوب إفريقيا حول إنشاء عملة جديدة لتحدي الدولار.
لعلاقة بين الذهب والدولار
المدير التنفيذي لشركة vi markets أحمد معطي، يشرح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، العوامل الرئيسية المؤثرة في تلك العلاقة بين الذهب والدولار، ويقول:
- في الفترة الراهنة الاتجاه للذهب قوي جداً، لا سيما منذ بداية أزمة المصارف في الولايات المتحدة الأميركية في شهر اذار الماضي، عندما كان الذهب حينها في حدود 1810 دولاراً للأونصة.
- من المتعارف عليه أن الدولار والذهب ويُضاف إليهما الين أيضاً، من الملاذات الآمنة وقت الأزمات، لكن عندما تضرب الأزمة الولايات المتحدة، وتؤثر على الدولار تبعاً لذلك، يبدأ الاتجاه نحو "الذهب" كبديل أكثر أمناً.
- الذهب يرتفع وقت الأزمات، وهو ما حدث في سياق حالة الذعر التي انتابت القطاع المصرفي. وكان طبيعياً أن يلجأ المتعاملون لبيع الدولار وتسييل أموالهم مع وضعها بوسيلة ادخارية أخرى للحفاظ على قيمتها.
- الذهب من أفضل الوسائل الادخارية في العالم المتفق عليها في كل الدول. والبنوك المركزية نفسها تزيد مشترياتها من المعدن النفيس بكثافة خلال الفترات الأخيرة في ضوء الأزمات المتتابعة، وتزيد احتياطياتها منه.
- البنك المركزي الصيني رفع مشترياته من الذهب لمدة خمسة أشهر متتالية (في اذار الماضي اشترى 18 طناً، ليصل إجماليها إلى 2068 طناً).
ويشير معطي إلى أنه "بخلاف حالة الذعر التي تضرب الأسواق على وقع الأزمات المتتالية، وبما يسرع الخطى نحو الذهب، يضاف إلى تلك العوامل مسألة رواج فكرة تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي من جانب بعض الدول، مثل تعامل الصين وروسيا بالعملات المحلية (الروبل واليوان) وبما لهما من ثقل اقتصادي، وفي ظل الحديث عن دخول دول أخرى في نفس المنظومة الخاصة بالابتعاد عن الدولار في تعاملاتها مع غير الولايات المتحدة".
ويلفت إلى تقديرات صندوق النقد الدولي التي تؤكد ارتفاع مساهمة الصين بالناتج الإجمالي المحلي العالمي إلى 22.6 بالمئة نهاية 2028، وبما يعكس مدى تأثير جهود بكين في الابتعاد عن الدولار لاحقاً. لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن "الدولار قوته لن تنتهي، ولكنها سوف تضعف.. وثمة علاقة عسكية بين الدولار والذهب في فترة الذعر الراهنة".
ويتابع معطي تحليل خيوط المشهد الراهن، حيث الدولار الضعيف يزيد من بريق الذهب، وذلك بقوله:
- أزمة الحرب في أوكرانيا أثرت على اقتصادات العالم، وبدأت واشنطن في اتخاذ إجراءات خاصة للسيطرة على معدلات التضخم، أثرت بالتبعية على كثير من الاقتصادات الأخرى.
- نبهت تلك الأزمة إلى مسألة "الاعتماد على الدولار" فبدأت كثير من الدول تراجع هذه المسألة، وتثار فكرة الابتعاد عن العملة الأميركية في التعاملات التجارية الثنائية مع دول أخرى.
- التعامل على الدولار سوف يقل، وفي الوقت نفسه يزهو بريق الذهب.
- الذهب رغم نزوله نسبياً إلى 1970 ارتفع مجدداً فوق الـ 2000 دولار للأونصة مع تزايد المخاوف بعد صدور بيانات بنك فيرست ريبابليك، والذي شهد خروج 100 مليار دولار، مع تراجع ودائع البنك 40 بالمئة، وبما يعكس أن أزمة المصارف وتباعتها لم تنته بعد.
مستقبل هيمنة الدولار
وفي السياق، يتحدث الرفاعي عن "مستقبل هيمنة الدولار"، قائلاً: "نرى توسعاً في مجموعة بريكس وتطورات سريعة في التبادل التجاري في عملات هذه الدول، على سبيل المثال التبادل التجاري بين روسيا والصين، والتبادل التجاري بين الهند وروسيا في النفط، وكذلك نرى الاتجاه نحو التبادل التجاري لهذه العملات المحلية في مجموعة بريكس، وأخيراً سمعنا من الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الاتجاه نحو الابتعاد عن التداول في الدولار.. كل هذه التطورات تؤدي في المستقبل إلى الابتعاد عن الدولار".
ويضيف: "لكن مع كل هذه الأمور لا أرى أن الدولار سيتعرض إلى تأثير كبير على المدى القصير.. عملية التحول أو الاتجاه نحو عملة جديدة مستقرة تحتاج لسنوات طويلة، وهو ما حدث عند التحول من الجنيه الاسترليني للدولار بعد الحرب العالمية".
وفي السياق نفسه، يردف الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات في لندن، قائلاً: "لا أعتقد بأننا سنرى عملة البريكس؛ لأن ذلك ينافس سياسة الحكومة الصينية لرفع العملة الصينية كعملة عالمية ولربما كبديل للدولار.. عندما نتحدث عن عملة البريكس فهذا هدف وهمي من ناحية هذه المجموعة".
ويتابع: "يجب أن نأخذ في الاعتبار أن أية عملة سوف تنافس الدولار لابد أن تكون لها سوق في السندات وفي الديون وفي تبادل العملات.. سوق العملات اليوم معظم التداول فيه تتم بالدولار، كما أن التبادل التجاري العالمي لا يزال 60 بالمئة تقريباً بالدولار.. وبالتالي فإن أية عملة سوف تنافس الدولار لابد أن تكون لها سوق واسعة للديون وسيولة عالية تعطي العملة -مثلما نرى في الدولار- ميزة الملاذات الآمنة، ذلك أنه وقت الأزمات والقلق يتجه المستثمرون إلى الدولار، ولا أرى أي منافس له حالياً".