لطالما كان العمل في المؤسسات العسكرية، "القوى المسلحة" يمثل وظيفة مرغوبة جداً في البلاد، لأنها وببساطة كانت تؤمن مردوداً مالياً الى حد ما يكفي الموظف وعائلته، بالإضافة إلى بعض التقديمات: "الطبابة"، "التعليم"، "مخصصات عائلية" في بلد تعتبر فيه كلفة الاستشفاء والتعلم من الأعلى.
كما كانت هذه الوظائف تمنح موظفيها فرصاً بدءاً من الحصول على القروض المصرفية الشخصية وانتهاءً بتعويض نهاية خدمة، ومعاشاً تقاعدياً ثابتاً مدى الحياة، قد ينتقل بعدها للزوجة والاولاد، ما جعل هذه الوظيفة ملجأ للكثير من اللبنانيين في وطن اعتاد على الأزمات وتهجير الأدمغة.
أما اليوم، وفي ظلّ الأزمة التي تعصف في البلاد، تبخرت كل هذه التقديمات، وأصبحت بلا قيمة، كما انعدمت القدرة على الاستفادة من القروض المصرفية في ظلّ أزمة المصارف، هذا عدا عن مشكلة العسكريين المتقاعدين الذين يتنقلون اليوم بين الاعتصامات والتظاهرات من أجل المطالبة بحقوقهم بعد السنوات التي أفنوها من عمرهم خدمة للوطن.
تتنامى مشاعر الاستياء في صفوف عناصر "القوى المسلحة" بعد أن تآكلت قيمة رواتبهم بفعل انهيار العملة، في وقت تسوء فيه الأوضاع المعيشية الصعبة أكثر.
واذ اعتمد العسكري فقط على راتبه فلن يكفي الراتب لشراء شفرات لحلاقة لحيته، لأن سعر علبة الشفرات أصبح غير منطقي مقابل راتبه الذي لا يزال حتى اليوم يتقاضاه بالليرة اللبنانية او على سعر صيرفة وان لم يقم بحلق لحيته يتعرّض للعقوبة.
هذا هو حال معظم العسكريين، ضباطاً، رتباء، وأفراد وحتى المتقاعدين، الجميع بات مضطراً اليوم للبحث عن عمل آخر لتأمين حياة كريمة له ولعائلته، والمؤسف في الموضوع أن هذه الحياة الكريمة، يجب أن تكون الدولة مسؤولة عن تأمينها لحامي الوطن أمناً وسلاماً وما يعيشه "ابن الدولة" كما يسمونه عيب وعار.
ولكن الدولة لم تعد ولن تعود قادرة على تأمين أي مردود مادي كاف لهؤلاء وكأنها تقول لهم اتجهوا الى الفرار كأحد الحلول التي لا يرغب بها أي عسكري في الأساس، وهنا تكمن المشكلة إن قرر أحدهم الهروب من واقعه المرير فتنهال عليه العقوبات كالشتاء.
لم يخجل المسؤولون اللامسؤولين عن "المؤسسات العسكرية" أو "القوى المسلحة" في دولتي الكريمة من تسجيل عقوبات أو تطبيق قوانين على "ابن الدولة" الوحيد الذي يقوم بحماية الوطن المنكوب؟
وفي هذا السياق، قال أحد أفراد الأمن، طالباً عدم كشف هويته: "راتبي حالياً يوازي الـ200 دولار وهذا يعود الى الاشهر التي تأتينا بها المساعدات ولكن الراتب الاساسي يكون حوالي الـ100 دولار".
وأوضح أن "الرواتب لا تزال على سعر صيرفة بما يوازي الـ45 ألفاً وان أصبحت 90 ألفاً فسأتقاضى نصف هذا المبلغ وهذا لا يكفيني أنا وعائلتي لنؤمن أبسط المستلزمات".
وعن كلفة النقليات الباهظة شدد العسكري نفسه على ان "منزلي بعيد عن مكان عملي وانا بحاجة لصفيحة بنزين وبطبيعة الحال أنا أخدم 10 أيام في الشهر، ما يساوي تقريباً 180 دولاراً وهذا فقط لاستهلاك الوقود أما كلّ مستلزمات السيارة موضوع آخر".
ويتابع: "الموضوع ليس قضية شفرات حلاقة أو الوصول متأخراً أو مخالفة فقط، بل بدل من أن يقوموا باللهو وبفرض عقوبات علينا وبتطبيق القانون ليجتمعوا لايجاد حلول لانقاذ المؤسسة العسكرية من هذا الواقع لأن ما يحدث أصبح ذلا ومعيبا لنا ولعائلاتنا".
ويردف: "يريدون تطبيق القوانين علينا ولنمت نحن من الجوع"؟ فلتنظر الدولة الى حالة العسكر فهذه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال صامدة "شو بدن يفرطوها كمان".
ويضيف: "لتقم دولتنا الكريمة بحل سريع وجذري لمن يعيش بعيداً عن مكان عمله ويريد الذهاب للخدمة. للاسف "يلي ما عندو واسطة ما حدا بيطلع فيه ".
ويتابع: "منزلي بعيد والنقل العام لا يصل الى هناك فأنا مضطر للنزول بسيارتي وان وصلت الى الاوتوستراد فانا بحاجة الى "سيرفيس" ثان فستكون كلفة النقل نفسها".
ويؤكد أنه "اذا استمرت المؤسسات على هذا المنوال فالهروب من الخدمة افضل بكثير من البقاء".