راكيل عتيّق - نداء الوطن
إنعكاس الاتفاق الإيراني- السعودي على الأراضي اللبنانية من المُفترض أن يُترجم بمعادلة «لا غالب ولا مغلوب» بأقلّ التوقعات أو أن يحدّ من النفوذ الإيراني المُتجسّد بسيطرة «حزب الله» مباشرةً أو عبر حلفائه على مفاصل السُلطة، بحسب جهات سياسية معارضة. هذا بالتوازي مع شرط الإصلاح المطلوب سعودياً ودولياً لـ»تعويم» الدولة اللبنانية مجدداً. وكلّ ما عدا ذلك من اتجاهات سياسية لبنانية، يعني سحب اليد السعودية من البلد نهائياً. لذلك، وانطلاقاً من الموقف السعودي الواضح، اضمحلت حظوظ وصول مرشح «الثنائي الشيعي» لرئاسة الجمهورية رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية إلى حدودها الدنيا بعد اتفاق بكين.
إلى الباب السعودي المُغلق في وجه مرشح «حزب الله» والذي لم يتمكّن المفتاح الفرنسي من فتحه، لا تزال مفاتيح الأبواب الداخلية ضائعة أيضاً، خصوصاً المفتاحين الرئيسيين لتأمين النصاب والأكثرية لجلسة انتخاب فرنجية، عبر بابي «كليمنصو» و»ميرنا الشالوحي»، فضلاً عن مفاتيح الأبواب الخلفية والجانبية لبعض النواب المستقلّين، لا سيما المتأثّرين بالموقف السعودي.
فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل متمسّك بالـ»لا» المبدئية لانتخاب فرنجية أو تسهيل وصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى. حتى مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي» تشير الى أنّ باسيل لا يُساوم حتى الآن، ويرفض الحديث عن دعم فرنجية كـ»مبدأ». من جهته، يتدرّج موقف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» تصاعدياً في وجه مرشح «حزب الله»، فأعلن في مقابلة صحافية أمس أنّ فرنجية «مرشح تحدٍ»، معتبراً أنّ المقايضة بين الرئاستين الأولى والثالثة «بدعة». علماً أنّ جنبلاط يُعتبر المفتاح الأساس لفرط رباط المعارضة السيادية، ويقول نائب سيادي: «جنبلاط قادر على أن يفكك المعارضة بـ»تكة»، لحظة «يبرم» إلى الجبهة الأخرى».
هذا الواقع المُقفل رئاسياً في وجه فرنجية، يعرفه «الثنائي الشيعي» تماماً، ومع ذلك لا يزال يتمسّك بدعم مرشحه، ويقول مسؤول حزبي من الثنائي، رداً على إمكانية التراجع رئاسياً: «أعوذ بالله»، معتبراً أنّ فرنجية «ماروني لقطع النفس، ولا مرشح أفضل منه». ويرى «الثنائي الشيعي» أنّ مرشح المعارضة النائب ميشال معوض «راجح الكذبة»، وأنّ العقدة الرئاسية «مارونية» وأي اتفاق مسيحي– مسيحي سيفرض واقعاً رئاسياً جديداً. وحتى «ظهور» المرشحين الحقيقيين، لا جلسة انتخابية ولا رئيس.
أمّا عن إقفال «الثنائي» باب التسويات على أي مرشح غير فرنجية، خصوصاً قائد الجيش، فيرمي «الثنائي» هذه التهمة على غيره، وتقول مصادر قريبة منه: «قائد الجيش «كويّس» لكنّ فرنجية «يضمن أصواتاً في جيبه، أمّا قائد الجيش فلم يضمن حتى الآن أصوات جماعته الأقربين». وتتابع: «المشكلة ليست «عنّا»، بل عند «القوات و»العونيين»، باسيل يضع فيتو على اسم قائد الجيش و»القوات» تشترط تعديلاً دستورياً لانتخابه».
قراءة «الثنائي الشيعي» للوضع الرئاسي «غير واقعية»، بحسب مصادر معارضة، والأرجح أنّها مقصودة وهدفها خلفيات وأبواب أبعد من الرئاسة، يفتحها موقع رئاسة الجمهورية. وترى هذه الجهات، أنّ «حزب الله» يعوّل على معركة «الإنهاك»، خصوصاً أنّ كلّ الدول الخارجية منشغلة بملفات خارجية مؤثرة عليها أكثر من الملف اللبناني بالتوازي مع انهماكها بمشكلاتها وملفاتها الداخلية، من واشنطن إلى موسكو وباريس، وصولاً إلى طهران والرياض ودمشق. وبالتالي يعوّل «الحزب» على «إنهاك» الخارج والداخل خصوصاً مع تحرُّك الشارع اللبناني أو «تحريكه» الذي يلوح في الأفق على وطأة تفلُّت سعر الصرف دراماتيكياً.
وترى جهات سياسية معارضة، أنّ «الحزب» قد يستخدم لعبة «الفوضى المضبوطة» أو يستفيد منها، للضغط رئاسياً. وهو يتمسّك بترشيح فرنجية، على رغم شبه استحالة انتخابه، لاستخدامه مفتاحاً لبابيْن:
إمّا رفع السقف واستثمار الوقت بالتوازي مع «إنهاك» اللاعبين في الداخل والخارج لفرضه رئاسياً مقابل تنازلات في مواقع أخرى، عبر تسوية «الأمر الواقع» لإنهاء الفراغ، فيتمكّن «الثنائي» من الحُكم في عهد جديد وضمان نفوذه ووجوده في الدولة في مرحلة تحوّلات دولية وإقليمية تحدّ من دور «الحزب» العسكري في المنطقة.
وإمّا للمساومة على الرئاسة والدخول في تسوية تأتي برئيس «توافقي» وفق التعريف الفعلي لمفهوم التوافق وليس تعريف الثنائي، مقابل مكاسب سُلطوية تحمي «المقاومة» وتعزّز المكاسب والحصص الشيعية في الدولة بما يتوافق مع أهداف «الثنائي».
لكن تحريك الشارع أمامه مخاطر كُبرى، لذلك ترى جهات سياسية معارضة، أنّ «الثنائي» يحاذر تكرار تجربة «7 أيار»، خصوصاً بعد تجربة الطيونة، فمقابل أي شارع هناك شارع آخر. في المقابل سيتمسّك بعادلة «فرنجية أو الفراغ»، إلى حين نضوج تسوية ترضيه رئاسياً. هذا بالتوازي، مع اعتبار جهات سياسية وديبلوماسية مطّلعة، أنّ التخوُف من جنوح البلد إلى «الفوضى الكاملة» من العوامل التي يعوّل عليها «الحزب» للضغط رئاسياً. إذ إنّ القرار الدولي، وخصوصاً أوروبياً وأميركياً، لا يزال الحؤول دون الانهيار الشامل في لبنان، فالقارّة العجوز لا ترى أمامها إلّا «جحافل» من المهاجرين غير الشرعيين والنازحين، فضلاً عن التخوُف الفرنسي على الاستثمارات الموعودة في لبنان، وواشنطن لا تريد أي تهديد على الحدود الاسرائيلية أو الانغماس في وحول جديدة، وموسكو منغمسة في حربها على أوكرانيا ولا تريد أي تعكير للاستقرار على حدود سوريا حيث تتواجد قواعدها العسكرية. لكن جهات سياسية معارضة تعتبر أنّ هذا الرهان خاسر، فحتى لو نجح «التعطيل لفرض رئيس»، فهذا يعني أخذ البلد إلى مرحلة مختلفة أقلّها هزّ التركيبة كلّها، فالمعادلة واضحة: رئيس من 8 آذار يعني مزيداً من الانهيار.