النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
من فرح الأطفال في الشعنينة إلى فرح القيامة بعد الآلام، تجدّد الأرض والشعوب انتصارها على الموت بتوليد الخلايا، فالتراب سرّ الحياة وإن وارى الأحبّة، وهو الورد والأقحوان المضرّجان بالدماء التي امتصتها القبور، والإنسان هو تراب من ذهاب وإياب.
كل فصح وأنتم بخير، وكما يذهب المسلمون صبيحة العيد لتزيين قبور موتاهم، فإن الفصح مناسبة مشتركة لنهنىء الأحياء ونتذكرَ من رحلوا، ولا سيما أولئك الذين يحتفلون بالمناسبات كلِّها على السوية ذاتها، ومنهم جان عبيد الذي كان يسبقني في عيدَي الميلاد والقيامة لتهنئتي بهما، ثم يشفع ذلك بهداياه اللطيفة ذات الرونق والمذاق؛ لا شك في أن حزني العميق عليه يطفو على ذاكرتي في الأعياد، فأستعيد معه ما كان يدور بيننا، بل ما كان يقصّه علي من بديع ما يمرّ به، ومن هذا أنه عند الاحتفال بإعادة بناء المدينة الرياضية في بيروت، كانت له كلمة الافتتاح بصفته وزيرًا للتربية والرياضة والشباب، وكان الجدل دائرًا حول الاسم الذي سيطلق عليها في ذلك الاحتفال، وقد بلغه أن السلطة السورية لا تستحسن استعادة اسم مدينة كميل شمعون الرياضية. اعتلى جان عبيد المنبر ببذلته البيضاء، وبحضور ورعاية فخامة الرئيس الراحل الياس الهراوي، ودولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وشرع يقول:
برعاية وتوجيه فخامة الرئيس، وبجهد هائل من دولة الرئيس استطعنا أن نعيد هذا الصرح إلى عزّه، بعد أن استعاد حروف اسمه من الركام الذي خلّفته الحرب، "فأهلاً بكم في مدينة كميل شمعون الرياضية". وقد صفّق الحاضرون مع الرئيسين الهراوي والحريري، ولكنّ العميد غازي كنعان اقترب منه بعد نهاية الاحتفال، مقترحاً عليه بكلام ذي دلالة أن يهجر اللباس الأبيض ويرتدي الرمادي، في لهجة اعتراض صريحة على تأكيد اسم المدينة، فأجابه جان ببداهته وشجاعته، ليس المهم لون الثوب، بل المهم ألا تكون القلوب سوداء.
ومن أسف أنّ إعلاميًّا معروفًا أراد أن يطلق النار على جهاد أزعور، فعيّره بأن خاله جان عبيد ذو المواقف الرمادية، وسرد رواية مغلوطة جملة وتفصيلاً، وبعيدةً عن الحقيقة التي ذكرت. أسفت لهذه الطريقة لأن الراحل الذي يفتقده لبنان في هذه المرحلة الصعبة، كان حديقة تستقبل الأزهار بألوانها، وكان مؤلّفاً للقلوب ومبرّداً للغلواء، بل إنّ كثيراً من الألوان الفاقعة، كانت تخرج من ضيافته وقد اكتست أزياء هادئة وراقية.
أَيُلامُ جان عبيد على حصافته ورصانته وقدرته على الامتصاص، لينتقل اللوم بحكم النسب إلى ابن أخته "المرشح الاقتصادي" الذي أُطْلِقَتْ عليه النار من موقع معاكس، ولا يحسب له أنه اختطف مرات وهو يحاول الإفراج عن المخطوفين متنقلاً بين المتاريس المتحاربة. أيُساء إلى من اسماه المرحوم سعود الفيصل، وزير خارجية العرب، ومن قال له الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، كلّما التقيتك تعلمت شيئًا جديداً من ديني؟
من المؤسف أن تلاحق القلوب السوداء، صديقي جان إلى قبره، ولكنني متأكد أنها عندما ستجاوره في يوم ما... ستكون أقل سواداً.
أعزائي..
أكرر تهنئتي بالعيد، وأنتهز الفرصة لأعلمكم بأنه ستصدر لي قريبًا عن دار جروس، مجموعة قصائد، أسميتها "تجاعيد حبر"، من تقديم الشاعرين الصديقين المبدعين، عبد الكريم شنينة وشوقي ساسين، وستكون بالمتناول في حدود العشرة الأيام المقبلة، ولهذا أقدّم لكم عربوناً، بل دفعة على الحساب قصيدتين قصيرتين أتلوهما من باب الترويح عن النفس وعلى سبيل المعايدة.
اعتـــذار
عَلَيْنا لِأَبنائِنا الـمَعْذِرَهْ
فَنَحْنُ الذُّنوبُ... وَهُمْ مَغْفِرهْ
وَهُمْ يُتْقِنونَ خَصيبَ الكَلامِ
وَنَحْنُ نَعيشُ على الثَّرْثَرَهْ
سَكَبْنا عَلَيْهِمْ حَنانًا وخَوْفًا
وَلُذْنا مِنَ الـمَوْتِ بالـمَـقْبَرهْ
فَشَبُّوا فُرادَى وَوَلَّوْا جُموعًا
وَخَلَّوا ديارًا لنا.. مُقْفِرَهْ
قصة غير حقيقية
عَنْدَما كُنتُ فَتِيًّا لمْ أكـــنْ أهْلَ شَجَاعَهْ
كَـــــــانَ قـــــلـــبي زَوْرَقًا تَنْـتَهِــــكُ الــــــــــــــــــــرِّيــــــــــــــــحُ شِرَاعــــــــــــهْ
فإذا رَبَّةُ حُـــــــسْنٍ بَـــزَغَتْ... أَرْدَتْ شُــــــعَاعَهْ
فَاسْتَخَار العَتْم حِصنًا والخيالاتِ... قِلاعَهْ
هـــــاربًا مِــــــنْ خَفْقَــــــــــةٍ مُـــــــنْبِئَةٍ عَــــــــــــــــــنْ قُــــــــــــربِ سَاعَهْ
كانَ وَجْــــــهـــــــــــي يَفْقِدُ اللَّـــــــوْنَ فأَسْتَجْدي الشَّفَاعَهْ
عَلَّـــــــــني أَقْوى على الـــــــــــــــدَّاءِ بأسْبابِ الـــــمــــــــــــناعَهْ
عَـــــــلَّ قولًا يَنْزَحُ الــــــــــــــــــكِتْمان عَـــــــــــــــــنْ شِقِّ اليَرَاعَهْ
بَعْدَ سِتِّـــين التَقَيْنا فَــــتَوَلَّتـــــــــــــــني البَــــرَاعَـــهْ
وأذَعْتُ الــــــوَجْدَ... فـــــــــــــــاحْمَــــــرَّتْ تجاعيدُ الإذَاعَـهْ
وَأجابَتْني وَقَـــــــــــــــــدْ فَاضَتْ مِـــــــــــــــنَ الثَّغْرٍ..وَدَاعَـــــــــهْ
نحن جَدَّانِ فَــــحاذِرْ مِنْ عصافيرِ الإشَــــاعَهْ