البيارق" و "الفوانيس" الرمضانيّة.. بيروت ما زالت منارة ونجمة النجوم في الشرق!
البيارق" و "الفوانيس" الرمضانيّة.. بيروت ما زالت منارة ونجمة النجوم في الشرق!

أخبار البلد - Friday, March 24, 2023 6:00:00 AM

ندى عبدالرزاق - الديار

ما ان يهل هلال شهر رمضان الكريم، حتى تتسارع وتيرة تزيين الشوارع والمؤسسات والمحال والأشجار، وشُرَف المنازل خارجها وداخلها بفوانيس رمضان، كونه يعطي شعورا بالسعادة، ويولّد طاقة إيجابية في النفوس، ويبعث ببشائر الامل والايمان والطمأنينة لدى الكبار والصغار.

 
يعود أساس كلمة الفانوس الى "الاغريقية" والتي تدل الى احدى وسائل الانارة، وفي بعض اللغات السامية يقال للفانوس "فناس". وفي هذا الإطار أوردت المعاجم الحديثة كالوسيط، ان كلمة الفانوس وجمعه فوانيس، ويعني المشكاة التي تكون مستقلة وجوانبها من الزجاج يوضع فيها المصباح ليحميه من الهواء والغبار او الكسر يُحْمل او يُعلّق، وللكلمة أصل قديم وتعني "النمام".

وفي سياق متصل، فان مصدر الفانوس يعود الى الخليفة الفاطمي الذي كان يخرج الى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يرافقونه لينيروا له الطريق، وكل طفل يحمل فانوسه. ويعمد هؤلاء الى ترنيم بعض الأغاني الجميلة تعبيرا عن سعادتهم باستقبال الشهر الفضيل.

بالموازاة، يعتبر فانوس رمضان أحد الاشكال الشعبية في مصر، وواحدا من الفنون الفلكلورية التي حصدت اهتمام الفنانين والمثقفين، والبعض راح ابعد من ذلك بحيث عمد الى اجراء دراسة اكاديمية ترتبط بظهوره وتطوره وعلاقته بشهر الصوم، ومن ثم جعله قطعة رائعة من التصميم العربي في كثير من البيوت العربية.

الى جانب كل ما تقدم، تجدر الإشارة الى ان الفانوس كان كمصباح، استعمل كوسيلة للإنارة، ليتحول مع مرور الوقت الى تقليد رمضاني، بحيث كان المصلون يحملونه معهم الى الجوامع ليلا، ومن هنا ارتبط شهر رمضان بهذا "الحفل" الذي يضفي المرح والابتهاج والسرور للمؤمنين الصائمين.

في بيروت يعمد أصحاب المحلات التجارية وأئمة المساجد والمشرفين على الحدائق العامة الى تزيينها بالفوانيس، الى جانب شارات مكتوب عليها عبارات ترحب بحلول الشهر.

العهد الفاطمي

السيد عمر الدسوقي في العقد الثامن أحد "أكابرية" منطقة طريق الجديدة شرح لـ "الديار": "ان فكرة الفانوس تعود الى عصر الدولة الفاطمية، واساس انطلاقه من مصر، وقد بدأت قصته منذ ما يزيد على الف عام، حيث كان المصريون ينتظرون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلا في الخامس من رمضان من العام 358 هجرية، فما كان من القائد العسكري حينذاك جوهر الصقلي، الا ان امر سكان المدينة بإنارة الشارع بالشموع، فقام السكان بتثبيتها على قواعد خشبية وكسوها بالجلود لكيلا تنطفئ، ومن هنا انتشرت هذه الشعائر وكانت بداية انتشار الفانوس كطقس رمضاني".

وتابع : "على الرغم من الظروف القاسية ما زال الناس ملتزمين بهذه المظاهر، ولكن بوتيرة أخف بسبب غلاء الأسعار، والساحات البيروتية تضج بالنور جراء الإضاءة التي تدلّ على شهر العطاء لتقديم التبرعات للمحتاجين وللعائلات المتعفّفة". ولفت الى انه "بعد ثورة 17 تشرين وما تلاها من أزمات واحداث، الى جانب ارتفاع الدولار بوتيرة تصاعدية هستيرية، وتوقف المصارف عن القيام بتزيين الحدائق، حيث كانت تقوم بهذا التقليد كل عام بهدف جمع التبرعات لدار العجزة والايتام الاسلاميتين، وكانت هذه المظاهر تبعث السعادة والطمأنينة، وتعكس أجواء الخير في رمضان الذي يتحول الى خلية نحل لا تهدأ، تبدأ من بعد الإفطار وتمتد حتى ساعات الصباح الأولى، أي ما بعد السحور وصلاة الفجر".

صناعته تنتعش موسميا

في سياق متصل، اعتبر النجار خالد شاتيلا، الذي يعمل في صناعة الفوانيس الخشبية والبلاستيكية وحتى الزجاجية، "ان الصنعة تنتعش موسميا خلال فترة رمضان، وماهية الفانوس الاصلية قد توارت مع الوقت والتي هي الانارة، ليصبح بعد ذلك تقليدا رمضانيا موسميا". وأردف: "لا انفك أفكر في تصاميم وابتكارات جديدة وعصرية للفوانيس، على الرغم من الوضع الاقتصادي الرديء، غير ان عائلات لبنانية من مختلف المناطق البيروتية والطرابلسية والبقاعية والصيداوية ما زالت تطلب كميات لتزيين دارها، وخاصة الساحات المخصصة للافطارات الجماعية بما فيها السحور".

 
وأشار شاتيلا بحديثه لـ "الديار"، الى "ان معظم الفوانيس الحديثة تصنع من مواد بلاستيكية وتعمل على البطاريات وتحمل اشكالا واحجاما مختلفة، وهناك من يصنعونه من الورق والكرتون او القماش نظرا الى غلاء سعره، وهناك شريحة ما زالت تطلب الفانوس الخشبي الصنع كونه يُعَمّر وقتا أطول".

ولفت "الى ان اصل موطن الفانوس هو القاهرة، ثم تسرّب الى الدول المجاورة وانتشر في كل من فلسطين وسوريا ولبنان، ووصل الى الصين التي أضحت مشهورة في انتاجه، وهناك اسم يطلق على كل فانوس مثلا: فانوس تاج الملك، فانوس البرلمان الذي على شكل القبة الشهيرة للبرلمان المصري، وفانوس الملك فاروق، وحتى فانوس محمد صلاح"، واشار الى "ان البعض اعتبره انه يعود الى التقليد القبطي، حيث كان يظهر في أعياد الميلاد المجيدة".

البيارق وبيروت

على خط رمضاني مواز لكل ما تقدم، انتشرت في لبنان والدول العربية في الثمانينات اغنية "علُّو البيارق"، وكان كتبها الفنان احمد قعبور ولاقت صدى واسعا وذاع صيتها لتصبح تقليدا موازيا للفانوس. وقد حمل أطفال من دار الايتام الإسلامية في بيروت فوانيس مضاءة وغنوا عن البيارق والشوارع والشهر الكريم، وعن المسحراتي الذي يمر قبيل آذان الفجر ويحمل معه طبلا ليوقظ الصائمين للسحور.

فجسّدت هذه الاغنية حكاية شغف رمضاني، في الوقت الذي كانت فيه بيروت حينذاك رمادية اللون في النهار، ومدججة بالعتمة ليلا جراء الحرب الاهلية المُدَمّرَة. فكانت هذه الاغنية إشارة عن الشوق لليالي العيد في بيروت، وللفرح وللعلاقات الاجتماعية لتعود الى التلاقي والاجتماع على العطاء والحب والجمال، الذي لم ولن يندثر يوما. فلبنان معروف بلياليه الرمضانية التي يتمايز بها في هذا الشهر عن غيره من دول الجوار، حيث تنصب الخيم على كافة الأراضي اللبنانية لتؤكد التآخي بين جميع أبنائه المسلمين والمسيحيين، بعيدا عن الاحتقان السياسي والطائفي والمذهبي.

في سياق متصل، تتقصّد عايدة وهي سيدة من ام مسيحية واب مسلم بتزيين بيتها والشرفة بفوانيس رمضان، وتقول لـ "الديار": "أحاول ان أكون لبنانية بكل المقاييس، وانا التي تعلمت ان جميع الأديان تدعو للسلام ولإنصاف الانسان، واحتفل برمضان كما احتفل بعيد الميلاد، واجتمع انا وعائلاتي وجيراني بشكل شبه يومي على مائدة الإفطار، وأكثر من ذلك يحضرون أحيانا سحورا لهم ولنا، وهذا هو التعاضد في زمن الغَلبة".

الخيم الرمضانية

في جولة ميدانية قامت بها "الديار" على الأرض، تبين ان هذا التقليد ما زال قائما في مختلف المناطق اللبنانية، وهو كناية عن تقليد لبناني – عربي، وله أثر جيد مع تعديل بسيط هذه السنة، حيث ان هذه الخيم ستكون عبارة عن مجهود شخصي من مجموعة افراد وبعض الجمعيات الإنسانية للعائلات غير القادرة على تأمين قوت افطارها.

بالمقابل، ستقام بعض الخيم في أماكن متنوعة من مطاعم وفنادق، لأولئك الذين لديهم شغف بالسهر حتى ميعاد السحور الى جانب الاهل والأصدقاء من العرب والمغتربين، خاصة ان الأحوال الجوية مؤاتية للسمر حتى ساعات الصباح الأولى.

وستنتشر الخيم الرمضانية في كل من بيروت، طرابلس – ساحة النور، وطرابلس – القبة الى جانب مناطق من البقاعين الأوسط والغربي.

هذا هو لبنان نابض بالحياة والتعددية واللاطائفية، والتآخي بالإنسانية التي لا تعرف التمييز.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني