"الأنباء" الإلكترونية
فيما يذهب رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع بعيداً في تحليل سفسطائي لا يلغي جوهر موقفه المختلف عن دينامية الحرص لدى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي يقدّم اعتبار بقاء الدولة بدءاً من الموقع الأول فيها المتمثل برئاسة الجمهورية مروراً بكل المؤسسات، وصولاً إلى ضرورة إنقاذ البلاد من "الأتون الذي يثقل كاهل الوطن والشعب معاً"، على كل اعتبار آخر، فإنّ جعجع مدعوٌ ومعه باقي القوى السياسية، من الجانبين سوياً، والتي ترفض النزول عن شجرة المواقف المتقابلة، إلى الالتقاء على طاولة البحث الحقيقي عن رئيس، فيما الرجاء يبقى أن ينعكس قبول جعجع بمشاركة نوابه في "خلوة الصلاة والتأمل"، قبولاً بإقران حرصه على الرئاسة والإنقاذ بخطوة جريئة تواكب مبادرة جنبلاط، وبالتالي وضع كل الافرقاء الآخرين أمام مسؤولياتهم في ضرورة التنازل لمصلحة الدولة.
وبانتظار الرجاء الرئاسي، يبدو أنه بات لزاماً على اللبنانيين الاعتياد على نمط عيش جديد، عنوانه "الفوضى الشاملة". سيناريو مقلق حصل أمس كادت أن تنزلق البلاد بسببه إلى ما لا تحمد عقباه. تحرّكات احتجاجية في الشارع بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، ترافق مع إطلاق نار لوقت طويل نسبياً في بيروت والشمال من اتجاهات متعدّدة، ولو سقطت رصاصة طائشة على أحد المحتجين كانت لتكون الشرارة التي تُشعل الشارع وتُفاقم حجم الفوضى الأمنية. لكن الأكثر سوءا أن رغم كل ما شهده البلد أمس، لم يتحرّك رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ولم يصدر عنه أي موقف، في وقت كانت البلاد تواجه خطر الانزلاق الى هاوية لا عودة منها.
وبسحر ساحر، ارتفع الدولار أكثر من 20 ألف ليرةٍ في غضون ساعات دون أي سبب منطقي، وتخطّى عتبة الـ143 ألفاً، بعدما أقفلت بورصة السوق السوداء ليل الإثنين على 120 ألفاً للدولار الواحد، الأمر الذي دفع مصرف لبنان للتدّخل من جديد، من خلال إعلانه ضخ الدولارات وسحب الليرة، ورفع دولار منصّة "صيرفة" إلى 90 ألفاً، فانخفض الدولار إلى حدود الـ105 آلاف ليرة، وتراجعت معه أسعار السلع نسبياً.
الواقعان الاقتصادي والأمني غير مريحين على الإطلاق، فالتفلّت الذي حصل يوم أمس، خصوصاً في بيروت، على مرأى ومسمع القوى الأمنية، قد يتكرّر كل يوم، وقد لا تنتهي فصوله على خير في ظل الفوضى الحاصلة والتي لا تستتبع سوى الفوضى، وقدرة مصرف لبنان على السيطرة على سوق القطع مشكوك بها نسبةً للتجارب الأخيرة، ما يعني أن البلاد مقبلة على ما هو أسوأ.
المتخصّصة بالاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة، ليال منصور، استبعدت قدرة مصرف لبنان على السيطرة على السوق والحفاظ على انخفاض سعر صرف الدولار، لا بل توقّعت أن تكون نتائج التعميم الأخير الذي أصدره قصيرة الأجل، فيعود الدولار ويواصل ارتفاعه، وما من عامل يمنعه من الوصول إلى "المليون ليرة"، في حال استمر الحال على ما هو عليه، والموضوع مسألة وقت لا أكثر، إذ لا سقف للدولار.
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، رأت منصور أن "إضراب المصارف ووقف منصّة "صيرفة" عن العمل في الأيام الأخيرة بسبب الإضراب المذكور، بالإضافة إلى المضاربات، هي أسباب تقنية ترفع سعر الصرف، لكنها في الوقت نفسه تفصيلية، فيما السبب الأساسي غياب الحلول الجذرية".
في هذا السياق، وبعد ارتفاع وانخفاض سعر صرف الدولار بشكل جنوني في غضون ساعات أو حتى دقائق معدودة، عاد الحديث والمطالبات بالدولرة، خصوصاً لجهة قطاع المحروقات، الذي يشتري البضاعة بالدولار ويبيع بالليرة، وكادت الأسواق أن تواجه مشكلة الشح يوم أمس بسبب توّجه بعض أصحاب المحطات للإقفال.
إلّا أن قرار دولرة المحروقات لم يصدر بعد، وبدوره، كشف ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أن "اجتماعاً سيحصل بين المعنيين اليوم للبت بالدولرة من عدمها، والهمّ الأول توفير المادة في السوق".
وفي حديث لجريدة "الأنباء" الإلكترونية، أكّد أبو شقرا استمرار فتح المحطات والبيع بشكل طبيعي، نافياً التوجّه نحو الإضراب، مفضلاً انتظار نتائج الاجتماع المرتقب للبناء على الشيء مقتضاه.
في الإطار، حذّرت منصور من خيار الدولرة الشاملة، واعتبرت أن هذا الإجراء هو "أسوأ" الاجراءات الاقتصادية، فيما المطلوب حل جذري للأزمة، خصوصاً وأن الدولرة تستدعي دفع رواتب موظفي القطاعين العام والخاص بالدولار.
كل هذا الواقع المرير يردّنا إلى أهمية التسوية السياسية التي تستتبع تسويات اقتصادية وهدوءاً أمنياً، ودونها، فإن البلاد ستكون على فوهة بركان ستُصيب حممه الجميع دون استثناء متى انفجر.